الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٤ - الأربعاء ٢٧ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٧ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


انتقالُ الصراعِ المصري داخل الدولة





عبرت نماذجُ الدول العربية في مرحلة الانتقال من الشمولية إلى الديمقراطية، من سيطرةِ طبقةٍ على المُلكية العامة إلى تعددِ هذه السيطرة بتوزعها على النخب الغنية، إلى ظهورِ تنوعٍ في هذه النماذج وعدم قدراتها كلها على تحقيقِ تحولٍ ديمقراطي عميق.

الأمرُ يعود لتشتتِ الفئاتِ الرأسمالية ومجيئها من جذورٍ مختلفةٍ متضادة، وبدا واضحاً أن الجذور البيروقراطية العسكرية والسياسية هي الأقوى في تحديد ملامح الطبقة الجديدة التي تتكون.

وإذا كانت تونس تشذلا عن كل المنطقة العربية الإسلامية وجاءتْ بطبقةٍ جديدة شبه كلية من خارج النظام الاجتماعي فهي حالةٌ متفردة، تمثل تراكمية ديمقراطية اجتماعية لكنها لا تخلو من بقايا شمولية في الحكم السياسي وفي الحكم الاجتماعي، عبر المنبثين في الأجهزة وفي المستغلين للنصوص الدينية للهيمنة التقليدية.

ولهذا فإن نظيرتها العراقية التي جلبتْ طبقةً جديدة كلية من خارج النظام السابق لم تكن مثلها إطلاقاً، لكونها جماعات من الإقطاع المذهبي المتعدد الأشكال المهيمن على الطوائف والقوميات ولم يستطع الأكرادُ في مقاربتهم للحداثة أن يشكلوا أي انصهار وطني قومي لكون الطائفتين الشيعية والسنية يهيمنُ عليهما الإقطاعُ وهما السائدتان في الوطن.

البلدان الأخرى ترفض فيها قوى مذهبية سياسية العمل والاختلاف داخل البناء الوطني كالبحرين لخلقِ طبقةٍ جديدة قائدة للأجهزة الحكومية والتحول الديمقراطي، هي شبيهةٌ بالحالة العراقية حيث يَمنعُ مشروعُ رأسمالية حكومية شمولية خارجية من الانصهارات الوطنية الشعبية ومن تشكيل بناءات جديدة توزع الثروة بأشكال مختلفة عن الماضي. أي أن تكون أجنةٌ لأنظمةٍ رأسمالية ديمقراطية.

المستوى المالي والمستوى الأيديولوجي والمستوى السياسي لقوى المعارضة البحرينية ولمستوى القوى الحكومية العراقية وكذلك للقوى الحاكمة اللبنانية لا يَسمح لها أن تندمجَ في النظام أو أن تقبل الانصهار الوطني الاختلافي الديمقراطي، فتعيشُ هذه البلدانُ حالات التفتتِ والصراعات غير المنتجة.

ولهذا تكتسبُ الحالةُ المصرية شكلاً نموذجياً في الأمةِ العربية المتعددةِ التطورِ والمتعددة النماذج، فجانبا الطبقةِ المسيطرة سياسةً إداريةً عسكرية، ومذهبيةً اقتصادية شعبية، نموذج المجلس العسكري، ونموذج الإخوان المسلمين، المتصارعان خلال عقود التباين الاجتماعي السياسي، جاءَ التاريخُ الراهنُ ولصقهما مع بعض بعضا لصقاً وليس تذويباً وانصهاراً.

هذا اللصقُ نتاجُ الضروراتِ الموضوعية لتشكيل طبقةٍ رأسماليةٍ جديدة، طبقةٌ من نوعٍ مختلف، تشكلُ تحولاً نوعياً تجاوزياً، وتنفي مستوى القوتين السابقتين الحكومية العسكرية والمذهبية المحافظة الدينية التقليدية، تجعلهما تنصهران في بوتقةِ التحول النوعي الجديد الديمقراطي.

الإخوان ليس ثمة فيتو عليهم يمنعهم من التعاون مع المجلس العسكري، مثل القوى الشيعية السياسية في البلدان الأخرى، لكن القوتين المصريتين تعملان ليس خارج التأثيرات الوطنية والعربية والعالمية، لكنهما مستقلتان، وهما أيضاً من مستويين اقتصاديين اجتماعيين مختلفين، فالمجلسُ يمثل قمة الطبقة التي استولت على العَيش المصري خلال نصف قرن، والإخوان يمثلون القوى الرأسمالية الصغيرة والمتوسطة المخنوقة من تلك الهيمنة التاريخية.

لكن هذه القوى الأخيرة تصعدُ مزحزحةً خصمَها التاريخي حسب قدراتها ومصالحها وتحالفاتها، وسوف تدخلُ في مصاهرة معه، وزغاريدُ هذه المصاهرة بدأتْ منذ أن رُسم بيتُ العرسِ الثنائي، وتم تقاسم النفوذ على الشارع والأجهزة المنتخبة، وتم استبعاد مرشحين عديدين يمثلون قوى أخرى وسطية وشعبية حتى برز قطبا الإقطاع السياسي والإقطاع المذهبي، مُعبرين عن استقطاب المجتمع المصري في تحوله من الإقطاع إلى الرأسمالية، هذه العملية التي أخذت قرنين من دون نجاح، لعدم قدرة المجتمع على إنتاج طبقة وسطى حرة من خلال الصناعة الخاصة، فجاءتْ الصناعةُ الحكوميةُ وسرقتها من خلال البيروقراطية، وجاءتْ رساميل طفيلية من التجارة والبيوت المالية وزكاة المؤمنين، لتعقدا مرحلةً جديدة، فهل تُنتج طبقةٌ وسطى حرةٌ من هذا الزواج أم تتحولان إلى خديجٍ اجتماعي وكائنٍ مشوه لا هو إقطاع ولا هو برجوازية؟

هذا هو دورُ الديمقراطية، ودور(قوى الشعب العامل) التي خُدعَت بالاشتراكية والحزب الوطني والإخوان أن تكتشفَ وراء التسميات الإيديولوجية عن قوى طبقية، ومصالح اجتماعية لطبقاتٍ عليا في حالاتٍ من الصراع وتقاسم النفوذ وأن تمنع استغلالها السياسي، وتوجهها نحو المصالح الجماهيرية، وتخفف من غلوائها وتمركزها على مصالحها.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة