ليس للعمال ما يخسرونه سوى أغلالهم
 تاريخ النشر : الأربعاء ٤ يوليو ٢٠١٢
بقلم: جميل الأسدي
ينعكس الصراع الاجتماعي بشكل مباشر على الطبقات المختلفة في المجتمع، والطبقة العاملة هي إحدى الطبقات الاساسية في المجتمع التي تشكل الاقتصاد والتي تتمرس تاريخيا في صراعها مع الرأسمال من أجل نيل حقوقها النقابية، وقد استطاعت الطبقة العاملة في الدول المتقدمة أن تفرض الكثير من مطالبها، وهذا ما نشاهده من تحسن في أوضاعها المعيشية والاجتماعية، وقد بذلت المنظمات النقابية والاتحادات العمالية في تلك الدول جهودا جبارة في تطوير المجتمعات الصناعية، وشاركت بفعالية في دعم الأنظمة للتوجه الديمقراطي، واتساع رقعة الحريات ومساواة المرأة العاملة بالرجل العامل في الحقوق والواجبات ومن ضمنها تحسين الدخل الأسري والاجور والضمانات الصحية وحقوق التقاعد، ورسخت تلك النقابات ثقافة العمل والالتزام الوظيفي والتطوير الذاتي والبرامج التدريبية والانتماء المؤسساتي.
وتعاني الدول النامية إشكاليات في العمل النقابي يتركز في ضعف القوة العددية وقلة الوعي النقابي، وهذا ما كانت تعانيه الدول الأوروبية قبل مائتي عام مما جعل كارل ماركس في عام ١٨٧١ يصف تلك المرحلة بما يلي: " في إنجلترا وجدت النقابات لأكثر من نصف قرن، ولكن الغالبية العظمى من العمال خارج النقابات التي تشكل أقلية ارستقراطية. ان أفقر العمال لا ينتمون إليها، الجماهير الغفيرة من العمال الذين يدفعهم التطور الاقتصادي من الريف إلى المدن يبقون خارج النقابات فترة طويلة، والقطاع الأكثر فقرا لا يدخلها أبدا...".
ونلاحظ ان ما يحدث في الدول النامية هو قيادة للعمال وقد تكون منتخبة ولكنها بعيدة عن المصالح العمالية، وتستغل مناصبها القيادية في تحقيق مصالح أنانية شخصية أو حزبية ضيقة أو انتهازية سياسية، وقد كتب تروتسكي في هذا الصدد وصفا جميلا يتطابق مع ما تعانيه الحركة العمالية من تجاذبات بسبب التشكيلة الفكرية المتنوعة، وقد كتب "تضم النقابة قطاعات واسعة من جماهير العمال ذات مستويات مختلفة، وكلما اتسعت هذه الجماهير اقتربت النقابة من تحقيق مهامها. ولكن ما يجنيه التنظيم من الاتساع يفقده بالضرورة في العمق عبر وجود تيارات انتهازية وقومية ودينية في النقابات وفي قياداتها، فالنقابات لا تشمل فقط الطليعة ولكنها تشمل أيضا العناصر المتأخرة الثقيلة. يأتي إذًا عنصر ضعف النقابات من عنصر قوتها".
وهذا ما يؤكده الواقع بالنسبة إلى القيادات النقابية غير الطليعية التي تحكم السيطرة على النقابات ويتم توظيف تلك المجاميع العمالية لأهداف شخصية وحزبية ومالية ترتد في النهاية ضد المصالح العمالية الحقيقية، وهذا أيضا ينطبق على النقابات المهنية التي لا تقدم للمهنة شيئا يذكر، ولكنها تقف لتحقيق أهداف سياسية مهما كلف الثمن. وبذلك تؤدي دورا آخر هو دور الأحزاب السياسية، وهذا من أفدح الأخطاء حسب قول لينين " هلاك أخلاقي وضمانة أكيدة للهلاك السياسي".
بناء على المقدمة السابقة والتحليق في الملف النقابي المحلي، فتاريخ الحركة العمالية بدأ مع ظهور النفط ويعتبر أول تحرك عمالي مطلبي في عام ١٩٣٨ وكان من قبل عمال بابكو، حيث بلغ عدد العمال أكثر من ٣٠٠٠ عامل في تلك الفترة، وكانت في تلك الفترة البحرين تخلو من أحزاب سياسية على الساحة، وكانت تلك الحركة موحدة وفاعلة وذات مطالب اقتصادية، واستمرت المطالب إلى عام ١٩٥٤ حتى صدور قانون العمل في البحرين عام ١٩٥٧ ونصت مواده على تشكيل نقابات عمالية، مرورا بانتفاضة مارس ١٩٦٥، وتشكيل اللجنة التأسيسية في السبعينيات وتحولها إلى الاتحاد العام.
ما يميز تاريخ الحركة العمالية في البحرين دورها القيادي المطلبي، وانحيازها إلى مجتمع مدني وحر، ومن أجل المساواة بين الرجل والمرأة في العمل، وتعميق الديمقراطية والمساواة في التمثيل، ومحاربة الفساد في المؤسسات العمالية ومحاربة النفوذ والعناصر الانتهازية العمالية، التي كانت تبحث عن المصالح الشخصية والوصولية، ولم تكن للطائفية موطئ قدم في تاريخ الحركة العمالية البحرينية، وناضل العاملون والعاملات من ضمن نقاباتهم جنبا إلى جنب بغض النظر عن المنشأ المذهبي والقومي ونقابات فترة السبعينيات مثالا على ذلك، فصعدت قيادات عمالية في المحافل الدولية من جميع الطوائف جمعتها المصلحة الوطنية العليا ومصالح الطبقة العاملة الموحدة، وعند بداية المشروع الاصلاحي فتحت أبواب كانت مغلقة نسبيا، منها تحقيق تلك التنظيمات العمالية إلى جانب الدعم المالي الذي يقدر بـ ٢٠٠,٠٠٠ دينار. بالاضافة إلى التمثيلين المحلي والخارجي، والحق يقال ان التيار الديني مستجد على العمل النقابي ومعرفة التاريخ العمالي ونضالاته الممتدة لأكثر من ثمانين عاما، وأتذكر في أحد أعياد الأول من مايو ذكر أمين عام احدى الجمعيات الدينية ان " الأول من مايو تأسس من قبل عمال موسكو".
فما هي الأخطاء التي يتحملها الاتحاد العام بعد مراجعة تلك الأحداث الأليمة لنا جميعا؟
١ـ تعامل الاتحاد مع الأحداث السياسية كونه حزبا سياسيا وليس تنظيما نقابيا.
٢ـ عدم دراسة الشعارات السياسية في الساحة، واتخاذ مبدأ التبني بدون حسابات الربح والخسارة ومعرفة لحظة النضج التاريخي.
٣ـ اتخاذ قرار الإضراب العام بالتنسيق الوقتي مع جمعية المعلمين وانسحاب نواب الوفاق، وعدم مشاورة الآخرين.
٤ـ عدم تفهم الجسم النقابي بما يحويه من أطراف متعددة سياسية كانت أم مذهبية، وعدم التفريق بين التشكيل الحزبي الصرف الموحد والجسم النقابي ذي الألوان المتعددة والمصالح السياسية عندما يحين شعار الإسقاط.
٥ـ التوزيع غير العادل في قيادة الاتحاد وتقريب من يوالي وإبعاد المختلفين و"المشاكسين".
٦ـ عدم الانصاف والعدالة من الناحية التمثيلية بناء على القاعدة العمالية من الناحية العددية.
٧ـ مطالبة الدولة بالتعددية النقابية الخاصة بالاتفافية الدولية، ورفض تينك التعددية والمنافسة في الواقع العملي واتهام تلك المجموعات " بشق الحركة النقابية على أسس طائفية".
٨ـ الوقوف سواسية مع ممثلي الجمعيات السياسية تحت شعارات من صنع التيار الراديكالي، مما أصاب مصالح الطبقة في مقتل، وهذه الشعارات لم تتبنها عموم القاعدة العمالية، وإنما طرف سياسي.
٩ـ تأخير قد يكون متعمدا للانتخابات، وهذه الادارة التي انتهت دورتها الانتخابية منذ شهور.
خلاصة القول باعتقادي الشخصي ان الأغلبية مع اتحاد للعمال ذي منحى وطني، يدرك تماما المصالح الآنية والاستراتيجية للطبقة العاملة البحرينية وغير البحرينية وللرجل والمرأة سواسية، ويكون أمينا على حقوقهم، ويضع مسافة وخطوطا واضحة بينه وبين التيارات السياسية ويبتعد عن الموقف الذيلي والانقياد الأعمى لأي توجهات متطرفة تضر بالاقتصاد الوطني، ويرسخ مبادئ الحقوق والواجبات وثقافة العمل. ويحارب بشجاعة الفكر المتطرف والطائفي والفساد الإداري والمالي في صفوفه، ولا يقف بالمرصاد والهجوم على من يختلف معه في الرأي ويطلب إليه المراجعة الذاتية ونقد الذات. ومن حق أي انسان أن ينتمي إلى من يحقق مصالحه إن كان الاتحاد الحر أو الاتحاد غير الحر.
.