الميديا وصناعة النشطاء!
 تاريخ النشر : الخميس ٥ يوليو ٢٠١٢
بقلم: وجدان فهد
يُعرف باحثو الإعلام الصورة الذهنية على أنها نتاج عمليات التأثير الإعلامي التي تستهدف تشكيل انطباعات محددة في ذهن المتلقين، وقد ظهر المصطلح للمرة الأولى في أوائل القرن العشرين عندما أطلقه والترليمان.
ومناسبة الحديث عن الصورة الذهنية هو محاولة إيجاد تفسير لظاهرة نشطاء حقوق الإنسان الذين صدّرت صورهم الميديا الغربية إلى بلادنا العربية بعدما نجح كثيرون منهم في استخدام وسائل الإعلام وتوظيفها في خدمهم أغراضهم الأيدلوجية.
وكي يكون الكلام أكثر وضوحا وفهماً لنأخذ دراسة حالة على «ناشط حقوقي» لن اذكر اسمه لأنني أعول على ذكاء قرائي في القدرة على الربط والاستنتاج. وكذلك استيعاب مدى قدرة الإعلام في إيصال الجماهير لمرحلة الإيهام من خلال ما تصلهم من رسائل إعلامية تقنعهم بأشياء تجافيها الحقائق في الواقع.
أما عن «الناشط» فتبدأ حكايته مع الميديا الغربية قبل حوالي عشرة أعوام، وقتذاك كان العالم يموج بتداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر وحملة الاعتقالات العشوائية على العرب للاشتباه في ضلوعهم بتدبير الأحداث المؤسفة.
البحرين كانت واحدة من بين الدول التي تعرض ستة من مواطنيها للسجن في غوانتناموا نهاية ٢٠٠١، حيث تم القبض على بعض منهم في باكستان أثناء مشاركتهم في حملات الإغاثة الإنسانية.
في تلك الأثناء واقتناصا للموقف المموج بالعواطف المختلطة بين الغضب الشعبي العارم والحزن والأسى على مصير شباب الوطن الذين واجهوا قرارا سياسيا أكثر من أن يكون حكما جنائيا وخسروا به حريتهم وهم في عشرينيات العمر، تصدر للمشهد رجل تأثر بأحداث التسعينيات وبطولة الزعامات المهترئة فكريا وسناً، فهامت عيناه نحو الأضواء والشهرة مثلهم إلا انه وإحقاقا للحق كان ادهى منهم في استغلال الأحداث وتوظيفها لصالح أيدلوجيته اعتمادا على أدوات الميديا.
علق الرجل على صدره صور «الرجال الملتحيين» بينما هو كان لبوسه ليبراليا بامتياز، ومقصده من ذلك تمرير الإيحاء الذهني لعموم الشعب بمدى التسامح الديني وإخفاء أي شكوك عن النوايا والأيدلوجيات المستترة.
وعليه تمررت الصور عبر الميديا المحلية والغربية لرجل ناشط الحراك مهموم بقضايا أبناء وطنه حتى وإن كانوا مختلفين عنه في المذهب الديني، فحصد القبول الشعبي والإعلامي من الشارع البحريني الذي نسي في لحظة الفروقات المذهبية وانصب تركيزه في قضية وطنية مشتركة كديدن أهل البحرين وعادتهم في الالتفاف لمواجهة النوائب.
أما وهذا الرجل فراح يستفيد من كل قصاصة إخبارية تنشر عنه وراح يروّج لنفسه ولنشاطه في المحافل الحقوقية الدولية ويعمل على ترسيم العلاقات معها وتوطيد التفاهمات، حتى صار وكيلهم في المنطقة ورجلهم المخلص الأمين، والمصدر الأوحد للمعلومات والتصريحات في منابرهم الإعلامية، من دون عناء التحقق مما يقوله ويتفوه به.
في حين أن الحقيقة مغايرة عن ذلك تماما لكن للأسف لم تكشف عنها الميديا. فقد كانت القيادة البحرينية تعمل في جهد دؤوب لحل ملف المعتقلين البحرينيين في غوانتناموا وترسل الوفود الأمنية للوقوف على حالة رعاياها والاطمئنان على أوضاعهم، وحاولت بالمفاوضات الرسمية أن تعالج الموضوع بعدما تبين لها صعوبة اللجوء إلى مكاتب المحاماة والاستشارات القانونية لأنه من الأساس لم يكن هناك حكما جنائيا صادرا بحق المعتقلين إنما كان قرارا سياسيا بحتا.
وبفضل هذه الجهود الرسمية التفاوضية على أعلى المستويات استطاعت البحرين أن تكون الدولة الأولى عربيا التي يفرج عن رعاياها المعتقلين في جوانتناموا، بل وان البحرين وحرصا على سمعتها الدولية والثبات على موقفها في انتهاج مبادئ التقاضي والعدالة للجميع رفضت مجرد التفكير في مقترح قضاء المعتقلين مدد إحكامهم في سجون البحرين، وهم أصلا لم تصدر بحقهم اتهامات محددة! وآثرت المضي في الحلول التفاوضية حتى عاد المعتقلون إلى وطنهم وبين ذويهم من جديد يتمتعون بكامل حقوقهم المدنية وحريتهم وأغلق الملف البحريني في جوانتناموا نهائيا عام .٢٠٠٧
كل هذه الجهود الرسمية وللأسف كانت تبذل في صمت بعيدا عن الميديا، ولا اعرف السبب في ذلك، هل كان إغفالا عن تأثير الإعلام في تثبيت المواقف والحقائق، أم انه صمت مقصود لقناعة تامة بان الحقائق تظهر ولو بعد حين صحتها وليست بحاجة الى تلميع وترويج.
أنا شخصيا لا اعرف سبب الصمت ولكن ما اعرفه انه هيئ المناخ المواتي لذاك «الناشط» أن يسوق أيدلوجيته من دون كبح.
لقد استفاد من الميديا ونصّب نفسه حاميا ومدافعا شرسا لحقوق البشرية، إلا أن سيطرة الأيدلوجية وجبروتها تفوقت عليه فلم يصمد في محرابه ولبوسه الورع التسامحي مع جميع المكونات المجتمعية. حيث أبدى خلال أحداث ٢٠١١ التي مرت فيها البحرين انحيازا تاما لمكون اجتماعي من دون آخر فاعتبر الإرهابيين أنهم ثوار رغم تورطهم في قتل وأسر رجال الأمن والعمّال الآسيويين والاعتداء على قدسية الحرم الجامعي والطلبة هناك، حتى الأطفال لم يسلموا منهم فحرموهم حقهم في التعليم واستغلوهم كدروع بشرية تساق كالقطيع للميدان المشئوم.
أنا أقول هذا الكلام ومسئولة عنه لأن شعوري وجميع حواسي ولله الحمد سليمة وعايشت إجرامهم يوما بيوم، فلم تحقنني صور الميديا التي يروجها ذاك الناشط وأتباعه بحقنة البلادة والتنويم لأفقد القدرة على التفريق بين ما هو صواب وخاطئ وبين ما هو إجرام وتعبير سلمي وبين ما هو كفاح مسلح واحتجاج، فحمدا لله على نعمة العقل والبصيرة.
وما أود أن اخلص في قوله إن الميديا قوة بحد ذاتها والذكي من لا يغفل تأثيرها بما تخلقه من حالات الإيهام ونقل الأحداث في سياقات تستهدف من المتلقي إدراكها والتفاعل معها وفقا لسلوك مقصود مسبقا للوصول إلى نتيجة محددة ورد فعل بعينه. فهكذا هي الميديا مؤثرة ومتأثرة ومن يجهل أدبياتها ويفك شفراتها يخيّل له في لحظة الخامل ناشطا.
تفكروا وافهموا أصول الصنعة!!
.