الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١١ - الأحد ٢٤ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٤ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

المال و الاقتصاد

بعد ٤ أعوام على الأزمة العالمية:
قواعد عمل المصارف العالمية لا تزال قاصرة





نشرت وكالة بلومبرج تقريرًا ناقشت فيه النتائج التي وصل إليها القطاع المصرفي عالميًا بعد تطبيق (اتفاقية بازل ٣) وما ينبغي أن يحدث مستقبلاً، وأشار التقرير إلى أن أربعة أعوام مرت منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، لايزال النظام الذي تسبب فى أعمق أزمات الركود الاقتصادي منذ عام ١٩٣٠ قائمًا بقصوره وعيوبه.

وأضاف أنه بالطبع سنت القوانين وتمت إعادة صياغة القواعد المالية في دول العالم، وكمثال تمت الموافقة في الولايات المتحدة عام ٢٠١٠ على قانون واسع النطاق سمي قانون (دود – فرانك)، إلا أنه افتقد عنصرًا حاسمًا يميز النظم المالية القوية، وهو زيادة التنسيق الدولي فيما يخص رأسمال البنوك.

وأشار التقرير إلى أن الأسبوع الماضي شهد اختلاف وزراء مالية الاتحاد الأوروبي وبريطانيا حول هذا الموضوع، وهو ما يعني بوضوح أن القواعد الجديدة لكفاية رؤوس أموال البنوك بمجرد ظهورها ستكون ضعيفة للغاية.

وقد ناقشت الجهات التنظيمية المالية في العالم كيفية تطبيق الاتفاقيات التي عرفت باسم بازل ٣ وهو الاتفاق الذي سمي باسم المدينة السويسرية التي شهدت معظم اجتماعات الجهات التنظيمية للتفاوض حول القواعد نفسها التي سبقته فقد كان بازل ٢ وهو النظام الذي فشل كليًا، وكان يقضي بأن البنوك لا يلزمها إلا الاعتماد على رأسمال قليل للغاية، كما أنه يمكن السماح للبنوك بأن تستثمر في بعض الأوراق المالية عالية المخاطر بما فيها الديون السيادية، وبذلك فقد خاطرت تلك البنوك بحرية، وهو ما أدى في النهاية إلى الانهيار المالي، وللأسف فقد جاءت قواعد التمويل الجديدة بتعديلات طفيفة على رأس المال، وهذا على افتراض أن تلك البنوك لن تتعرض لمزيد من التراجع أثناء تطبيق القواعد الجديدة.

وتحمل رؤوس أموال البنوك أهمية قصوى لما لها من قدرة على استيعاب الخسائر، إذ إنه في حال تعرض بنك ذي رأسمال جيد لأزمة، فإن حملة أسهم هذا البنك سيعانون، إلا أن المودعين ودافعي الضرائب الذين يضمنون ودائعهم وبقية النظام المالي سيكونون في مأمن خلال تلك الأزمة، وبعبارة أخرى يمكننا القول إن ضآلة رأس المال أو الرافعة المالية الضخمة كانت السبب الرئيسي وراء الأزمة المالية التي حدثت.

ويقترح الاتفاق الجديد أن تحتفظ البنوك بحصة من رأس المال تقدر بـ٤.٥% من الأصول المعدلة حسب المخاطر، بالإضافة إلى ٢.٥% كاحتياطي إضافي مؤقت، وبذلك تكون نسبة الـ٧% هي التطور الذي طرأ على اتفاقية بازل ٢ ولكنه يعد أقل بكثير من المطلوب.

وحتى فى ظل النظام الجديد فإن بعض الأصول التي يفترض أنها خالية من المخاطر ستتطلب القليل من دعم رأس المال أو قد لا تتطلب أصلاً، وبالتالي ستنخفض حصة المساهمين من إجمالي الأصول، حيث إن اتفاقية بازل ٣ تفرض مستوى للحصص من ٣% فقط كنسبة للمساهمين من إجمالي الأصول، وتنادى أيضًا بالعمل على زيادة هذه النسبة مستقبلاً لتصل إلى ٢٠% من الأصول.

وعندما تذكر أرقام كهذه، يشعر المصرفيون بالرعب فورًا، وتسارع الحكومات لاسقاطها في كل مرة، لأنه إذا ما قامت البنوك بتنحية جانب كبير من رؤوس أموالها كاحتياطيات فإنها لن تكون قادرة على زيادة الإقراض وبالطبع تحتاج الحكومة لزيادة الإقراض بشدة.

وهذه مغالطة، كما أكد العديد من خبراء التمويل، ويمكنك الرجوع إلى ورقة بحثية أعدها أنات ادماتي الباحث بجامعة ستاندفورد، وتبين الورقة أن تلك الحصص من رأس المال لا تنحى جانبا بل إنها تعتبر مصدرا من مصادر تمويل البنوك، ولا تستخدم لتمويل البنوك، مؤكدًا أن إجبار البنوك على زيادة تلك الحصص لن يقيد قدرتها على الإقراض. وقد يخفض هذا من عوائد حملة أسهم البنك، ولكن في حال كون البنك آمنا مع الأخذ بالاعتبار أن جعله آمنا هو بيت القصيد، فإن العوائد على الأسهم يجب أن تكون أقل، وعلينا أن نعلم أن بعض العوائد التي يتمتع بها ملاك البنوك تعكس هذا الدعم الضمني الذي يقدمه دافعو الضرائب وتتم نسبتها للبنوك الضخمة التي لا يمكن أن تفشل، ويجعل البنوك أكثر أمانا، فإن رأس المال الإضافي سيقلل من قيمة هذا الدعم وسيؤثر سلبا على أرباح البنوك، إلا أن هذا يعتبر شيئًا جيدًا.

وبسبب كون اتفاقية بازل ٣ ضعيفة للغاية وفى طريقها للفشل، فإن الجهات التنظيمية الدولية عليها أن تبدأ بمثالية من حيث انتهت، إلا أن هذا لن يحدث، والشيء الحاسم هنا هو أن الجهات التنظيمية القومية عليها أن تعلم أن اتفاقية بازل ٣ هي الحد الأدنى المطلوب من الإصلاحات، واعتقد أنها تؤمن بهذا عمليًا، وبالتالي فإن عليها التوجه إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات حتى ولو بشكل منفرد، وهنا نجد أن بريطانيا تريد الاحتفاظ بقدرتها على تطبيق معايير أكثر صرامة من معايير «بازل ٣» التي تعتبرها معايير يطلبها الاتحاد الأوروبي، وهي المعايير التي لم تلق شعبية في أوروبا، وقد يكون من الجيد أن تصر بريطانيا على موقفها.

وستقوم البنوك في كل مكان بالعمل على مقاومة فكرة أن اتفاقية بازل ٣ هي مجرد بداية، وإذا ما قامت الولايات المتحد بفرض قيود أكثر صرامة على قواعد رؤوس أموال البنوك لديها متجاوزة تلك القواعد في الدول الأخرى، فإن تلك البنوك ستشكو من وضعها في حال لا تمكنها من المنافسة عالميًا وستطالب بمرحلة لتمهيد الأجواء لمثل هذا الانتقال قبل تطبيق القواعد الجديدة وهو اقتراح مقبول.

ولكن إذا ما تم التنسيق دوليًا في مثل هذه الإجراءات لتطبيقها عالميًا سيكون من الممكن توفير المزيد من الوقت وتطبيق الإجراءات سريعًا، والخيار واضح أمام الجهات التنظيمية المسئولة، يمكنها تأمين عمل البنوك وأن تعمل في ظل ظروف مناسبة بعض الشيء للتنافس عالميًا، أو بنوك غير مؤمنة تنافس على كل المستويات ويكون استمرار الركود واحدًا من نتائج هذا العمل والاختيار سهلا.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة