لماذا تستميت روسيا في الدفاع عن قاعدتها في طرطوس؟
 تاريخ النشر : الأحد ١ يوليو ٢٠١٢
موسكو - من: أورينت برس
لطالما شكلت قاعدة طرطوس البحرية السورية مركز ثقل للوجود الروسي في منطقة الشرق الاوسط. انطلاقاً من مصالحها الجيو سياسية، تنظر موسكو إلى ميناء طرطوس باعتباره بوابتها البحرية إلى المنطقة لذلك فهي لن تستغني عنه لا بل سوف تستميت في دفاعها عن قاعدتها هناك كما اعلنت اخيراً على الملأ، وربما يدخل ذلك ضمن الاسباب المباشرة التي تدفعها إلى مواصلة دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الاسد رغم كل ما يجري في الداخل السوري في العامين الاخيرين من مجازر واضطرابات.
وكانت روسيا قد أعلنت أخيرا أنها تستعد لإرسال وحدة مختارة من قوات مشاة البحرية إلى قاعدتها البحرية في ميناء طرطوس بسوريا، في إشارة قوية إلى أن روسيا لن تتسامح مع التدخل العسكري الأجنبي في سوريا وستقوم بما في وسعها لحماية مصالحها وأسطولها هناك.
«أورينت برس» أعدت التقرير التالي:
تتخوف القيادة الروسية من ان يؤدي أي تدخل عسكري أجنبي محتمل ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد إلى اقفال قاعدة طرطوس البحرية، وهي القاعدة الوحيدة في مياه البحر الابيض المتوسط المفتوحة أمام الأسطول البحري الروسي، الأمر الذي من شأنه ان يحد من الدور الروسي في المنطقة.
فمن المعلوم أن معاهدة الصداقة التي وقعتها سوريا مع الاتحاد السوفيتي السابق عام ١٩٨٠ مازالت سارية المفعول مع روسيا باعتبارها وريثة الاتحاد السوفيتي، وفي إطار تلك المعاهدة يسمح للأسطول الروسي بالقدوم الدائم نحو شواطئ البحر الأبيض المتوسط السورية عبر ميناء طرطوس حيث أقيمت قاعدة لصيانة السفن والبوارج الروسية عند الحاجة. وقد جرى بالفعل وقبل سنوات قليلة خلت، إعادة بناء وتجديد القاعدة البحرية الروسية المذكورة في ميناء طرطوس، انطلاقاً من أهمية العلاقات المشتركة بين روسيا وسوريا من جهة، ومن أهمية وجود قاعدة حيوية في البحر الأبيض المتوسط لأسطول البحر الأسود الروسي من جهة اخرى.
قطع بحرية
كانت الغواصات والقطع البحرية التابعة لأسطول الاتحاد السوفيتي السابق تستخدم قاعدة المياه العميقة في طرطوس منذ عام ١٩٧١ بناء على اتفاقية مع النظام السوري آنذاك. في المقابل، كان الاتحاد السوفيتي يعد اكبر مورد للأسلحة لسوريا، وكان ميناء طرطوس يستخدم لنقل الاسلحة من روسيا إلى الداخل السوري. حتى ان الفرقة السوفيتية الخامسة في المتوسط استغلت ميناء طرطوس لكي ترسو وتعيد تزويد سفنها بالوقود. وكان للسوفيت قواعد مشابهة في مصر لكنهم اغلقوها في السبعينيات وأرسلوا القطع والطواقم البحرية الخاصة بهم إلى ميناء طرطوس الذي اصبح نقطة ارتكاز لفرق عدة من القوات البحرية الروسية، وقد استمر اشغال الروس للميناء حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
يذكر انه في عام ١٩٩٠ كانت سوريا مديونة لروسيا بنحو ١٣,٤ مليار دولار جراء صفقات اسلحة مختلفة، وقد تفاوض الروس مع السوريين في عام ٢٠٠٥ وانتزعوا منهم صفقة تتيح لهم الاستمرار في استخدام ميناء طرطوس مقابل إلغاء القسم الاكبر من الديون (٧٣ في المائة) وهكذا كان.
ولايزال ميناء طرطوس حتى اليوم يعد الوجهة الاولى التي يتم تصدير الاسلحة الروسية اليها فضلا عن ارسال الاسلحة التي تحتاج إلى تصليح وتأهيل إلى سوريا، وهو يرتبط بشبكة متطورة من البنى التحتية مع المدن السورية الاخرى.
القاعدة الاهم
تعد القاعدة الروسية في طرطوس من اهم القواعد الروسية حول العالم، فهي تشكل موطئ قدم دائم لروسيا في المتوسط وتتيح لها استعادة مجدها في تلك المنطقة ومراقبتها عن كثب، وخصوصا ان اكبر قاعدة روسية خارجية أي قاعدة في سيفاستوبول في اوكرانيا على البحر الأسود مهددة بالإغلاق بسبب الخلافات بين البلدين. لذلك ليس من المستغرب ان تقوم موسكو بكل ما في وسعها لحماية قاعدتها في طرطوس ولاسيما بعد أن اعلنت فصائل في الجيش السوري الحر استعدادها لنقل المعركة إلى مدينة طرطوس الساحلية مما يهدد مباشرة القاعدة الروسية هناك.
وتزامنت المعلومات عن استعداد الجيش الحر لنقل المعركة إلى طرطوس، مع خبر نقلته وكالات الأنباء الروسية عن مصدر في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، أكد أن عددا من البوارج الروسية تقف في حالة الاستعداد للتوجه نحو الشواطئ السورية.
وأوضح المصدر ان البحر الأبيض المتوسط يقع في منطقة المسؤوليات لأسطول البحر الأسود الروسي، ولذلك ليس من المستبعد أن تتوجه سفنه الحربية إلى هناك لتنفيذ مهام تأمين قاعدة طرطوس لإمداد الأسطول الروسي التي تستأجرها روسيا من سوريا، مشيرا إلى أن هناك عددا من السفن الحربية التابعة لأسطول البحر الأسود تقف على أهبة الاستعداد للإبحار، بما فيها سفن الإنزال مع وحدات المشاة البحرية الروسية.
لكن مصادر عسكرية روسية نفت الأنباء التي تواردت حول احتمالات إبحار السفينة «نيكولاي فيلتشينكوف» التابعة لأسطول البحر الأسود في اتجاه ميناء طرطوس السوري وعلى متنها وحدة من مشاة البحرية بهدف تأمين المواقع العسكرية السورية التابعة لمركز الإمداد والصيانة الموجود هناك. ونقل عن مصادر في البحرية الروسية قولها إن السفينة موجودة في ميناء سيفاستوبول مركز القاعدة البحرية الروسية في شبه جزيرة القرم منذ الثامن من يونيو وليست محملة بأي شحنات أو أي قوات من مشاة البحرية كما قيل، فضلا عن عدم صدور أي أوامر بالاستعداد للسفر إلى سوريا.
اجلاء الرعايا
ومن اللافت أن هذه التصريحات صدرت بعد أن تناقلت وكالات الأنباء ما قاله الجنرال فلاديمير غرادوسوف، نائب القائد العام للقوات الجوية الروسية، حول استعداد القوات الجوية لتأمين القطع البحرية الحربية الروسية في حال إرسالها إلى الشواطئ السورية لإجلاء الرعايا الروس المقيمين في سوريا إذا ما صدر القرار عن القائد الأعلى للقوات المسلحة الروسية.
وأشار إلى ان المنطق يقول إن الدولة مدعوة لحماية رعاياها، مؤكدا أنه على قناعة بأن روسيا لن تترك أبناءها، وستعمل على تأمين إجلائهم إلى الوطن في حال اقتضت الضرورة ذلك. ومن المعروف أن سوريا تقطنها إحدى أكبر الجاليات الروسية في العالم العربي، وتتكون من الخبراء والعسكريين العاملين بموجب العقود والاتفاقيات الرسمية مع الدولة السورية، إلى جانب زوجات السوريين الذين كانوا قد تلقوا تعليمهم وتدريباتهم في روسيا والاتحاد السوفيتي السابق.
وكانت مصادر روسية قد كشفت في وقت سابق من الشهر الماضي عن أن وزارة الدفاع الروسية بدأت إعداد بعض الوحدات العسكرية بهدف إرسالها إلى الخارج بما في ذلك إلى سوريا، ونقل عن مصادر مطلعة في المؤسسة العسكرية قولها إن فرقة بيسكوف للمظلات رقم ٧٦ مع اللواء ١٥ من بيسكوف، الذي يضم عددا من المقاتلين الشيشان الذين سبق أن خدموا في كتيبتي القوات الخاصة التابعة للمخابرات العسكرية الروسية، يقومان باستعدادات مكثفة للمشاركة في عمليات قتالية.
وأعاد ذلك إلى الأذهان أن فرقة بيسكوف للمظلات سبق أن شاركت في مهمات لحفظ السلام في كل من كوسوفو والشيشان وجورجيا، كما ان القوات المدعومة بمقاتلين من الشيشان سبق أن قامت بمهام تتعلق أيضا بحفظ السلام في لبنان في الفترة ٢٠٠٦ و٢٠٠٧، بينما أبلت بلاء حسنا حين شاركت في الحرب ضد جورجيا في عام .٢٠٠٨
وكان كل من وزيري الدفاع أناتولي سيرديوكوف والخارجية سيرغي لافروف قد أدانا ما يثار عن احتمالات مشاركة قوات روسية في الأحداث الجارية في سوريا، مشيرين إلى محاولات المعارضة التذرع بمثل هذه الأخبار غير الدقيقة، بهدف إحباط مهمة كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية في سوريا، وأكدت المصادر الرسمية أن القوات الروسية الموجودة في البحر المتوسط، التي تستخدم مركز الصيانة والإمدادات التقنية في قاعدة طرطوس البحرية لا علاقة لها بالأحداث الداخلية في سوريا، وأن ما تقوم به من نشاط يدخل في إطار مهامها الاستراتيجية في منطقة البحر المتوسط فحسب.
.