إنهم أولياء الشيطان!
 تاريخ النشر : الأحد ٢٤ يونيو ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح
:قال تعالى: } الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا{ النساء / .٧٦
الشيطان من الجن، ومن طبيعة الجن التخفي والاستتار، فلا يراهم الإنسان، ومن رحمة الله تعالى بعباده أن جعل الشيطان يتجلى في أوليائه الذين يسعون جاهدين إلى تحقيق مآربه، وتنفيذ وصاياه.
ومن تجليات الشيطان استبداد بعض الحكام وطغيانهم، ومن تجلياته أيضا نهب أموال الأمة على أيدي هؤلاء ، والتلاعب بأقدارها، ورهن حرياتها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، لأعداء الأمة البغاة الذين لا يريدون الخير لها، ولا التنمية ولا التفوق في أي مجال من المجالات، وخاصة التخصصات العلمية النادرة مثل: علوم الذرة، والفضاء، وغيرهما من العلوم التي صارت حكرا عليهم وحدهم.
ومن تجليات الشيطان أنه جعل من شياطين الإنس أعوانا له يأتمرون بأمره ونهيه، ولقد حذر الحق تبارك وتعالى عباده في محكم التنزيل من اتخاذ الشيطان وليا من دون الله تعالى، كما حذرهم من اتخاذه إلها يعبدونه من دون الله تعالى، فقال جل ذكره: } ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين (٦٠) وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم(٦١){ يس.
ولم يتصور أحد قبل نزول هذه الآية الجليلة أن يضل الإنسان هذا الضلال البعيد، فيعبد الشيطان من دون الله تعالى، ولقد تحقق هذا على أرض الواقع في القرن العشرين حين خرجت جماعة في الغرب اتخذت الشيطان لها إلها من دون الله تعالى تعبده وتقدم له القرابين.
نعم في القرن العشرين، قرن العلم والتقدم التكنولوجي الذي قدم إجابات شافية عن كثير من أسئلة الناس الحائرة، وكان التقدم العلمي داعما لقضية الإيمان، والتوحيد، حيث أثبت العلم بما لا يدع مجالا للشك حقائق وثوابت أشار إليها القرآن الكريم حين قال سبحانه وتعالى: }لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون{ الأنبياء/ ٢٢،وهذه إشارة علمية واضحة على ارتباط التوحيد بالثوابت الكونية.
السماوات والأرض منذ أن خلقهما الله تعالى لم تفسدا، ولم يطرأ عليهما أي تغيير أو تبديل، فالشمس منذ أن خلقها الله تعالى تشرق من الشرق وتغرب في الغرب، ويرتبط بها الكثير من القضايا التي تهم الناس، وفي بيان رائع جليل على ثبات حركة الشمس والقمر قال سبحانه وتعالى:} لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون{ يس/.٤٠
نعم في هذا العصر الذي أسهم العلم في الدعوة إلى الإيمان كما قال الكاتب الأمريكي موريس كريسون في كتابه (العلم يدعو إلى الإيمان) إن العلم يدعو إلى الإيمان، في مثل هذا العصر الذي ضاقت فيه شقة الخلاف بين العلم والإيمان يخرج علينا أناس استعبدتهم شهواتهم، وتحكمت فيهم ملذاتهم، فلم يكتفوا باتباع وسوسة الشيطان، والخضوع لكيده الضعيف، بل بالغوا في الثقة به، فعبدوه وأخلصوا له العبودية.
وهذه القضية ليست بالمستحيلة حيث يزين الشيطان لأوليائه أهواءهم، فإذا خضعوا لها، واتخذوا منها آلهة يعبدونها من دون الله تعالى، فتلك مقدمة إلى أن يستسلموا لكيد الشيطان وغوايته، فيتخذوا منه إلها من دون الله تعالى، يقول سبحانه:} أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون{ الجاثية/.٢٣
هذا الإنسان هو مشروع المستقبل للشيطان ليكون له وليا، ثم عبدا مطيعا إن لم يتدارك الإنسان نفسه، ويصح من غفلته، ويستنهض همته، ويستعيد وعيه لما هو مقدم عليه من خطر جليل، وفساد عريض.
أولياء الشيطان هم التجسيد المادي المحسوس للإرادة الشيطانية، تتجلى في أقوالهم وأفعالهم رغبات الشيطان، وأمنياته، ويكونون أداة تنفيذ لخططه ومؤامراته.
هم عبيده الذين أسلموا إليه مقاليد أمورهم يفعل بهم ما يشاء، ورغم أنه حذرهم من كيده، وأنه لا سلطان له عليهم، فان صوت شهواتهم المحرمة يعلو على كل صوت: }وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم{ إبراهيم/.٢٢
رغم هذا التصريح الذي أعلنه الشيطان لأوليائه الذين اتخذوه إلها يعبدونه من دون الله تعالى فان رغبات هؤلاء الشريرة، وشهواتهم المنحرفة، كانتا أعلى صوتا، وأقوى تأثيرً من الحقيقة التي أعلنها الشيطان، وأنه لن يكون المسؤول الوحيد عن إضلال من ضل من عباد الله عن صراطه المستقيم، فهم شركاء له فيما أوقعوا أنفسهم فيه من المعاصي، ولن يقبل الله تعالى اعتذارهم بسيطرة الشيطان عليهم، وإغوائه لهم، بعد هذا التصريح الواضح البيّن الذي أعلنه، وأعلن فيه براءته مما يتهمونه به.
ولنسأل أو نتساءل: إذًا، فمن هم أولياء الشيطان، وما مدى مسؤولياتهم عما يعانيه الناس؟
والجواب فيما نظن هو: ان أولياء الشيطان هم كل متجبر طاغية لا يؤمن بيوم الحساب الذي نسي ذلك اليوم، فأكثر في البلاد الفساد، فسفك الدماء، وهتك الأعراض، وأهلك الحرث والنسل، وخير ممثل لهذه الفئة فرعون الذي قال الله تعالى عنه: }إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين{ القصص/.٤
وأولياء الشيطان هم الأثرياء الذين استغنوا على حساب شعوبهم، ولم يراعوا في كسبهم الحلال، ثم ابتغوا بثرائهم الفساد الذي نهوا عنه كما قال الله تعالى عن قارون:} إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفتاحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين (٧٦) وابتغ فيما اتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين (٧٧){ القصص.
أولياء الشيطان هم الذين استأمنتهم الشعوب على دمائهم، وأعراضهم، وأموالهم، فخانوا الأمانة، ووضعوا أيديهم في أيدي أعداء أمتهم، وأعطوا ولاءهم للشيطان، ولأعوانه من الإنس، فعانت شعوبهم منهم الكثير، مما دفع بعض هذه الشعوب إلى الثورة عليهم، والمطالبة بتخليهم عن السلطة.
هؤلاء هم بعض أولياء الشيطان، وهؤلاء هم الذين تتجلى إرادة الشيطان فيهم، ويتبعون خطواته، ويسيرون على نهجه، ويترسمون طريقه لأنهم أرادوا الدنيا ولم يريدوا الآخرة، وسعوا إلى الشهوات العاجلة، واستبطأوا نعيم الآخرة، فكان مصيرهم الخسران المبين الذي لحق بإبليس، وهم من أوليائه، فيصيبهم ما أصابه، ويلحق بهم ما لحق به من طرد من رحمة الله تعالى.
moc.liamg@halafniblaa
halafniblaa@
.