الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٩ - الاثنين ٢ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الجزر الإماراتية ليست سلعة سياسية





عندما تقول الولايات المتحدة الأمريكية أنها "تؤيد" موقف الإمارات العربية المتحدة بشأن جزرها الثلاث التي تحتلها إيران منذ ٣٠ نوفمبر ١٩٧١ حين أرسل شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي قواته المسلحة واستولى على الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى)، هذا الموقف الأمريكي ليس مبدئيا على الإطلاق وإنما يأتي نكاية في إيران حيث العداء الأمريكي الإيراني في تصاعد خاصة في ظل الخلاف الدائر حول ملف إيران النووي وتلويح الإدارات الأمريكية بإمكانية استخدام القوة العسكرية لوقف البرنامج النووي الإيراني، فأمريكا ليست صادقة في موقفها من الجزر، فكلنا يعلم أن الدعم الأمريكي لشاه إيران الراحل كان أحد الأسباب التي شجعت الشاه على احتلال الجزر الثلاث.

فالولايات المتحدة الأمريكية التي أعربت عن "تأييدها" لموقف الإمارات العربية المتحدة من جزرها الثلاث المحتلة سوف تغير موقفها بمجرد تطبيع علاقاتها مع إيران خاصة إذا ما أغلق ملف الأخيرة النووي، فأمريكا لا تعنيها مصالح الإمارات أو أي دولة خليجية أخرى، فمصالح أمريكا الحيوية والاستراتيجية هي التي تحدد مواقفها من هذه القضية أو تلك، ولولا توتر علاقاتها مع إيران، لما سمعنا بمثل هذا الموقف الأمريكي من قضية الجزر الإماراتية الثلاث، فالموقف الأمريكي الأخير لا يعدو كونه سلعة سياسية أمريكية جديدة.

من حيث المبدأ فإن الإمارات العربية المتحدة بحاجة إلى أشكال الدعم السياسي كافة لموقفها من جزرها المحتلة خاصة في ظل التعنت الإيراني الرافض لأي شكل من أشكال الحوار بشأن هذه الجزر حيث تعتبر إيران الجزر الثلاث أراضي إيرانية غير قابلة للمساومة، وهو موقف يستند إلى منطق القوة لا غير حيث تعرف إيران جيدا أن الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون المؤيدة لها، لن تقدم على تحرير الجزر بالقوة العسكرية لأن ذلك ليس من مصلحة دول المنطقة كلها حيث الخسائر المادية والبشرية المترتبة على عمل من هذا القبيل سيكون باهظا جدا.

فبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران في شهر فبراير من عام ١٩٧٩ راودت الجميع آمال كبيرة في إمكانية إنهاء هذه القضية وإعادة الحقوق في الجزر لأصحابها الشرعيين، لكن هذه الآمال سرعان ما تبددت حيث اتضح أن إيران الثورة يبدو أنها ورثت سياسة الشاه الراحل فيما يتعلق بقضية الجزر الإماراتية الثلاث تعاند وتكابر بالنسبة لهذه القضية حيث رفضت الاقتراحات كافة التي تقدمت بها دولة الإمارات العربية المتحدة لإيجاد حل ينهي هذه القضية التي مضى عليها أكثر من أربعة عقود ولا تلوح في الأفق أي بوادر لحلها بسبب التعنت الإيراني.

فمنطقة الخليج العربي التي عانت كثيرا بسبب الحروب التي شهدتها بدءا من الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي مرورا بالخطأ الكبير الذي ارتكبه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بغزوه دولة الكويت وانتهاء بجريمة الغزو الأمريكية للعراق، هذه المنطقة غير قادرة على تحمل حالة عدم استقرار جديدة قد تتطور إلى الأسوأ، فبقاء قضية احتلال الجزر الإماراتية الثلاث من قبل القوات الإيرانية وإصرار طهران على عدم التجاوب مع جهود حلها سلميا، سوف يؤدي في نهاية الأمر إلى عدم استقرار في علاقات إيران ليس مع دولة الإمارات فقط وإنما مع دول مجلس التعاون الخليجي التي لا تخفي تأييدها الكامل لحق دولة الإمارات في جزرها الثلاث.

وليس من مصلحة إيران عدم إيجاد مخرج سلمي وعادل لهذه القضية، فإيران بحاجة أكثر من غيرها من دول الخليج لأن تبني علاقة طيبة ومستقرة مع جيرانها، ذلك أن علاقات إيران مع الكثير من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ليست علاقات طيبة وتشوبها التوترات بين حين وآخر، وهي، أي إيران، تعاني مقاطعة اقتصادية أثقلت كاهل اقتصادها كثيرا، وبالتالي فهي معنية أكثر من غيرها بالبحث عن حل سلمي لهذه القضية التي سيكون حلها مفتاحا لإرساء علاقات طبيعية مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي لا يمكن لها أن تبقى صامتة إلى ما لا نهاية وهي ترى جزرها تتصرف فيها إيران كيف ومتى تشاء.

ومهما كانت حجج إيران وادعاؤها بامتلاك الوثائق التي تدعم موقفها من الجزر الثلاث وبأن هذه الجزر تعود ملكيتها إليها، فإن هذه الحجج تعني إيران وليس غيرها، لأن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها ما يكفي من الوثائق لتأكيد أحقيتها في الجزر الثلاث، وهي لذلك لم تخش التحكيم الدولي بل هي التي اقترحت التوجه إلى المحكمة الدولية لحل هذا النزاع في حين إيران التي تقول إن لديها الأدلة الكفيلة بتأكيد أحقيتها في الجزر، هي التي ترفض التوجه إلى المحكمة أو القبول بلجنة تحكيم محايدة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة