الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٢ - الخميس ٥ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٥ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


سياسات دعم القطاع المالي والمصرفي الإسلامي
وتعزيز موقع البحرين كمركز مالي إقليمي ودولي





شهدت مملكة البحرين خلال الأيام الماضية أول اتفاقية لعملية اندماج بين ثلاثة بنوك استثمار إسلامية هي بنك كابيفست، وبنك إيلاف، وبيت إدارة المال، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع قيمة أصول البنك الجديد الناتج عن الاندماج إلى (٤٠٠) مليون دولار أمريكي، فيما ستبلغ حقوق المساهمين (٣٥٠) مليون دولار أمريكي. ويجعله أكثر قدرة على تقديم مستوى متميز من الخدمات المصرفية لعملائه والارتقاء بالمناخ التنظيمي عبر الاستفادة القصوى من حاصل جمع وتفاعل الخبرات الإدارية المتاحة للمصارف الثلاث المندمجة وبما يؤدي إلى تطوير نظمها الإدارية وتحسين الربحية. اتفاقية الاندماج تتم بمباركة مصرف البحرين المركزي إذ انها تنسجم مع سياسات مملكة البحرين في دعم القطاع المالي والمصرفي وإكسابه المزيد من النشاط والحيوية، باعتبارها تقود إلى تكوين مؤسسات مالية ومصرفية قوية قادرة على المنافسة في أسواق معولمة تتسم بالتغيير والتنوع السريع، النجاح فيها مرهون بديناميكية المؤسسات وقوتها المالية، وتنوع موارد تمويلها وأصولها واستثماراتها وبالتالي عوائدها. إذ أن المملكة بحاجة إلى بنوك ومؤسسات مالية كبيرة تسهم في تقديم التمويلات الضخمة التي تحتاجها المشروعات التنموية في قطاعات الصناعة والإسكان والبنية التحتية وغيرها.

ويعد الاندماج واحدا من السياسات الاقتصادية المعاصرة الهادفة إلى زيادة القدرة التنافسية للبنوك والمؤسسات الاقتصادية عموما، لما يؤدي اليه من تحقيق وفورات الحجم، والمرونة في استخدام وتوظيف الموارد المجمعة الناجمة عن الاندماج وزيادة حصتها السوقية، وانتشار فروعها ووصولها إلى العملاء في الأسواق المحلية والتقليمية والدولية، والتمكن من رفع حدود الائتمان المصرفي الممنوح للعميل الواحد بما ينسجم مع الاحتياجات التمويلية للمشاريع الكبيرة، علاوة على الوفاء بمتطلبات المعايير الدولية المتعلقة بمعدل كفاية رأس المال (معايير لجنة بازل) وتدعيم مركزها المالي، ويمنحها القدرة على مواجهة التحديات والمخاطر المالية والمصرفية. ويؤمل لعملية الاندماج بين البنوك الإسلامية الثلاث، ان تكون أنموذجا ومحفزا لمزيد من عمليات الاندماج في سوق البنوك الإسلامية في البحرين، بما يعزز نشاطاتها ويمنحها المزيد من القوة المالية ويجعلها لاعبا أساسيا في سوق التمويل وطنيا وإقليميا وعالميا.

سيما وان عمليات الاندماج بين البنوك قد شهدت على الصعيد العالمي اهتماما واسعا من الجهات الرقابية والبنوك المركزية وحتى البنوك التجارية كعلاج لأغلب المشكلات المصرفية سواء الناجمة عن ضعف القاعدة الرأسمالية، أو تلك الناجمة عن الأزمات المالية والمصرفية الإقليمية والعالمية، والتي تقود إلى تعرض الكثير من البنوك ووصولها إلى مرحلة الإفلاس، ومن ثم الانهيار، أو باعتبارها احد الآليات المعززة لتنافسية البنوك وتطوير استراتيجياتها السوقية.

ان دعم مصرف البحرين المركزي لعمليات الاندماج يأتي في سياق حزمة من السياسات التي يعتمدها تنفيذا لتوجيهات قيادة البلاد ودعمها واحتضانها المتواصل للقطاع المالي والمصرفي الإسلامي، والتي منها الإفصاح عن السياسة التطويرية في آليات الهندسة المالية الإسلامية وتطبيق أفضل الممارسات الداعمة لها بما يعزز قدرتها على ابتكار الأدوات وتطوير المنتجات، ويقوي ارتباطها بالاقتصاد الحقيقي وأصوله التنموية، واعتماد توليفة من الحوافز والنظم والاستشارات والخدمات التقنية المساندة وتوطين وتوسيع البنية التحتية للاقتصاد المعرفي في حقول الاتصالات والحاسوب والمعلومات والاستخدام الفاعل والأمثل لها بما يواكب مسيرة التقدم العلمي والتكنولوجي واستثمار ذلك لدعم النشاط المصرفي الإسلامي وتعزيز مبادئ الحوكمة والشفافية والإفصاح في مفاصله وهياكله المختلفة، فضلا عن إنشاء سلطات رقابية شرعية وفنية عادلة وعلى درجة عالية من المهنية والكفاءة، ودعم واحتضان وتوطين للهيئات والمؤسسات المساندة للمؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية كهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، والسوق المالية الإسلامية الدولية، والوكالة الإسلامية الدولية للتصنيف ومركز إدارة السيولة وغيرها من المؤسسات، والتنظيم الدوري للمؤتمرات والندوات وورش العمل التي تعالج القضايا المختلفة للمؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية فكرا وتطبيقا وبما يؤدي إلى المزيد من الكفاءة والتطوير والتنافسية ويقود إلى المساعدة في تصميم تقنيات جديدة ومبتكرة لهندسة مالية إسلامية تستجيب للتطورات المعاصرة في مجالات التمويل والاستثمار، وصياغة حلول إبداعية وقائية للحد من تداعيات الأزمات المالية والاقتصادية الإقليمية والعالمية. لكن مما يثير الاندهاش والتساؤل هل ان استراتيجيه التعليم العالي لا تأخذ بنظر الاعتبار ولا تتكامل مع استراتيجية المملكة في دعم واحتضان القطاع المالي والمصرفي الإسلامي؟ خاصة أن توفير موارد بشرية مؤهلة في مجال العلوم المالية والمصرفية والحقوقية الإسلامية واحدا من اهم التحديات التي تواجه المصرفية الإسلامية وتحد من توسعها فكرا وممارسة. نقول ذلك في ضوء القرار الذي اتخذه مجلس التعليم العالي بجلسته السادسة والعشرين المنعقدة بتاريخ ١٦ مايو ٢٠١٢ برفض تأسيس الجامعة الدولية للعلوم المالية والمصرفية الإسلامية بعد مرور خمسة سنوات من تواصل الهيئة التأسيسية للجامعة مع وزارة التربية والتعليم وتوفير كامل مستلزماتها التأسيسية وفقا للنظم واللوائح الأكاديمية المعتمدة من الوزارة وبما يلبي الحاجات المتنامية للتخصصات المطلوبة من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، ومن المؤسف ان القرار المعلن لمجلس التعليم العالي كان عاما ولم يستند على معايير ومؤشرات واقعية فقد نص على "عدم استيفائها لمتطلبات مجلس التعليم العالي وضمانات الجودة الأكاديمية التي تتطلبها استراتيجية التعليم العالي في المرحلة المقبلة" بالوقت الذي تم توفير متطلبات مجلس التعليم العالي منذ احالتها لأول لجنة لفحص الطلبات قبل سنتين وأوصت بمنحها الترخيص، كما ان هيئة ضمان الجودة لم تدرس البرامج الأكاديمية لطلبات تأسيس جميع مؤسسات التعليم العالي الجديدة بما فيها التي تم منحها الترخيص في هذا الاجتماع وإعادتها إلى وزارة التربية والتعليم لان عرضها تم وفقا لاستمارات مجلس التعليم العالي التي تختلف عن الاستمارات والنماذج التي تعتمدها هيئة ضمان الجودة. والجامعة الدولية للعلوم المالية والمصرفية الإسلامية تراعي وتلبي مضامين الجودة ولاسيما المتعلقة بارتباطها باحتياجات سوق العمل والأساليب والتقنيات التدريسية والتدريبية التي تعتمدها والمضامين العلمية والمهنية التي تنطوي عليها تلك البرامج والحاجة الماسة وطنيا وإقليميا وعالميا لتخصصاتها والاتفاقيات المبدئية العديدة التي وفرتها مع جامعات رصينة ومؤسسات مالية ومصرفية مهنية ساندة. علاوة على ان الدكتور ماجد بن علي النعيمي وزير التربية والتعليم، سبق أن صرح "بان مجلس التعليم العالي سيرخص لثلاث مؤسسات تعليم عالي خاصة استكملت متطلبات تأسيسها، كانت الجامعة الدولية للعلوم المالية والمصرفية الإسلامية أحداها" هذا من جانب. ومن جانب آخر، هل ان مؤسسات التعليم العالي الخاصة التي تم الترخيص لها في الاجتماع المذكور أكثر أهمية وحاجة وقيمة مضافة للاقتصاد والتعليم والمجتمع البحريني؟ وهل ان تخصصاتها جاذبه للطلبة إقليميا وعالميا للدراسة في البحرين؟ أكثر من الجامعة الدولية للعلوم المالية والمصرفية الإسلامية وبما يعكس ويعزز حالة الاستقرار والأمن والريادة والنهوض في مملكتنا الحبيبة؟ ويبقى التطلع إلى قيادة البلاد حيث لا احد يعدل الميزان ان اختل، بعد الله العلي القدير، سوى قيادتنا العادلة حفظها الله ورعاها.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة