الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٧ - السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


أنا فوق القانون





لقد كان لآخر مقالة نشرت لي في جريدة أخبار الخليج بعنوان «أذان في غير وقت الصلاة» تأثير ملموس في القراء، فقد بدأت النهار بمكالمات من داخل البحرين وخارجها توزعت الى ثلاث فئات، الأولى منها كانت مكالمات من أهل الفضول يسألونني عن اسم الشخصية المعنية وهويتها، والثانية كانت من شخصيات من جهات معنية طلبوا فيها ما يثبت كلام الخبير الاقتصادي، أما الغالبية الكبرى فقد كانت من أناس ادَّعوا أنهم يعرفون الشخصية، مشيرين الى أنهم ممن تضرروا في تعاملاتهم سواء مع شخصيتنا أو مع أمثالها، وبالتالي كانوا وبحسب كلامهم يشِدون على يدي ويشكرونني على ما كتبته مشيرين الى أن أمثال هذه الشخصية يجب أن تعاقب وأن يُجعل منها عبرة لكل من هو فاسد أو تسوّل له نفسه أن يفسد أو يسمِّم الآخرين.

وبالرغم من أنني لم أؤكد أو أنفي لاحد اسم الشخصية أو هويتها فإنني تطرقت في الحديث مع كل من ادّعى معرفتها مشيراً إلى أنه لا جدوى من أن يشعر هؤلاء بالغبطة بل إن الواجب عليهم أن يتخذوا الخطوات الإيجابية التي ستحد من استغلال أمثال شخصيتنا ضعافَ النفوس وتسميمها إياهم، وإننا يجب ألا نتقاعس في أخذ دور إيجابي وفعال في الحد من ظاهرة الفساد التي يتبوأ فيها شخصيتنا الدور الرئيس بلا منازع.

ولكن أغرب مكالمة جاءتني من مصرفي خليجي طلب أن يقابلني ليقف على الموضوع برمته. ومع أنني لم أشفِ غليله في جلستي معه بالاعتراف باسم الشخصية المعنية فإنه وجه لي عدة تعليقات رأيت أن أشارك السادة القراء فيها. فقد كان أول أسئلته «وما لك أنت في هذه القضية كلها؟» فرددت عليه «إنني عاهدت نفسي أن أكون التغيير الذي أرغب أن أراه في بلادي»، ففي الوقت الذي باتت السلطات المعنية شبه فاشلة إن لم تكن مشلولة بالكامل في اتخاذ أي خطوات أو إجراءات رادعة ضد الشخصية الفاسدة ، أو غيرها ممن امتهن الفساد وأتقنه ، أو أن تثبت أن التغيير الذي عاهدنا أنفسنا وغيرنا ، سواء كانت المعارضة أو الدول الصديقة التي تساندها ، أن ننجزه أو أن نثبت ولو مجاملة أن ردع أمثال شخصيتنا الفاسدة آتٍ لا محالة ولو بعد حين، فإن كل الذي بنيناه وكل الذي سهرنا الليالي لنضع لبناته ، من اقتصاد أو مركز مالي أو نمو ، معرض للزوال الأبدي، ما لم نبدِ وبصورة جدية نيتنا في المحافظة عليه وعلى سمعة بلادي.فجارات البحرين من الدول الشقيقة يتربصون ويتحينون الفرص لسحب البساط من تحت أقدامنا، بل إن ذلك بات غير ضروري فالمستثمرون بدأوا يتركون البحرين بمحض إرادتهم، ومثل هذا التقاعس في اتخاذ خطوات حازمة لا تزيد الموقف الا سوءا فكما يقول الأخ المصرفي: «عندما كنا في السابق نقول لأي مستثمر إننا مرخصون من قبل السلطات المعنية في مملكة البحرين كان ذلك يعني أننا تحت إشراف جهات فائقة الدقة ذات قوانين وأنظمة صارمة إلا أن هذا كله تغير» وبحسب كلامه «فإننا وإن قلنا اليوم إننا تحت إشراف السلطات البحرينية أشار الينا مستثمرون بالرفض القاطع لأي تعامل» فما الذي حل بنا؟ أهو التقاعس في معاقبة الفاسدين؟ متى سنُري العالم أننا لا ننوي أن نغير بل إننا بدأنا التغيير، وإن عملية تحمّل مثل هذه الشخصية وغض النظر عنها قد ولَّت وأصبحت من قصص وحكايات الماضي وإن شخصيتنا وأمثالها سيكونون عبرة لمن تسول لهم أنفسهم.

إن زمن التستر على الفاسدين من أمثال شخصيتنا قد ولّى، فأبسط إنسان تعتريه الدهشة ويقولها وبالفم المليان: «هل شخصيتنا بهذا الذكاء والدهاء، أم هل جهتنا الرقابية بهذا الجهل والغباء أم هل إن شخصيتنا كما تدعي «أنها فوق القانون»؟».

إن غالبية من خاطبني من الفئة الثالثة استفسر مني إن كنت أرغب في أن تناط بي عملية ترؤس أو تبني أي قضية أو بلاغ ضد شخصيتنا؟ وفي حين أنني أؤكد أنني لم أكن لأكتب عنها ما كتبته لولا قناعتي التامة من خلال ما رأيت من أدلة قدمها لي الخبير الاقتصادي والآن المصرفي الخليجي بفساد شخصيتنا. كما أنني تعهدت للسيد رئيس تحرير جريدة أخبار الخليج أنه إذا منحني المنبر لأثير القضايا التي تهم الرأي العام ألا تكون لي من خلال ذلك أي مصلحة شخصية وأن يكون هدفي كما سبق أن ذكرته أعلاه «التغيير الذي أود أن أراه في بلادي». لذا فإنني اعتذرت لهم كلهم حيث إن ذلك سيعني أن لي مصلحة شخصية وأن ما كتبته ما كان إلا لربح وددت لو أنه جاءني كمحامٍ ولحنثت بوعدي وما هذا بشيمة الرجال.

ولا يسعني هنا إلا أن أقول إنه إذا كانت الأدلة واضحة لنراها نحن فأين الجهة الرقابيه؟ فهل شخصيتنا وأخواتها فوق القانون؟ اللهم هل بلغت فاشهد.

* محام ومستشار قانوني







































.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة