الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٧ - السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


الخيط الرفيع بين الصداقة وانتهاك السيادة





يتساءل البعض عن علاقة الضغوط الأمريكية على البحرين والاستعصاء والغرور اللذين يظهر عليهما قيادات الوفاق سواء في خططهم وبياناتهم أو في أفعالهم اليومية، وهذا أمر واضح ولا يمكن لأي متابع موضوعي أن ينكره أو يتجاهله، فمن الواضح الجلي ان ما بين الطرفين علاقة تشبه العلاقة التي كانت بين الجلبي في العراق وبول بريمر حاكم العراق بعد سقوط الدولة العراقية، وهي شبيهة أيضا بما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية عمله في منطقة الخليج العربي من إيجاد بدائل مستقبلية تكون بمثابة الجسور لضمان سيطرتها وخصوصا في المنطقة تحسبا لأي تطورات أو تحولات غير مرغوبة حتى لا تفاجأ كما فوجئت في تونس ومصر.

ونحن هنا لا نلوم الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى تعمل من أجل تحقيق مصالحها بكل الوسائل والطرائق بما في ذلك شبك العلاقات مع قوى المعارضة واستخدامها كأداة للضغط على الحكومة، فتلك طبيعة تكتيكات الدول الكبرى المحكومة بمصالحها الآنية والمستقبلية، ولكن اللوم علينا كبحرينيين كلما سمحنا بمثل هذا التدخل الأمريكي الذي أصبح يدخل في كل تفاصيل حياتنا وخياراتنا السياسية بشكل واضح ومستفز، وقد رأينا وسمعنا وقرأنا في كل مرة تعليقات أمريكية مباشرة على خياراتنا السياسية وعلى قراراتنا السيادية بل حتى على أحكام محاكمنا القضائية، وهذا أمر إن سمحنا باستمراره فإنه سيؤدي تدريجيا إلى تآكل السيادة الوطنية، وإن سمحنا بمواصلته بهذه الطريقة الفجة الخارجة عن الدبلوماسية الحقيقية التي تهدف إلى دعم العلاقات بين حكومتين شرعيتين فإننا سنصل في يوم من الأيام إلى كارثة حقيقية.

إن ما درسنا وتعلمناه في العلوم السياسية وفي المنطق الدبلوماسي العالمي أن العلاقات بين الدول لا تكون إلا من خلال القنوات الدبلوماسية المحكومة هي أيضا بالقوانين والأنظمة وبالأعراف الدبلوماسية، ولا تستقيم أن يجرى أي شيء خارج هذا السياق ولكننا نفاجأ على صعيد العلاقة مع الأصدقاء الأمريكان بعدد من التجاوزات التي يفترض ألا نقبل بها رسميا وشعبيا ويمكن أن نقدم أمثلة بسيطة على ذلك ولكنها مستفزة:

المثال الأول: هو تعليق نائب وزيرة الخارجية الأمريكية على أحكام القضاء البحريني وتعبيره عن الأسف والصدمة لصدور أحكام مخففة عن متهمين بحرينيين ثبت من خلال التحقيقات والمحاكمة العادلة بمختلف درجاتها تورطهم في ارتكاب جرائم وجنح بالجرم المشهود، فهل يعقل أن نقبل مثل هذا التعليق من دبلوماسي أمريكي أو غير أمريكي بهذا الشكل المباشر والفج؟

المثال الثاني: اجتماع عدد من المسئولين والدبلوماسيين الأمريكان في السفارة الأمريكية بعدد من أفراد المعارضة الانقلابية لتدارس شئوننا الداخلية، فهل يعقل السماح بمثل هذا التدخل الفج في شأننا المحلي؟ وهل يعقل أن نسمح بالتدخل مهما كان هدفه بهذه الصورة المباشرة؟

المثال الثالث: عبرت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية في بيان رسمي عن حزنها وخيبة أملها واستيائها وقلقها لإيقاف مواطن بحريني ارتكب جنحة ويعامل بشكل قانوني وفقا لما آتاه من تجاوزات وأخطاء.

لو كان الأمر يتعلق بملاحظات وتعليقات الجمعيات الحقوقية والإنسانية كما يحدث في جميع البلدان لقبلنا الأمر في إطار ما يسمى عولمة حقوق الإنسان، ولكن أن يكون هذا التدخل وهذا التعليق المستفز من الأصدقاء الأمريكان ومن دبلوماسيين معتمدين يزورون بلادنا ويجتمعون مع المعارضة ويتدخلون في قراراتنا ويبدون رأيهم في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا السياسية فكأنهم أصبحوا أوصياء على بلادنا وعلى قراراتنا وقضائنا.

إننا كمواطنين نرفض رفضا قاطعا أي نوع من التدخل في سياسة بلادنا وفي سيادتنا، كما ندعو قيادتنا إلى رفض أي تدخل أو ابتزاز سياسي من أي نوع كان، لأن فقد السيادة تكون بدايته على هذا النحو وعبر هذا الطريق، ولعل تسامحنا كمجتمع وكدولة في هذا المجال وأدبنا الجم مع الأصدقاء هو من سمح لهؤلاء الأصدقاء بتجاوز حدودهم وسمح للانقلابيين بالتطاول علينا وعلى السلطة وعلى القيادة الشرعية لهذا البلد، ولذلك فإن انتهاك سيادتنا على هذا النحو يجب منعه بكل وسيلة وطريقة شرعيتين.

وقد عبر شعب البحرين في أكثر من مناسبة وعبر تجمعاته الوطنية عن رفضه مثل هذين الابتزاز والتدخل، كما عبر الكتاب وأصحاب الرأي في أكثر من مناسبة عن رفضهم مثل هذا التعدي الذي تفاقم وزاد على حده ويجب وضع حد له، فالصداقة من شروطها الأساسية احترام سيادتنا واحترام قضائنا واحترام استقلالنا وإلا بئس الصداقة التي تؤدي إلى انتهاك هذه السيادة وهذا الاستقلال اللذين ناضلنا جيلا بعد جيل من أجل إقامتهما ومستعدون للدفاع عنهما بأرواحنا قبل أموالنا.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة