الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٠٣ - السبت ١٦ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٦ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


تخوين العلمانيين في فلسطين





في قاموس حركة «حماس» لا فرق في الموقف من الأعداء الصهاينة الذين يعيثون في أرض فلسطين ذبحا وتنكيلا وتشريدا لأبناء فلسطين، وبين العلمانيين، جميع العلمانيين أيا كانت مواقفهم السياسية من القضية الفلسطينية التي تعتبرها «حماس» هدف نضالها وتضحياتها، هذا بالضبط ما أفصح عنه وزير داخلية الحركة وأمينها الوطني فتحي حماد خلال الاحتفال الذي أقامته بمناسبة الذكرى الخامسة لانقلابها على السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث قال الوزير «الحماسي» في ذلك الاحتفال: «لا تصالح مع الأعداء الإسرائيليين ولا تسامح مع العلمانيين».

في الحقيقة فإن الوزير «الحماسي» لم يكشف سرا ولم يأت بجديد، وإنما هو يؤكد حقيقة قائمة على أرض الواقع في قطاع غزة وفي علاقة الحركة الإسلامية مع غيرها من الحركات السياسية الفلسطينية، فما قاله الوزير هو بالضبط ما تمارسه الحركة على مدى الخمس السنوات التي مضت على حكمها في القطاع والتي شهدت تسلطا «حماسيا» ضد جميع الفصائل الوطنية الفلسطينية، وخاصة العلمانية منها مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية، وبالطبع حركة «فتح» أيضا التي تناصبها حركة «حماس» العداوتين السياسية والفكرية بل تجردها من وطنيتها.

حركة «حماس» كغيرها من حركات الإسلام السياسي تكون عادة «أليفة» في التعامل مع الآخرين، و«مثالا» و«أنموذجا» في قبول الرأي الآخر و«احترام» التعددية السياسية والفكرية، فقط عندما تكون خارج السلطة وعندما تكون بحاجة إلى الدخول في اللعبة السياسية الديمقراطية بهدف وحيد هو استخدام هذه الوسيلة كجسر عبور نحو مراكز صنع القرار والتحكم فيه، وحين يتحقق لها ذلك فإن هدفها الأول يكون الهيمنة المطلقة على مفاصل الحركة المجتمعية السياسية والاجتماعية، والعمل على تكريس هذه الهيمنة من خلال محاربة المختلفين معها في العقيدة الفكرية والتضييق عليهم، وصولا إلى تهميشهم ومن ثم إلى إقصائهم.

فعلى مدى خمس سنوات من حكم «حماس» في غزة فرضت الحركة هيمنتها الفكرية والأيديولوجية والاجتماعية بقوة السلاح من دون اعتبار أو احترام لحقوق الآخرين، فقاست الحركات الوطنية الفلسطينية ذات التوجهات العلمانية واليسارية شتى أصناف التضييق والخنق الثقافي والسياسي، مع أن هذه القوى لها جذور تضرب في أعماق تراب النضال الوطني الفلسطيني أكثر بعشرات المرات من تلك الجذور التي غرستها «حماس» من خلال مشاركتها في النضال الوطني ضد المشروع الصهيوني في فلسطين، وقدمت بلا شك مئات الشهداء على مذبح الحرية.

فحين يخرج مسئول كبير في الحركة في مرتبة وزير داخليتها ويضع العلمانيين، فلسطينيين وغيرهم، في كفة واحدة مع الأعداء الصهاينة، فإن ذلك يدل على شيء واحد، هو قصر نظر شنيع وتخبط فكري وسياسي لدى القيادة الحماسية، فهناك في أوساط الشعب الفلسطيني الكثير من الحركات والشخصيات العلمانية التي لعبت ولاتزال أدوارا وطنية شامخة، وحملت لواء التصدي للمشروع الصهيوني في فلسطين على مدى العقود الستة التي أعقبت نكبة الـ ٤٨، وبقيت أمينة ومحافظة على مبادئها ومواقفها الوطنية من قضية شعبها.

يبدو أن حركة «حماس» قد انتشت مرة أخرى بعد الإفرازات السياسية التي جاءت بها الحركة الجماهيرية في بعض الدول العربية مثل مصر وتونس، حيث أطاحت الجماهير فيها بأنظمتها السياسية، حيث تصدرت قوى الإسلام السياسي في الدولتين المسرح من خلال صناديق الاقتراع، وهي النتائج التي ربما نظرت إليها «حماس»، على أنها تمثل بداية «الصعود» الحقيقي لقوى الإسلام السياسي في الدول العربية، وبالتالي سوف يشكل ذلك سندا للحركة، حتى لو جاهرت بعدائها للقوى السياسية على الساحة الوطنية الفلسطينية وخاصة في غزة حيث تحكم الحركة.

لكن إن كانت هذه بالفعل نظرة «حماس» للمشهد السياسي وربط ذلك بعلاقاتها مع القوى الوطنية الفلسطينية الأخرى، وخاصة القوى العلمانية، فإنها ستقع في خطأ فادح ليس مستبعدا أن يفقدها جزءا كبيرا من رصيدها الجماهيري الذي راكمته من خلال عشرات الشهداء الذين قدمتهم على مذبح فلسطين، فالشعب الفلسطيني يمتلك وعيا وطنيا عميقا سيكون من الصعب عليه الانجرار وراء الاقتتال الفكري العنيف، ولا تنس «حماس» أن شريحة القوى العلمانية في المجتمع الفلسطيني واسعة جدا، وبالتالي فالعداء لهذه الشريحة ليس في مصلحة «حماس»، وليس في مصلحة القضية الفلسطينية أيضا التي هي بحاجة إلى جميع أبنائها بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الفكرية، فالقضية قضية شعب بأكمله وليست قضية فصيل من فصائل النضال الوطني.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة