أسئلة النار والجمر الذي نمسك به حبا لهذا البلد وأهله (٣)
 تاريخ النشر : الأربعاء ٤ يوليو ٢٠١٢
بقلم: حسن عبدالله المدني
نشرت في المقال السابق الإشكالات المثارة حول مقالي "الشيعة في البحرين أكبر من أن يكونوا لعبة في يد أحد" حول المضمون، والأسلوب، والباعث، وأحاول في هذا المقال التعليق على الإشكالات المطروحة بقصد الفهم والاقتراب من بعض مفردات أزمتنا الراهنة لا بروح المغالبة ومحاولة الانتصار، وأثناء هذه المحاورة أعرض على الجمهور عقلي وتفكيري ورؤيتي للأمور وأقبل نقدهم وإثراءهم بكل رحابة صدر.
أولا: المضمون: حين أبين رأيي في موضوع ما بصراحة فليس معنى ذلك أنني أتجنى على أحد أو أنتقص من شأنه وخاصة إذا كان يعمل في الشأن العام، ولكن لم تقل لي لماذا "سيخرج الشيعة من دون غيرهم إلى الشارع" وخاصة أنه يدعي الديمقراطية والوطنية ويسعى إلى الدولة الليبرالية، فكيف يوجه فتواه للشيعة أو لفئة منهم، وعلى أي أساس؟ قال: "لا يبقون ولا يذرون" ما معنى هذه العبارة؟ وهل سيخرجهم للمزاح مثلا مع قوة دفاع البحرين حين تحدى المشير وتحدى جيوش المنطقة في سابقة غريبة؟ ثم لماذا يخرج الناس إلى الشارع سواء أكان ذلك بفتوى أم بغير فتوى؟ وهل الناس لعبة في يده حتى لو كان قادرا على إخراجهم؟ ولو قال شخص ما "إن الشيعة في البحرين يستطيع أن يخرجهم أحد شيوخهم بفتوى من كلمتين ليقابلوا جيش بلدهم وكل جيوش المنطقة فهل سترضى؟"، وهل نسيت أن المقام كان "تحدي المشير"؟
أما عن خيار السلمية فقد أصبح نكتة سمجة تكذبها الأحداث اليومية، وأنت نفسك ترى ما يحدث في قرى الشيعة ومناطقهم كل يوم من سد الشوارع وإيذاء الناس وحرق يومي للإطارات ومواجهات عبثية دامية يسقط فيها أبناؤنا كل حين بتشجيع وتحريض مباشرين من "المعارضة" وقيادتها، أضف إلى ذلك الخطاب المأزوم البائس اليائس الذي يذكي المواجهة ويستدعي النزال الطائفي، ولك أن تحصي كم مرة أشار هذا الخطاب إلى "نحن وهم، وأولادنا وأولادهم، ومصلحتنا ومصلحتهم..."، فهل ترى ذلك طبيعيا؟
قلت: إن "المعارضة" اليوم تتاجر في دماء الشيعة في البحرين وأعراضهم وأموالهم وأملاكهم وأولادهم وبناتهم، ولم يثبت لي عكس ما قلت، وأواجه ربي جل جلاله يوم القيامة بما أقول وأدونه للحقيقة ولتاريخ هذا البلد وأقوله كشاهد على التغول على الناس باسم الدين والمذهب.
وبالنسبة إلى حسبانك لي أنني أتعامل بالظواهر لا بالبواطن فهذا صحيح، لأنني بشر أحكم على أفعال بشرية قابلة للقياس والحكم والتقويم ولا أتعامل مع أنبياء ولا رسل.. أما البواطن فيعلمها الله سبحانه وتعالى وحده.
وبشأن اتفاق أكثر الناس على إخلاص الرجل وتفانيه وحرصه على دماء الأبرياء فلم يثبت لي ذلك، ولا أستطيع أن أكذب نفسي لأصدق الآخرين مهما كان حبي واحترامي لهم، وأنا أتعامل بالظواهر، وربما أنت وهم تتعاملون بـ "البواطن"، وسأحيلك مجددا إلى أدبيات "المعارضة" وثقافة المواجهة والمناكفة مع السلطة التي تستخدم الشيعة في البحرين رأس حربة في مواجهة قوات الأمن والجيش، ولا يكاد يخلو خطاب من مفردات المواجهة على طول الخط، وهل "اللجوء إلى الشارع" الذي أطلقه إلا استهانة بدماء الناس وتضييعا لمصالحهم؟
وبعد أشكرك لك دعوتك لي إلى تقوى الله؛ فهي أحسن دعوة، ولذلك أنت أيضا مدعو إليها فتقبلها مني و"اتق الله يا أخي ويا ابن صديق والدي" يرحمك الله، فما يسيل اليوم في شوارع البحرين هي دماء وليست مياها، ولا مجال للمكابرة بينما الناس يسقطون صرعى من أجل مشاريع سياسية كاسدة، فأين الحكمة فيمن يصرون على المواجهة وسلاحهم الوحيد هو أجسادنا وأجساد أبنائنا التي تسقط لتكون أرقاما في قوائم "المعارضة" يقارعون بها السلطة ويسافرون بها إلى أصقاع الدنيا لاستدرار الدمع والدعم؟
ثانيا: الأسلوب: قلت: ينبغي أن يكون النقد بالحكمة والموعظة الحسنة، وقررت أنني لم أوفق إليهما في طرحي لا أسلوبا ولا مكان النشر، وأنا أسأل شخصكم الكريم: هل ترى حكمة في تحدي السلطة؟ والسخرية من رموز الدولة؟ هل ترى حكمة في استفزاز الطائفة السنية الكريمة في البحرين؟ هل ترى حكمة في إخراج نسائنا وفتياتنا من بيوتهن للمواجهة مع الأمن وتعريضهن للإساءة؟ هل ترى حكمة في المظاهرات اليومية التي تعطل الحياة وتؤثر سلبا في أرزاق الناس وتفقرهم وخاصة في مناطق الشيعة وتشرد الشركات والبنوك التي توظف البحرينيين؟ هل ترى حكمة في وضع العراقيل أمام الحوار مع سمو ولي العهد ثم التباكي عليه؟
وبالنسبة إلى اختيار مكان وزمان النشر الذي لم أوفق إليه حسب وجهة نظرك، فأسألك: هل تدلني على مكان وزمان النشر؟ أم أنك تريد مني أن انضم إلى السبابين والشتامين في "بحرين أون لاين" أو "ملتقى فجر البحرين" الذي يصف نفسه بأنه وفاقي الهوى؟ وإذا كنت لم أوفق في اختيار زمان النشر فهلا عرفتني بالزمان المناسب؟ متى تريد مني أن أنشر مقالاتي في الشأن العام؟ وهل تستطيع أن تسدي هذه النصيحة للذين خربوا البحرين عبر القنوات العراقية والإيرانية الناطقة بالعربية؟
ثالثا: الباعث: هو حبي لوطني وأهلي وبيان مظلوميتهم التي تمت تحت اسم الدين وعنوان المذهب، وأتفق معك تماما على أن الدعوة إلى الخير يجب أن تكون شاملة كل الجوانب، (راجع مقالتي السابقة وتعليقاتي على صفحتي في الفيسبوك)، لكن إن أردت مني أن أنضم إلى جوقة السبابين الشتامين للحكومة والدولة ورموزهما كي أصبح في مصاف الأبطال بسرعة البرق في نظرك فهذا ليس أسلوبي ولا هدفي، بل أعتقد بخطئه وعدم جدواه، وأعتقد أنه يتنافى مع "الحكمة" التي مازلت تدعوني إليها.
وللحديث بقية.
.