الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٢ - الخميس ٥ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٥ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


وماذا أنتم فاعلون ؟





كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تدخل السفير الأمريكي توماس كراجيسكي في شئون البلاد كما كثرت الإشادة بالمؤتمر الصحفي الذي عقده ممثلو الجمعيات السياسية والنواب المستقلين في المجلس المنتخب الذي نددوا فيه بدور السفير ومواقفه وتدخلاته في الشئون المحلية والذي هددوا فيه كذلك باستجواب وزير الخارجية إذا ما تقاعست الوزارة في وضع حد لدور السفير وتدخله في شئون المملكة الداخلية فضلا عن انحيازه الطائفي.

وقد انصب جام غضب المجتمع على السفير مشيرين إلى أن تصرفاته لها تبعات خطيرة، ومتناسين أن تصرفاته ومواقفه قد تكون عن قناعات شخصية إلا أنه في نهاية المطاف عبد مأمور وهو سفير الولايات المتحدة الامريكيه لذا فإن كل تصرفاته تنعكس عن توجهات الادارة الامريكية وسياستها الخارجية التي تنتهك بها بهذه الطريقة الأعراف وتتجاوز من خلالها الاتفاقيات الدبلوماسية.

ولكن لم تتصرف الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الطريقة؟ أهو لأن هذا جزء من استراتيجية جديدة تشمل المنطقة كلها؟ فكما يردد الجميع أن الغرض هو إعادة رسم الخريطة الاستراتيجية للمنطقة وفق تصور استراتيجي محدد يستهدف الخليج العربي ككل وبالذات الجارات الكبرى للبحرين. ونحن بالتالي في البحرين حقل التجارب للمنطقة فإن نجح المخطط هنا كانت الجارات الكبرى هي الأهداف التالية.

منطقياً إذاً، فإن الإدارة الأمريكية على علم تام بما يقوم به سفيرها في المملكة إن لم يكن الموضوع كله بإيعاز منها. لذا وقبل أن نبدأ بطلب ابعاد السفير عن البحرين واستبداله والذي كان الأجدر بنا أن نقوم به قبل تعيينه وبالذات لأننا كنا نعرف خلفيته وخبرته وإنجازاته وتحيزاته. دعنا ننظر إلى المدخل الذي يستغله السفير ليبرر تدخلاته، فهو بحسب كلامه يدعم العملية الديمقراطية ويتأكد أن الاصلاحات جارية، وكأنه قد عُين كوصي علينا، وذلك لأننا لا نعرف معنى الديمقراطية ولا أن الإصلاحات التي ندعي أننا نقوم بها تملأ العين.

ولنا هنا أن نسأل الأسئلة التالية: هل أعددنا العدة لكي نواجه الإدارة الأمريكية حول تدخلات السفير في الشئون الداخلية للبلاد والتي يعلنها بكل صراحة حتى أمام طلبة الجامعة؟ هل ترغب الحكومة في مواجهة هذه الدولة الصديقة وتقول لها إن سفيرك غير مرغوب فيه؟ إن السفير الأمريكي ليس وحيدا في تصرفاته، وهذه ليست تصرفات شخصية بل تصرفات ممنهجة وموضوعة مسبقا من قبل الإدارة الأمريكية وقد شاهدنا الدليل على ذلك من خلال المحاورة التلفزيونية التي أجرتها الأخت الفاضلة سوسن الشاعر مع نائب السفير في حينها وذلك في عز الأزمة قبل أن يتم تعيين السفير الحالي وقد كانت ردودها كلها استفزازية تنم من مبدأ وماذا أنتم فاعلون؟

لذا فلنقرر أولاً هل ترغب الدولة في أن تتخذ أية خطوة تجاه السفير؟ لأن كل المؤشرات تقول إن ميول الحكومة تتجه نحو عدم اتخاذ أية خطوة وما زالت الحكومة تبدي الولاء والخنوع لهذه الدولة الصديقة. ثم هل نحن بحجم القرار؟ أم إن ذلك أيضا يقع خارج نطاق صلاحياتنا في إدارة بلادنا. ثم إن الأسلوب الذي اخترناه ليس أسلوبا مناسباً فلا الشجب يفيد ولا التنديد.

إن ما يفيد هنا هو أن نعيد النظر في خططنا منذ الوهلة الأولى وليس أن نقوم بعملية ترقيع برجاء أن نصل إلى حل. فمثلا لم تختر الحكومة الأمريكية أن تساند المعارضة؟ وأكاد أراهن هنا أن السبب ليس لسواد عيون المعارضة بل لحاجة في نفس يعقوب، فما الذي تريده الحكومة الأمريكية؟ مما تستطيع أن تعطيهم إياه المعارضة ولا نستطيع أن نعطيهم إياه كحكومة وكشعب؟

ثم إن كان مدخل السفير إلى مجتمعنا عن طريق دعم العملية الديمقراطية والاصلاحات فلنُري السفير وحكومته أننا نقوم بالفعل بالتحول إلى مجتمع ديمقراطي، وإن كان بخطوات بطيئة، ولكن بثبات ونحو هدف ثابت. أما الإصلاح، فإننا سنجد عملية إقناعه أو حكومته صعبة لأن الخطوات التي اتخذناها نحو الإصلاح، إن كانت هناك خطوات قليلة لا نكاد نعرفها نحن فكيف نحاول إقناع الآخرين بها؟ فما زلنا، ويا حسرة علينا، عاجزين عن محاسبة الفاسدين والنهابين لأسباب ما زالت خافية علينا، ناهيك عما خفى.

إن الكلام الذي نقل عن السفير خلال فترة الأزمة هو أنه نصح المعارضة بأن يجندوا أبناء الطائفة السنية معهم لتكتمل مقومات الإطاحة بالنظام، ففي حينها تكون كل الطوائف متحدة ضد الحكومة ولكننا كلنا نعلم أن هذا الأمر مستحيل فالطائفة السنية، وعدد لا بأس به من أبناء الطائفة الشيعية الكرام ممن لم يغرر بهم، ترفض الانصياع إلى ولاية الفقيه وترى أن في ذلك ضياعا لديننا ولهويتنا ولحريتنا ولبلدنا، ولكن هل تعلم الإدارة الأمريكية ذلك؟ فمن واقع خبرتي المتواضعة أن كثرة زيارة المعارضة للإدارة الأمريكية هي التي جعلت الإدارة الأمريكية تنظر إلى المعارضة على أساس أنها صوت الحرية في البحرين متناسية وجودنا لا لأي سبب إلا لجهلنا وعجرفتنا وغيابنا عن المحافل والمؤتمرات والندوات الأمريكية والدولية والتي تحضرها المعارضة وبكل قوة. فكفى استنكارا وشجبا وتنديدا فقد آن الأوان لأن نوحد الكلمة المقنعة ونوجهها إلى من قد يسمعنا، فإن الطرف الآخر لن يستمع إلى ما نريد ولكنه سيستمع إلى ما يريد. فهل نعرف ماذا يريد العم سام؟

* محام ومستشار قانوني







































.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة