الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٧ - السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخيراً الـ«بي بي سي» تعترف!
بعد الخطيئة... جلد الذات





أخيرا يبدو أن محطة الـ«بي بي سي» قد أدركت الحقيقة التي كان أغلبنا يعرفها تمام المعرفة في مملكة البحرين.

لقد اعترفت المحطة بنفسها - من خلال التحقيق الداخلي الذي أجراه مجلس أمناء الـ«بي البي سي» المعروف باسم «بي بي سي ترست» - أن تغطيتها للربيع العربي ونقلها للأحداث التي شهدتها مملكة البحرين ما بين شهري فبراير ومارس ٢٠٠١ لم تكن مثالية بل شابتها الشوائب.

لقد أقرّ كبار القوم في المحطة الإخبارية بأنهم كانوا يتعاملون بما يشبه الهوس في تغطيتهم لما تتخذه حكومة مملكة البحرين من إجراءات من أجل التصدي للاضطرابات، في الوقت نفسه كانوا يتجاهلون كل الأمور الأخرى ويتعامون عن رؤيتها، الأمر الذي جعل تغطيتهم الإعلامية «احادية بشكل كامل».

من المحزن حقا أن هذه الإدانة الذاتية قد جاءت بعد كل هذا التأخير حيث إن العملاق الذي كان يغطّ في نوم عميق قد أفاق أخيرا - وبعد سبات دام ستة عشر شهرا بالتمام والكمال - ليدرك حقيقة ما كان يحدث في مملكة البحرين ويكنه أبعاده الحقيقية.

قد يسهم هذا الاعتراف المتأخر في التخفيف من وخز الضمير الذي قد يكون يشعر به علية القوم في مقر قناة الـ«بي بي سي» في لندن، غير أن عودة وعيهم المتأخرة - بعد كل هذا السبات العميق - لم تعد تجدي نفعا، فقد وقع الضرر وطال مداه الاقتصاد والمجتمع في مملكة البحرين. أمّا محطة الـ«بي بي سي» نفسها فقد تلطخت سمعتها.

لا شك أن مثل هذه الأحكام التي جانبت الحقيقة والأخطاء الفادحة والهفوات المهنية الصارخة التي ارتكبتها محطة الـ«بي بي سي» وقعت فيها وسائل إعلامية قد أسهمت إلى حد كبير في تصعيد حدّة الأزمة التي شهدتها مملكة البحرين.

لسائل أن يسأل: لماذا صمتت محطة الـ«بي بي سي» كل هذه المدة الطويلة - وهي المحطة التي ظلت تنقل الأخبار وتلاحق الأحداث وتؤمن التغطية الإعلامية لأمهات القضايا والتطورات في العالم - لتصحو أخيرا وتدرك أن «حكومة مملكة البحرين قد برهنت على حسن نيتها في الفترة ما بين ١٨ فبراير و١٤ مارس ٢٠١١ وبذلت قصارى جهدها سعيا لنزع فتيل الأزمة والتخفيف من حالة الاحتقان؟».

لقد اعتبر التقرير الذي أجراه وأصدره مجلس أمناء الـ«بي بي سي» المعروف باسم «بي بي سي ترست» انه «من المؤسف» أن «الفترة ما بين ١٨ فبراير و١٥ مارس ٢٠١١ قد تزامنت مع تراجع كبير في اهتمام محطة الـ«بي بي سي» بالأزمة في البحرين ومغادرة مراسليها الصحفيين أراضي المملكة»!!

أنا لا أعتبر أن هذا الأمر «مؤسف» حيث إن هذه العبارة لا تفي محطة الـ«بي بي سي» قدرها الذي يليق بها. إنها فضيحة مسيئة وسقطة إعلامية مدوية!

وهاكم فضيحة أخرى عبّر عنها تقرير مجلس أمناء الـ«بي بي سي» - بي بي سي ترست - حيث جاء في نص التقرير ما يلي:

«لقد قدمت محطة الـ«بي بي سي» الى مشاهديها - وخاصة منهم متابعي برامجها في بريطانيا - تغطيتين إعلاميتين مقتضبتين جدا لحقيقة ما كان يحدث في مملكة البحرين وركزت على إبراز ما كانت تتخذه الحكومة من إجراءات ضد المتظاهرين غير أنها لم تذكر أي شيء عما كان يحدث في فترة الأسابيع الثلاثة الحاسمة ما بين ١٨ فبراير و١٥ مارس».

لقد اعترف المسؤولون التنفيذيون في محطة الـ«بي بي سي» بأن تغطيتهم الإعلامية كانت منحازة الى المعارضة البحرينية، وقد برروا ذلك بأن المحطة الإخبارية لم تنجح على ما يبدو في فهم تعقيدات الأزمة في مملكة البحرين.

هل هذا مبرر حقا؟

وإن كان كذلك فربّ عذر أقبح من ذنب.

لقد حاولت محطة الـ«بي بي سي» أن تتلافى هذا الأمر غير أن الوقت كان قد تأخر كثيرا.

لقد احتكر المحتجون في «دوار اللؤلؤ» والجمعيات البحرينية المعارضة آنذاك المشهد الإخباري وتصدروا التغطية الإعلامية التي كانت تقدمها محطة الـ«بي بي سي» التي كانت تحوّلت بمنتهى السعادة إلى منبر لترويج دعاية سياسية احادية الجانب.

لم تفكر محطة الـ«بي بي سي» أبدا في استضافة بعض الرعايا البريطانيين المقيمين في مملكة البحرين، كما أنها لم تكلف نفسها حتى التحدث إلى المواطنين البحرينيين الذين كانوا يعارضون ما يقوم به المحتجون وسماع الجانب الآخر من القصة حتى يتحقق بعض التوازن المفقود.

إن الانطباعات الأولى ذات أهمية كبيرة ودلالة عميقة. وبصرف النظر عما فعلته محطة الـ«بي بي سي» من أجل تصحيح أخطائها وتدارك هفواتها فإن الأزمة في مملكة البحرين كانت قد تأثرت بشكل عميق بما كانت تقدمه من تقارير صحفية وما كانت تبثه من تغطية إعلامية إلى جانب عدة محطات إخبارية أخرى.

قد تكون محطة الـ«بي بي سي» قد صحت من غفوتها وأدركت الضرر الكبير الذي ألحقته بمملكة البحرين - اقتصادا ومجتمعا - غير أنها لم تبد حتى الآن ما ينمّ عن ندم وشعور خالص بالندم.

قد لا يهم هذا الأمر وقد لا يجدي نفعا فالضرر قد وقع كما أن سمعة محطة الـ«بي بي سي» قد تمرّغت في الوحل. لكن بصرف النظر عن المرات العديدة التي اعترفت فيها محطة الـ«بي بي سي» بأخطائها وسقطاتها الاعلامية فإنه لا عزاء في ذلك للمحلات التجارية التي أغلقت أبوابها وتكبدت خسائر فادحة أو للناس الذين اضطروا الى مغادرة منازلهم هربا من العنف أو لأولئك الذين كانوا يتألمون في صمت وهم يرون وطنا ينزف وقد أصيب بشرخ عميق وباتت تشقّه الانقسامات جراء الاضطرابات التي ركزت محطة الـ«بي بي سي» على إبرازها إعلاميا لكنها جهلت أو تجاهلت حقيقة أبعادها.

كيف عسى محطة الـ«بي بي سي» اليوم أن تعوض لتلك الأصوات التي طالما تجاهلتها عندما كانت تؤجج المشاعر وتسكب الزيت على النار وتتسبب بتغطيتها الاعلامية الآحادية في تعميق الأزمة واحتدام الصراع وازدياد حالة الاحتقان في السنة الماضية؟

يمكن أن تبدأ محطة الـ«بي بي سي» باستيعاب الدرس البليغ من طبيعة تغطيتها لأزمة البحرين وتدرك مدى الخطر من ممارسة السلطة من دون أي شعور بالمسؤولية.

في الحقيقة قد يكون الأمر تأخر كثيرا ولم يعد بإمكان محطة الـ«بي بي سي» أن تفعل شيئا. وكما قال ستيف داوتي في معرض تعليقه على تقرير«بي بي سي ترست»:

«لقد تلطخت سمعة محطة الـ«بي بي سي» وباتت تفوح منها رائحة عفنة»!







































.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة