الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٧ - السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


توجيهات جلالة الملك في مجلس الوزراء خريطة طريق للمرحلة الراهنة





حبا الله جلت قدرته مملكة البحرين بقيادة تتميز برؤية استباقية وفكر أصيل، راسخة في حبها لشعبها الوفي، متحفزة للانطلاق المتواصل إلى الأمام لتقديم المزيد من العطاء والبذل، ذلك هو جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، الذي لا يرضيه الركون إلى الواقع الساكن الرتيب بحركته، والتعامل الآني كرد فعل تجاه مجرياته، وليس كفعل خلاق مبني على قراءة وفهم صحيحين لما يظهر ويبطن من الأمور، وذلك ناجم عما تتسم به شخصية جلالته الفذة من قدرة فائقة على اتخاذ القرار الشجاع والمناسب المغلف بالحكمة وبعد النظر ورباطة الجأش والتماسك وبما ينفع شعبه ويسمو به إلى الأمام بالوقت والشكل المناسبين بما يجعل من ذلك التدخل نقلة نوعية في اتجاهات الموقف وحركته السوقية، انسجاما مع معرفته العميقة والدقيقة بتطلعات شعبه واستشعاره باحتياجاته وانشغالاته، وبمجريات الأحداث والوقائع وصيرورة التطور الوطني ومحركاته ودوافعه، ومدى تقبل البيئتين الإقليمية والدولية لاتجاهاته الرئيسية ومدى انسجامه مع موروث وتقاليد وقيم الشعب الخالدة، وهذا ما انعكس بوضوح في حديث جلالته عند ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء في الرابع والعشرين من يونيو ٢٠١٢ بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، فقد كانت توجيهاته السامية مفعمة بالمعاني والدلالات التي تتطلب وقفة تأمل وتحليل واستنباط للدروس، وتأشير للمعالم الأبرز التي انبثقت من صيرورة التجربة التنموية والإصلاحية الأروع التي وضع جلالته أطرها الرئيسية وما فتئ في كل مناسبة وبطرائق مختلفة يوجه قادة البلاد ورجالات المملكة وسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية والإعلامية ومنظمات المجتمع المتعددة إلى ضرورة الالتزام بها والحرص على مواصلة تنفيذ حلقاتها كل من موقعه، وبأقصى ما يمكنه من عزم واقتدار، والتفاعل والتلاقح مع التطورات والمستجدات الإقليمية والعالمية، والتعاون مع المؤسسات الدولية النشاط والتطبيق الواعي للقرارات والأعراف والاتفاقيات الدولية.

هذه التجربة التي تهدف إلى تحويل المملكة إلى أنموذج لدولة معاصرة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية، وهذا ما يتضح من المحاور التي تناولها الحديث والتي تعد بجدارة خريطة طريق للمرحلة الراهنة بكل ما تحمل من تحديات ومواقف غاية في التعقيد والتشابك، فبعد أن قدم جلالته الشكر إلى الله سبحانه وتعالى لما انعم على البلاد من تطور ورقي، ابتدأ بالهدف الأسمى لجلالته المتمثل في رفاهية المواطن، مؤكدا انها «الهدف الأسمى للإصلاح والتطوير» وربط تحقيقها بالجهاز الحكومي باعتبارها جوهر المسئولية الاجتماعية للحكومة ومن خلال سياسات حكومية مبنية على منهجية علمية، تراعي أفضل الممارسات العالمية، داعيا الحكومة «إلى التواصل المباشر مع المواطنين والعمل جنبا إلى جنب مع السلطة التشريعية والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني العاملة بصدق لخدمة المواطن والساعية لرفاهيته، وكذلك التواصل مع الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية المعتمدة كي يتعرف العالم على حرص حكومتنا على خدمة مجتمعنا وحقيقة المبادرات السبّاقة التي اختطتها المملكة لصون حقوق المواطن وتحقيق رفاهيته».

وقد أكد جلالته ضرورة أن يكون للإعلام الحكومي دور بارز واستباقي، سواء في الداخل أو الخارج، إذ انه البوابة التي تشكل الرأي العام والأداة الأوسع تأثيرا في نقل الحدث وصياغته وإظهاره، الذي تعاظم دوره مع التقدم التقني والمعلوماتي العابر لكل الحدود وأصبح احد أهم استراتيجيات التنمية والإصلاح الاقتصادي والسياسي وجذب الاستثمار. كما انه في مقدمة استراتيجيات الحرب المعاصرة، بدءا من التهيئة لها وإيجاد المبررات وصولا إلى تدمير معنويات العدو ونشر اليأس والانكسار في صفوف أفراده، مما يتطلب ان يكون إعلامنا الوطني بمستوى التحديات التي تواجهنا، قادرا على إظهار الحقائق وإقناع المتلقي بمصداقية مضمونها وعلى كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وفيما يتصل بالأمن فقد طمأن جلالة الملك المفدى مجلس الوزراء ومن خلاله شعبه المعطاء بتأكيد «إن البحرين ولله الحمد قادرة برجالها المخلصين على حفظ أمنها مهما تنوعت أساليب الإرهاب وإن ما حدث لن يتكرر بإذن الله تعالى وبوعي أبناء شعبنا»، مؤكدا جلالته التزامه واستجابته لمطالب الشعب بتطبيق القانون والالتزام بحكم القضاء بقوله: «إن أي تطوير أو إصلاح أو أمن لا يمكن أن يتحقق إلا باحترام حكم القضاء والقانون وسيادته الذي يجب أن يكون متوافقا مع أحكام الدستور ومبادئ حقوق الإنسان».

وتعبيرا عن حرص جلالته على النشء والشباب من الانحراف في الفكر والسلوك تحت مؤثرات سياسية أو طائفية مغرضة، دعا جلالته إلى ضرورة التعاون والتكامل بين وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم وقطاع الشباب والرياضة والإعلام لحفظ النشء، وحسن توجيهه، فهم البنية الأساسية لاستقرار ووحدة وتطور المجتمع.

وفي ذات السياق وجه جلالة الملك المفدى وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف إلى القيام بدورها في «حفظ المنبر الديني من الاستغلال السيئ، وأن تتخذ إجراءات أكثر فعالية لحفظ رسالته السامية». ولم يفت جلالته الإشادة بالمبادرات الاجتماعية الهادفة إلى تعزيز اللحمة الوطنية ونبذ العنف والتحريض على الكراهية والطائفية، عادا ذلك هو «الدور المنشود من مؤسسات المجتمع المدني ومن رجال الدين والأدباء والمفكرين والإعلاميين وجميع المثقفين المخلصين لوطنهم ولمجتمعهم، ذلك أن أي اختلاف في وجهات النظر السياسية لا يمكن السماح له بأن يمتد للمساس بوحدتنا وتآلفنا»، موضحا أن «الحل لأي اختلاف في وجهات النظر في المجتمع يتم عن طريق التواصل البناء بين أبناء الوطن» وان الشأن البحريني، شأن داخلي خاص بشعب البحرين وهو قادر على إدارة خلافاته والتحاور بشأنها من دون الحاجة إلى وساطات خارجية، وبذلك فإن جلالته يجدد دعواته المتواصلة لشركاء الوطن إلى الحوار المجتمعي البناء من دون شروط مسبقة.

هذه الدعوات والمبادرات المتواصلة جعلت المنصفين في العالم يدعمون ويثنون على مبادرات جلالته ويشيدون بالصبر والحلم وسعة الأفق التي يتميز بها، ويثقون بالتزامات المملكة وتعهداتها، وصولا إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاستغلال الأمثل للطاقات البشرية والموارد الاقتصادية وتخصيصها بشكل أكثر كفاءة وفاعلية.

وحيث ان الاتحاد العربي الخليجي لم يعد مرحلة تطورية مأمولة لمجلس التعاون الخليجي فحسب، بل انه ضرورة ملحة لتطور واستقرار وامن ونهضة دول المجلس، وتعزيز لقدرتها على مواجهة التحديات، فقد أشار جلالته «إلى أنه في الوقت الذي تسعى البحرين إلى المزيد من التعاون مع أشقائها فعلينا أن نستعد وندعم الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد العربي الخليجي القادم بإذن الله حيث إنه السبيل للمزيد من الخير والرفعة».

هذه التوجيهات السامية لجلالة الملك حفظه الله ورعاه التي عبرت عن بعد نظر جلالته وعمق مرئياته الاستراتيجية واستلهامه للماضي ودقة تشخيصه للحاضر، وأهمية تطلعه وثقته بالمستقبل، قابلتها استجابة فورية من خزين الخبرة والحكمة والإدارة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس مجلس الوزراء الذي أكد أن خدمة المواطن أولوية للحكومة وان تواصل الوزراء والمسئولين بالمواطنين «سيكون أحد معايير تقييم كفاءة المسئولين وعمل الوزارات وان الوزارات والأجهزة الحكومية ستوجه لزيادة الزيارات الميدانية للمناطق والمشروعات التي تهم المواطنين وتخصيص أوقات أطول لمقابلتهم ومتابعة ملاحظاتهم ومعاملاتهم وخاصة في الأجهزة الخدمية. كما ان الحكومة ستضع استراتيجية تجعل من الإعلام الحكومي إعلاما فاعلا وسباقا. وأكد سموه أن المنجزات التي تحققت في العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك المفدى ستبقى بإذن الله راسخة وسيتم البناء عليها بفضل تلاقي الأهداف الوطنية حولها».

ختاما لابد من القول: إن قيادة ومبادرة وشجاعة وعدل وعزم مليكنا حمد، وبحكمة وذكاء وحنكة الأمير خليفة، تجعلنا على يقين ثابت بأن التسويف والتبرير وازدواجية المعايير لن تقبَل في مملكة العدل والقانون والمؤسسات أيا كان مبعثها أو مبررها، وان القيادة تنتصر للمواطن قبل المسئول وتحق الحق حيثما يكون وفي الوقت الذي ينبغي أن يكون.

حفظ الله قيادتنا واعز بها مملكتنا وأعانها لتحقيق ما تصبو إليه من نهضة وتقدم وامن واستقرار، انه نعم الناصر والمعين.

* أكاديمي وخبير اقتصادي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة