الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٨ - الأحد ١ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١١ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

بؤرة الغاز الملتهبة في شرق المتوسط..

هل تؤدي إلى اندلاع حروب جديدة في المنطقة؟





في مايو الماضي أعلن رئيس الشركة القابضة للغازات المصرية طرح مزايدة عالمية للبحث عن الغاز والنفط في ١٣ منطقة بحرية في شرق البحر المتوسط بالمياه الاقتصادية، وفي ضوء تقرير هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية في مارس ٢٠١١ الذي أكد وجود ٢٣٠ تريليون قدم مكعب من الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط تكفي احتياجات السوق الأوروبية مدة ٣٠ عامًا، وبما يشي أن هذه المنطقة تقوم على بحيرة من الغاز كل ذلك أدى إلى ارتفاع حدة التنافس بين البلدان المطلة على هذه البحيرة؛ حيث تقع داخل الحدود البحرية لـ ٦ دول، وهي: مصر وإسرائيل ولبنان وسوريا وقبرص وتركيا إضافة إلى فلسطين المحتلة، وبين بعض هذه الدول مازالت علاقة الحرب قائمة كما لا يوجد ترسيم للحدود البحرية بينها، ومن ثم فإن علاقاتها هي التنافس الذي ينذر بقرب تحول هذه المنطقة إلى بؤرة صراع ملتهبة قد تتحول إلى حرب إقليمية ما لم يتم تدارك الموقف بالوسائل السلمية، وخاصة مع اتجاه إسرائيل استنادًا إلى قوتها العسكرية والدعم الأمريكي لها إلى الاستحواذ على حقوق الآخرين.

ويزيد من حدة هذا الصراع التحول العالمي نحو استخدام الغاز كطاقة أنظف، وأن أطرافه إما أنهم فقراء في إنتاج النفط والغاز كإسرائيل وقبرص وتركيا ولبنان، ويعتمدون على الاستيراد في تلبية احتياجاتهم، وإما أن حقوقهم في هذا المخزون «الطاقوي» تضيف كثيرًا إلى إمكاناتهم الاقتصادية كمصر، وقد كان ينبغي تفاديًا لنشوب هذا الصراع الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية وحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدان المطلة على شرق المتوسط قبل أن يبدأ أي نشاط للتنقيب والحفر.. وإذا كانت مصر في ٢٠٠٣ قد رسمت حدودها البحرية الاقتصادية مع قبرص ارتكازًا على حد المنتصف، فإن اتفاق رسم هذه الحدود لم يحدد نقطة البداية من الشرق مع إسرائيل التي تبقى حدودها البحرية مع مصر غير معروفة إلى الآن.

وتقع آبار الغاز المكتشفة والمتوقعة في البلدان المذكورة في جبل أراتو استينس السكندري الغارق، حيث بدأت المسوحات الحديثة تغطيه من بريطانيا في ١٩٦٦ ومثلها الولايات المتحدة ١٩٧٧ - ٢٠٠٣، وروسيا ١٩٩٤، وبلغاريا ٢٠٠٣، وفي ١٩٩٧ قامت شركتا شل وبريتش بتروليوم بتطوير منصات حفر قادرة على العمل على عمق يصل إلى ألفي متر، وقام فريق بحثي من جامعتي حيفا الإسرائيلية وكولومبيا الأمريكية بإجراء مسح للجبل المذكور، وفي ١٩٩٩ منحت هيئة البترول المصرية امتياز تنقيب بحري لمساحة ٤١,٥ ألف كم مربع لتحالف رويال دويتش وشل في شمال شرقي المتوسط المعروفة باسم «نيميد» بمشاركة بتروناس الماليزية وشركة الغاز المصرية وتمتد منطقة الامتياز حتى جنوبي اراتوس استينس.

وفي ٢٠٠٣ قامت سفينة أمريكية بمسح شمال وشرق وغرب الجبل ونشر خريطة عنه، وفي السنة نفسها وقعت مصر اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص، وفي ٢٠٠٤ أعلنت شل اكتشاف احتياطي غاز في بئرين شمال شرقي المتوسط وانها تسعى إلى تحويلهما إلى حقول منتجة، ولكن بعد حفر ٣ آبار انقطعت أخبار الحفريات، إلى أن أعلنت إسرائيل في ٢٠١٠ اكتشاف حقل ليفياثان باحتياطي ١٦ تريليون قدم مكعب، وفي ٢٠١١ أعلنت قبرص اكتشاف حقل أفرودايت باحتياطي ٢٧ تريليون قدم مكعب، وكلاهما يقع في السفح الجنوبي لجبل آراتو استينس، كما كانت إسرائيل قد أعلنت في ٢٠٠٩ اكتشاف حقل تمار في مقابل مدينة صور اللبنانية وتقدر احتياطياته بنحو ٨,٤ تريليونات قدم مكعب ثم حقل دالي باحتياطي نصف تريليون قدم مكعب، وفي يونيو ٢٠١١ أعلنت أيضًا اكتشافا جديدا في سارة وميرا على بعد ٤٥ كم غرب ناتنيا، ويحتوي الاكشاف الجديد على ٦,٥ تريليونات قدم مكعب غازا.

والملاحظ أن إسرائيل ماضية في أعمال التنقيب والحفر غير عابئة بقانون الأمم المتحدة للبحار الذي أصبح موضع تنفيذ منذ عام ١٩٩٤، فهي لم توقع هذا القانون أصلاً الذي يحدد المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل دولة بـ ٢٠٠ ميل، والمياه الإقليمية التي تشملها السيادة بـ ١٢ ميلاً، كما يحدد رسم الحدود البحرية بين الدول، في حين تتعامل إسرائيل مع الاكتشافات التي توصلت إليها على أنها حق خالص لها.

وفي مقابل ذلك يأتي الإعلان المصري عن طرح مزايدة جديدة للتنقيب عن الغاز في ذات المناطق التي كانت شركة شل قد تخلت عنها المعروفة باسم «نيميد» في مارس الماضي بدعوى عدم وجود جدوى اقتصادية رغم إنفاقها ١,٢ مليار دولار استثمارات واكتشافها احتياطيا يقدر بتريليون قدم مكعب غاز، ومن بين هذه المناطق مواقع تقع قرب المناطق التي تم اكتشاف الغاز فيها بقبرص، كما أنه يذكر أن حقل ليفياثان الذي اكتشفته إسرائيل ٢٠١٠ أقرب إلى دمياط فهو يبعد ١٩٠كم شمالها بينما يبعد ٢٣٥كم عن حيفا، وفي أواخر ابريل ٢٠١٢ بدأت شركة إيه تي بي الأمريكية للنفط والغاز تطوير حقل آخر جنوب ليفياثان يقع على بعد ١١٤ كم شمال دمياط و٢٣٧كم غرب حيفا، وإلى هذا فإنه مع توقف ضخ الغاز المصري إلى إسرائيل هذا العام وهو الذي يفي بـ ٤٣ من احتياجات الكهرباء في إسرائيل، ومع قيامها بنشاط في مناطق متنازع عليها يصبح الغاز أحد أهم عوامل التوتر في العلاقات المصرية الإسرائيلية.

وتظهر الصلافة الإسرائيلية في تفسيرها للقانون على هواها، فهي ترى أن الحدود داخل البحر ينبغي أن ترسم عموديٌّا على الميل العام للخط الساحلي اللبناني أي على النقطة (١) في ترسيم الحدود اللبنانية القبرصية، بينما الرأي اللبناني هو أن تكون الحدود البحرية امتدادًا للحدود البرية أو ترسم خطا متعامدا على الخط الساحلي عند رأس الناقورة أو النقطة (٢٣) في ترسيم الحدود اللبنانية - القبرصية، وبدون اعتبار لحق لبنان أقدمت إسرائيل وقبرص على توقيع اتفاق يحدد الحدود البحرية بينهما في ديسمبر ٢٠١٠، ورغم أن حقل تمار الذي اكتشفته إسرائيل مع شركة نوبل إنرجي الأمريكية متنازع عليه مع لبنان، فإنه في مطلع ٢٠١٢ وقعت نوبل إنرجي أولى صفقات بيع غاز تمار بكمية ٣٣٠ مليون متر مكعب سنويا مدة ١٦ سنة بقيمة ١,٢ مليار دولار مع شركة زورلو إنرجي التركية التي تشغل محطتي توليد كهرباء في إسرائيل.

كما قامت إسرائيل بنشر صواريخ على منصات إنتاج الغاز في تمار وليفياثان اللتين تبلغ قيمة احتياطي الغاز المكتشف فيهما بنحو ٣٠٠ مليار دولار، وكانت الحكومة الإسرائيلية قد صدقت في ١٠ يوليو ٢٠١١ على خطة تعديلات على حدودها البحرية الشمالية، مستندة إلى اتفاق الحكومة اللبنانية بالأحرف الأولى مع الحكومة القبرصية في ٢٠٠٧، فضمت بذلك جزءًا من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية بطول ١٧ كم ومساحة ١٥٠٠ كم مربع، وهي بذلك تفوت الفرص على لبنان للمطالبة بحقوقه، مع استخدام وزير الخارجية الإسرائيلي لهجة تهديد متشددة ضد لبنان في هذا الشأن. وقد أخفقت وساطة الولايات المتحدة (عن طريق الدبلوماسي فردريك هوب) ووساطة الأمم المتحدة، عن طريق قيادة اليونيفل في الوصول إلى حل، وأعلنت السفارة الأمريكية في بيروت في ٢٣ يوليو ٢٠١١ أن واشنطن لن تكون طرفًا في النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل، مؤيدة حل النزاع بالطرائق الدبلوماسية.

وفي مسعى لحمل لبنان على الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وحسب التقديرات فإن احتياطي حقول الغاز المتاخمة للبنان قد توفر احتياجات إسرائيل الاستهلاكية مدة ٢٥ عامًا كما تغير ميزان الطاقة الإسرائيلي؛ حيث تعتمد إسرائيل حاليا على استيراد كل مصادر الطاقة، ويمكن أن تتحول إلى دولة مصدرة، غير أن هذه الحقول تقع في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، واستفادة إسرائيل منها تعني اعتداء إسرائيليا على لبنان، وأنه لا ينبغي اتخاذ أي إجراءات أحادية في موضوع الحدود البحرية خلافًا للقوانين الدولية، وإلى هذا شكل رئيس الحكومة اللبنانية لجنة لإعداد ملف كامل واتخاذ ما يلزم من تدابير قانونية دولية. وهناك شبه إجماع على ضرورة لجوء لبنان إلى الأمم المتحدة حيث أخذت المسألة بعدًا دوليٌّا بعد أن قدم لبنان خرائط تؤيد حقه. ويذكر أن البرلمان اللبناني لم يصدق بعد على اتفاقية الحدود البحرية الموقعة مع قبرص؛ لأن بيروت لا توافق على الاتفاق الموقع بين قبرص وإسرائيل، كما أن لبنان الذي يستورد ٩٦% من احتياجاته من الطاقة في أشد الحاجة إلى استيفاء حقه في الغاز المكتشف، وفي منتدى الاستكشاف النفطي الذي عقد في لبنان في يونيو ٢٠١١ أعلنت تركيا وقوفها كاملاً إلى جانب لبنان.

وتشارك فلسطين مصر ولبنان في التعرض للنهب الإسرائيلي لحقوقها في الغاز، ففي نوفمبر ١٩٩٩ اتفقت شركة الغاز البريطانية مع السلطة الفلسطينية للتنقيب عن الغاز في منطقة غزة البحرية بكاملها، ومن ثم تطوير الحقول المكتشفة ومد خط أنابيب إلى غزة، وبالفعل تم اكتشاف غاز قدر احتياطيه بـ ١,٤ تريليون قدم مكعب، ولكن إسرائيل امتنعت عن شراء الغاز أو الموافقة على نقله إلى مصر أو غزة أملاً في أن تواتيها الظروف لإحكام سيطرتها على هذا الغاز بعد أن قامت بالفعل بالاستيلاء على الغاز المكتشف في الضفة الغربية.

وتدخل سوريا في صراعات الغاز ليس فقط من حيث تقاطع منطقتها الاقتصادية الخالصة مع الدول المجاورة، ولكن كونها قد غدت مرشحة لأن تكون بؤرة التجميع للإنتاج في دول مجاورة، وذلك بناء على القرار الذي اتخذته إيران ووقعت اتفاقيات بشأنه لنقل الغاز عبر العراق إلى سوريا في يوليو ٢٠١١، وهو ما يفسر جزئيا حجم الصراع على سوريا ولبنان وبروز دور فرنسا التي تعتبر منطقة شرق المتوسط منطقة نفوذ تاريخية لها.

غير أن الأكثر سخونة في التهاب بؤرة الصراع في شرق البحر المتوسط هو ما يتعلق بثلاثي العلاقات التركية القبرصية الإسرائيلية، وخاصة بعد إقدام إسرائيل وقبرص في ديسمبر ٢٠١٠ على توقيع اتفاق حدود بحرية، وبدأت قبرص من ناحيتها بالاستكشاف في منطقتها بالتنسيق مع إسرائيل ومن خلال شركة نوبل إنرجي، وارتكزت تركيا على أنه لا ينبغي على قبرص أن تقوم بالاستكشاف من دون أن تحل قضية انفصال الجزء التركي منذ ١٩٧٤ أو تعلن تقاسمها أي موارد مع الجزء التركي، بل ذهبت إلى أنها ستقوم بالاستكشاف في المنطقة ذاتها التي تقوم قبرص اليونانية بالاستكشاف فيها، حتى لو تطلب ذلك مرافقة سفن حربية، ولهذا قامت بتوقيع اتفاق مع قبرص التركية يخولها نيابة عنها بهذا الاستكشاف، ما دعا إسرائيل إلى إرسال طائراتها المقاتلة لإنذار السفن الحربية التركية، ولكن تركيا أرسلت طائرات اعتراضية، ويزداد الموقف تعقيدًا لدخول اليونان وروسيا والولايات المتحدة بشكل أو آخر على الخط، بينما دعت المفوضية الأوروبية تركيا وقبرص إلى ضبط النفس والسعي للوصول إلى تسوية.

ومن المعلوم أن تركيا تستورد ٩٠% من احتياجاتها للطاقة، كما أن مشروع نقل غاز آسيا الوسطى والبحر الأسود للتصدير من خلالها المعروف باسم خط «نابوكو» قد تأجل إلى عام ٢٠١٧، وتستورد يوميا ٣,٩ مليارات قدم مكعب غاز، وأيضًا تفتقد قبرص تمامًا موارد النفط والغاز وتستورد نحو ٢,٥ مليون طن نفط سنويا، أما إسرائيل فهي تخطط لشحن صادراتها من الحقول المكتشفة التي تدعي ملكيتها لها عبر قبرص بعد أن تردت علاقاتها مع تركيا، ويأتي الدور الأمريكي حماية لاستثمارات الشركات الأمريكية، كما يأتي اهتمام روسيا بسعيها إلى ترسيخ وجودها القوي كمورد عالمي ضخم للطاقة، وقد بدأت تركيا بالفعل أعمال الحفر بحثًا عن النفط والغاز في شمال قبرص في ٢٦ ابريل الماضي، ودعت في مايو الشركات المرشحة للتنقيب عن الغاز والنفط من قبل الشطر اليوناني إلى سحب طلباتها وحذرتها من وضعها في القائمة السوداء في مشاريع الطاقة بتركيا مستقبلا، وفي الشهر نفسه تكرر استفزاز الطيران الحربي الإسرائيلي بانتهاك الأجواء القبرصية التركية في رسالة مفادها أن إسرائيل غير عابئة بتراجع العلاقات الثنائية في الوقت نفسه الذي تعزز فيه معلوماتها حول نشاط التنقيب التركي في المياه القبرصية.

وبينما لا تعترف تركيا بحكومة نيقوسيا ولا تعترف هذه الحكومة بانفصال الشمال الذي يخضع لسيطرة تركيا العسكرية مباشرة فإن تركيا رفضت أيضًا شرط الاتحاد الأوروبي لقبولها في الاتحاد وهو الانسحاب من شمال قبرص والاعتراف بقبرص دولة موحدة برئاسة حكومة نيقوسيا، ومن ثم تستطيع قبرص بمظلة الاتحاد الأوروبي المضي في استغلال الغاز بما يهدد بأزمة عميقة داخل الناتو باعتبار تركيا عضوًا أصيلاً في هذا الحلف الذي تنتمي إليه دول الاتحاد الأوروبي.

إن إسرائيل إذًا تمثل قاسمًا مشتركًا في نزاعات غاز شرق البحر المتوسط، وهو الغاز الموجود في عمق واحد وفي حوض واحد يمتد من بر مصر وبحرها إلى بر فلسطين وبحرها إلى بر وبحر لبنان وقبرص وسوريا وصولاً إلى تركيا. ومن ثم، فإن من يحفر أولاً بإمكانه أن يستخرج حصته وحصة الدول المجاورة، وأن اكتشافات الغاز المتوالية للدول المطلة على السواحل الشرقية للبحر المتوسط رسمت صورة قاتمة تنذر بتفجير حروب بين هذه الدول، حيث تتنازع إسرائيل مع الدول المجاورة على أحقية كل منها في هذه الحقول ويتمسك كل طرف بموقفه، وبينما تغيب سوريا مؤقتًا عن ساحة هذا النزاع بسبب ظروفها الداخلية، فإن اليونان أرسلت مؤخرًا خطابًا لوزارة الخارجية المصرية تخبرها أنها سوف تقوم بعملية مسح سيزمي لبعض المواقع البحرية في المياه العميقة في البحر المتوسط، ومع تعدد الأطراف المتنازعة على ثروة طاقة هذه المنطقة وتهديد هذا الموقف للسلم والأمن الدوليين تبدو بؤرة الغاز الملتهبة في شرق المتوسط مرشحة لأن تكون واحدة من أهم القضايا والتحديات التي تختبر قدرة الأمم المتحدة في هذه المنطقة التي لم تهدأ منذ أن قامت الدولة العبرية فيه































.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة