متى تبدأ مسيرة التغيير والحوار؟
 تاريخ النشر : الأربعاء ٢٧ يونيو ٢٠١٢
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
في مقالنا السابق كتبنا عن خمسة متطلبات لحل الأزمة وتحقيق الحياة الحرة الكريمة التي ينشدها المجتمع وقيادته، ولخصناها في متطلبات تنموية، واجتماعية، وشرعية، وأمنية، ومتطلبات لتوحيد المجتمع. كما خلصنا إلى ان النضال السلمي هو السبيل لترجمة المتطلبات إلى مشروع سياسي يتوافق عليه المجتمع، ويستند إلى أسس أهمها أن المشروع يجب أن يعالج مشاكل حقيقية في المجتمع ويؤسس لبناء مستقبل أفضل للجميع، فما هي هذه المشاكل الحقيقية؟
من متابعة كتاب الأعمدة في الصحافة المحلية ومداخلات المواطنين في وسائل التواصل الاجتماعية وما يدور في المجالس الشعبية، وخطب شيوخ الدين في أيام الجمع، وتحقيقات المجلس النيابي، حتى تصريحات المسئولين، جميعها تشير إلى ثلاث قضايا رئيسية: أهمها الفساد الذي يعتبر أولوية أولى ومعالجته تضع البلاد على أول طريق التنمية والتقدم والمصالحة الوطنية.
المشكلة الثانية هي ضعف المشاركة السياسية للتخطيط للمستقبل المنشود وما يصاحب ذلك من سوء إدارة الثروة وتنميتها وتوزيعها. المشكلة الثالثة هي تحقيق المصالحة الوطنية التي تؤثر في امكانية التوصل إلى حلول.
وعلى الرغم من توافق الشعب على خطورة ترك هذه المشاكل تتعقد وتستفحل في المجتمع وتشل تقدمه، وعلى الرغم من قناعة الغالبية بضرورة العلاج السريع للخروج من الأزمة والنفق الذي نحن فيه، فإن بعض القوى مازالت تلعب على ورقة النفس الطويل، وان «الوقت كفيل بحل المشكلة».
وبموجب تقارير المنظمات الدولية والدراسات الميدانية فإن هذه المشاكل ليست مقتصرة على البحرين ولا هي منفصلة عن بعضها بعضا، وان أي حل لاحداها بالضرورة سوف يؤثر فيها جميعا، وبالتالي فإن أي مقترح للحل يجب أن يشكل منظومة متكاملة لا يمكن الانتقاء أو الاختيار من عناصرها.
كذلك من الضروري أن تستند منظومة الحل إلى تفهم العوائق التي تقف في طريق حل هذه المشاكل وطرح التساؤلات حول لماذا هي مستعصية على الحل وما هي الترسبات التي تغذيها؟ ومن هذه التساؤلات: هل أسباب المشاكل بنيوية تمس أسس بناء الدولة، أم أنها قضية مفاهيم مازالت تسيطر على عقول البعض، أم هي مشاكل فردية شخصية يمكن معالجتها بتعيينات أو بتدوير مناصب؟
نرى ان الأسباب هي تفاعل بين العوامل الثلاثة، فهناك أوضاع الدولة وأجهزتها بشكل يؤثر في استقلاليتها وأدائها، وهناك مفاهيم قبلية لها مفهوم خاص حول الثروة والسلطة وإدارة الدولة، وهناك مشاكل بنيوية تختص بهيكل الدولة وعلاقته بالمجتمع والمواطن. هذه القضايا تحتاج إلى وقت لاحداث تحول نحو مجتمع مدني يقوم على تقسيم طبقي أفقي يلغي تدريجيا التقسيم القبلي والطائفي الذي نحن فيه اليوم. وعلينا ان نبدأ مسيرة التغيير الجاد للخروج من المنزلق الخطر، مدركين هذه العوامل المعوقة. هذا الإدراك يجعلنا أكثر تفهما للحاجة إلى عامل الزمن والتدرج لمعالجة هذه المشاكل، ويجعلنا أكثر إصرارا على بداية الطريق الآن وليس مستقبلا، ويجعلنا أكثر يقينا بحاجتنا إلى الحوار حولها.
ان بداية الطريق كما أسلفنا يبدأ بمواجهة مشاكلنا الثلاث (الفساد، المشاركة السياسية، المصالحة الوطنية) من منطلق علاقتها المنظومية المترابطة، ومن واقع الايمان بعدم امكانية التناول الجزئي او الانتقائي، ومن إيمان بضرورة تغليب المصلحة الوطنية للمجتمع، وادراك بأهمية العلاج حفاظا على مكتسباته. نرى ان نبدأ بتلبية المتطلبات التنموية التي فصلناها في مقالنا السابق والتي تعتبر الفساد على انه اكبر عوائق التنمية ويتسم بكونه ظاهرة لا يقتصر وجودها على مؤسسة واحدة منعزلة بل انه بطبيعته ينتشر بشكل منظومي، ينخر في المجتمع ككل وعلى جميع المستويات ويطول كل الكيانات.
لذلك فإن محاربة الفساد والحد من آثاره يعتبران أولوية، وقد نجحت دول كثيرة في تفكيك منظومته باستئصال مَنابعها المؤسسية، وتحقيق ذلك تطلب منها احلال مكانه منظومة متكاملة وحزمة من آليات مكافحة الفساد تتكون من عدة عناصر: اولها: وجود إدارة مساءلة ومحاسبة على المال العام وكيفية التصرف فيه وعلى الانجاز والاداء، العنصر الثاني: مجلس نواب يملك الأدوات اللازمة التشريعية والرقابية للقيام بمهمة المساءلة الحقيقية الفعالة لكل متخذ قرار، العنصر الثالث: وجود قضاء ونيابة عامة مستقلين بحيث يتم اختيار مجلس القضاء الاعلى بالانتخاب المباشر من قبل السلك القضائي ويختص المجلس بتعيين وعزل القضاة وإدارة شئونهم، العنصر الرابع: هو حرية التعبير وحق الحصول على المعلومات من خلال تحرير الإعلام عن السلطة التنفيذية بحيث يكون هيئة مستقلة ، العنصر الخامس: هو استقلالية شيوخ الدين بحيث يصبح المجلس الذي يمثلهم جهازا مستقلا لا يخضع للتعيينات والعزل من خارج الجسم الديني وبميزانية مستقلة تحدد من قبل البرلمان، كما رأينا في تحول الأزهر الشريف بعد الثورة المصرية، العنصر السادس: هو وجود هيئة مستقلة لمكافحة الفساد تابعة للبرلمان وتقوم بثلاثة ادوار محددة هي وضع التشريعات والأنظمة الواقية من الفساد، والتحري عن حالات الفساد وتعقبها وكشفها، والردع بتحويل حالات الفساد إلى النيابة العامة، العنصر السابع: تقنين العطايا والهبات العينية والمالية من أي جهة تُمنح لرجالات الدولة أو رجال السياسة والمؤسسات المدنية ، كون هذه القنوات هي مصدر أساسي من مصادر الإفساد والتأثير في الحياة السياسية والاقتصادية والتنموية، العنصر الثامن: تقوية مؤسسات المجتمع المدني من خلال قانون يعطيها سلطات واستقلالية تمكنانها من كشف وتعقب الفساد وتتبع مداخله، وأخيرا العنصر التاسع: وجود ديوان الرقابة المالية والادارية تابع للبرلمان لاكتمال عناصر منظومة مكافحة الفساد.
تمثل هذه الآليات منظومة متكاملة للسيطرة على الفساد والحد من آثاره على المجتمع ووضعه في طريق التنمية المستدامة والقدرة على معالجة المشاكل الاخرى، ولنا لقاء.
hb.moc.ocletab@itiawukm
.