الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٩ - الاثنين ٢ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

عالم يتغير


توصيات بسيوني وآثارها السلبية: جمود النص وحركية الواقع





} أشرنا في مقال أمس إلى أن التوصيات انبثقت من تقرير اللجنة حول أحداث زمنية محصورة في شهرين تقريبا، فيما حركة الأحداث تتسارع وتتغير في البحرين، وفيما أطراف التأزيم وصلت إلى مرحلة الاستناد إلى العنف والإرهاب باعتبارهما واقعا يوميا طبيعيا، وفي الوقت ذاته الدولة من حيث أجهزتها الرسمية ملتزمة بتخفيف القوانين وتطبيقها، وتخفيف الأحكام القضائية والروادع، والتعامل مع من أخل بالأمن القومي للبحرين ورؤوس الفتنة والانقلاب باعتبارهم أصحاب قضية (حرية رأي وتعبير)، كما يحب الانقلابيون ومعهم الدول الضاغطة والمنظمات الدولية المسيسة تصوير الأمور، بل المخيف في الأمر أن الدولة ترسم سياساتها وتوجهاتها في التعامل مع (جرائم الأمن القومي وخلايا الانقلاب وممارسي الإرهاب) في إطار جمود النص الذي جاء في التقرير، فيما حركية الواقع ومتغيراته ليس لهما أي اعتبار كما يبدو.

} بالمقابل فإن من تسمي نفسها المعارضة تجاهلت ولاتزال تتجاهل ما جاء به التقرير حول ما ارتكبته هي من مخالفات وأخطاء وجنايات والإضرار بالأمن القومي وبالسلم الاجتماعي وبالوحدة الوطنية، وركزت بدورها وبمزايدات مفضوحة في مدى التزام النظام بالتوصيات المقدمة لها في التقرير لتحاسب الدولة وتنسى نفسها، بل تعتبر الأحكام القضائية المخففة دليلا على مصداقيتها وبراءتها مما نسِب إليها، لتستمر غوغائيتها ورعاية الإرهاب على أرض الواقع وتستمر في أجندتها الانقلابية، متحينة الفرص الملائمة لتنفيذها بالكيفية السابقة أو ربما بما هو أخطر.

} التقرير في نهاية المطاف ليس (قرآنا منزلا)، وعدم تحمل أطراف التأزيم والجمعيات السياسية المرخصة وغير المرخصة مسئوليتها وتصحيح أخطائها بالمقابل يجعل من ذينك التقرير والتوصيات أنها نابعة من رؤية عوراء وخاصة في ظل المستجدات العنفية والإرهابية التي لا يجوز للدولة التخفيف في أحكامها سواء تجاه من سبق أن قام بها أو تجاه من يقوم بها حاليا لمجرد الالتزام بنصوص التوصيات الجامدة التي لم تضع في الاعتبار حركية الواقع وإلزام الانقلابيين بتصحيح أخطائهم بالمقابل، إن أرادت تصحيح الأمور في البحرين.

} ولأن قيادات الحراك الطائفي حتى اللحظة مستمرون في خطابهم التأزيمي واستنادهم إلى الحراك الإرهابي والعنفي للضغط على الدولة فمن المفترض أن تضع الدولة من جانبها هذا التقرير وتوصياته في (ميزان تلك المتغيرات السلبية والوقائع التصعيدية وليس بعيدا عنها).

حالة الجمود في اتخاذ أي قرار بناء على الالتزام بالتوصيات فقط تضع الدولة في حالة تعاني اختلالا واضحا في كيفية معالجة تبعات الأزمة، وفي رسم الدولة لاستراتيجية سياسية وقانونية صحيحة وموضوعية لمعالجة معطيات الواقع المتصاعدة من حيث التأزيم والإرهاب بما تستحقه من مواجهة خاصة مع بقاء ذات الأجندة الانقلابية.

×إن سياسة الدولة بما يتعلق بالعلاقة مع (خروقات) الجمعيات السياسية ينبغي أن تنبع من (قانون الجمعيات) والتشريع فيه بما يتلاءم مع المستجدات، وكذلك (صياغة القرار السياسي) ينبغي أن تنبع من قرار الدولة المستقل في قراءة الأحداث وصياغة الاستراتيجية الأمنية ومن خلال مؤسساتها السيادية المعنية كالدفاع والداخلية والخارجية، وذات القول ينطبق على (السياسة الإعلامية) التي ينبغي أن تكون نابعة من الدستور والميثاق والضوابط الإعلامية ومجريات الوقائع حول الصلة بين الحريات والمسئوليات وبين الحقوق والواجبات في المواطنة، وكذلك (العقوبات) يتم استمدادها مثل كل دول العالم من القانون المحلي وليس من التوصيات التي أفرزتها أحداث معينة وتخطاها الواقع اليوم بسبب عدم إلزام جهات التأزيم الانقلابية بمعالجة أخطائها أيضا وبالمقابل كما قلنا.

} أما أن يتم التعامل مع (توصيات بسيوني) كأنها دستور البحرين الجديد الذي من خلاله يتم استمداد كل التصورات والبرامج والتطبيقات السياسية والقانونية والإعلامية والحقوقية، ويتم بناء عليه (نفي) روح وجوهر الدستور البحريني والسياسة البحرينية السيادية والدفاعية عن أمنها القومي والوطني، وفي ظل مرحلة تعتبر من أخطر المراحل التي مرت بها البحرين، فذلك ما لا يقبله عقل ولا منطق، وهو سبب الاختلال في معالجة تبعات الأزمة حتى اليوم.

×"التقرير والتوصيات" تم وضعهما بناء على أحداث معينة وليسا هما سيف مصلت على رقبة الدولة أو الشعب البحريني إلى الأبد ورغم المتغيرات بحيث يتم من خلالهما تسيير اتجاهات وتوجهات الوطن في الدفاع عن نفسه، ومن خلالهما يتم الابتزاز الداخلي والخارجي، ومن خلالهما يتم (فرض استرضاء) الخارج والحراك الطائفي في الداخل وممالأة الإرهابيين، وتضييع هيبة الدولة بل تقويضها، والتساهل مع قوانينها وبما يخل بسلمها الأهلي وبأمنها واستقرارها وحريات الآخرين الذين هم الغالبية الشعبية ومن كل المكونات.

} اليوم نسمع من كل مسئول وكل وزير وكل متحدث:

قال تقرير بسيوني، وقالت التوصيات، ونحن طبقنا ما جاء فيهما.

ولا أحد يقول: القانون البحريني يقول، أو الدستور البحريني يفرض، أو الأمن القومي يستوجب... الخ.

مثل هذين الانضباط والالتزام ومن طرف الدولة وحدها فيما الطرف الآخر التأزيمي والإرهابي لا يلتزم بشيء ولا يُلزم نفسه بشيء، فيهما خلل كبير، وخروج عن سياق المنطق والعقلانية بل الموضوعية.

والمطلوب أن تستفيق الدولة من سحر ومن ضغط ومن استغلال الخارج والانقلابيين لتقرير بسيوني وتوصياته حتى لا تصل غدا الأمور إلى إطلاق سراح من هدد الأمن القومي من رؤوس الفتنة (الحادي والعشرين) باعتبارهم ـ كما يبتزون ـ أنهم سجناء رأي أو لأن تقرير بسيوني أوصى بذلك أو لأن أمريكا والمنظمات الدولية المسيسة ترى ذلك أو لأن ولأن...

وللحديث صلة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة