كيف حال صورة إسرائيل عالميا؟
 تاريخ النشر : الجمعة ٦ يوليو ٢٠١٢
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن
منذ قيامها، قبل ٤٦ عاما، ظلت إسرائيل تخشى هاجس التهديد الوجودي المترافق مع العقيدة العسكرية التي تقضي بشن الحروب، لذا سعت لامتلاك طاقة ردع "مطلقة القوة"!. لكن الأمر اختلف أولا في حرب لبنان ٦٠٠٢، وثانيا في الحرب على القطاع ٨٠٠٢-٩٠٠٢، إذ جاءت النتائج عكسية. ذلك أن شنها تينك الحربين جعلها تواجه "تهديدا" خاصا، ألا وهو نزع الشرعية الدولية عنها، وهو تهديد لا يمكن مواجهته بالسلاح، ولم يأت من دول عدوة، بل من عالم غربي طالما وقف إلى جانبها في "الحق" والباطل. فقد تصاعدت حدّة الانتقادات الموجّهة للكيان الاسرائيلي عقب تصعيد نشاطه في ملف المستعمرات/ "المستوطنات" المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي على خلفيتها أعلنت الدنمارك وجنوب إفريقيا مقاطعة منتجات "المستوطنات"، الأمر الذي أثار توجّس خبراء الاقتصاد الإسرائيليين من أن يمتد القرار، الذي لقي ترحيبا عالميا كبيرا، إلى دول أخرى تعتبر أن شراء المنتجات "الاستيطانية" يؤدي إلى ترسيخ وتقوية "المستوطنات" اقتصاديا ويدعمها على أرض الواقع، خصوصا بعد اتخاذ بعض دول العالم القرار نفسه مبكرا كبريطانيا وبعض الدول الأوروبية.
استطلاع جديد للرأي أجرته شبكة "بي بي سي" البريطانية وضع إسرائيل في المرتبة الثالثة على قائمة الدول الأكثر تأثيرا سلبيا على العالم، حيث تقاسمت اسرائيل وكوريا الشمالية المرتبة الثالثة بنسبة ٠٥%. وقد بادرت إلى الاستطلاع دائرة الخدمات الدولية التابعة للشبكة ونفذ بواسطة معهد الاستطلاعات nacSebolG بالتعاون مع برنامج الرأي العام الدولي في جامعة مريلاند الامريكية، وغطى الفترة الواقعة ما بين كانون أول/ ديسمبر ١١٠٢ وشباط/ فبراير ٢١٠٢ وفحص توجهات عينية مكونة من ٤٢ ألف شخص موزعين على ٢٢ دولة. وقال معدو الاستطلاع عن إسرائيل إنه، رغم الاتجاه السلبي الذي حظيت به في الاستطلاع الماضي، فإن الاستطلاع الحالي أظهر ازدياد خطورة وضعها لدى الرأي العام الدولي، وخاصة ان ٧٤% في الاستطلاع السابق اعتبروا اسرائيل صاحبة تأثير سلبي على العالم لكن النسبة ارتفعت في الاستطلاع الحالي الى ٠٥%. وتتلخص أسباب النظرة السلبية اتجاه اسرائيل بسياساتها التي تؤثر سلبيا على العالم وكذلك نحو مواطنيها. وسجل وضع اسرائيل لدى الرأي العام في دول الاتحاد الاوروبي تدهورا حيث اجاب ٤٧% من الاسبان "بزيادة ٨%"، و٥٦% من الفرنسيين "بزيادة ٩%"، و٩٦% من الالمان، و٨٦% من البريطانيين، بان إسرائيل صاحبة تأثير سيىء على العالم. هذا إضافة إلى كون ٥٦% من الاستراليين و٩٥% من الكنديين ينظرون لإسرائيل بوصفها ذات تأثير سلبي على العالم فسجلت الدولتان المذكورتان زيادة بنسبة ٧% عما رصده الاستطلاع الماضي.
ورغم النفوذ الواسع لليهود ومؤيدي اسرائيل في وسائل الاعلام الألمانية، فإن الكثير من الألمان يعتبرون إسرائيل كيانا عدوانيا يسعى لتحقيق مصالحه من دون الأخذ في الاعتبار مصالح الدول الاخرى، ويرون أن هذا الكيان يعمل على الدوام على تقويض أمن الشرق الاوسط عبر تهديداته المستمرة بإشعال المنطقة والحرب الشاملة على دول الجوار. فقد أظهر أحدث استطلاع ألماني أجرته مجلة (شتيرن) قبل أيام، أن ١٥% من الألمان يكرهون سياسات إسرائيل. وفي نهاية أيار/ مايو الماضي، تبوأت إسرائيل، في استطلاع ألماني للرأي "صدارة" أسوأ الدول في العالم! فقد اعتبر معظم الألمان اسرائيل "دولة" عدوانية وذلك بحسب الاستطلاع الصادر قبل زيارة الرئيس الألماني لكل من اسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلّة. وأظهر الاستطلاع، الذي أجراه معهد فورسا لحساب مجلة "شتيرن" الإخبارية، أن ٩٥% من المستطلعة آراؤهم يعتبرون اسرائيل عدوانية، بزيادة ٠١% مقارنة مع استطلاع سابق جرى في كانون الثاني/ يناير ٩٠٠٢. وذكر ٠٧% من المشاركين في الاستطلاع ان الدولة الصهيونية تسعى لتحقيق مصالحها من دون الاخذ في الاعتبار مصالح الدول الأخرى. ويشير استطلاع معهد فورسا إلى نقطة هامة جدا قوامها أن ٠٦% من الألمان، وبعد ٧٦ عاما من انتهاء النظام النازي، يعتبرون أنه ليس على ألمانيا أي التزام خاص تجاه اسرائيل.
رغم دور الاعلام الغربي المتصهين المسيطر على العالم الذي يوفر لإسرائيل جزءا كبيرا من مساحته لتبرير جرائمها، تبقى إسرائيل دولة مكروهة لعنصريتها المتفاقمة. وما يؤكد تراجع قوة هذا الاعلام، التصويت الذي جرى في اليونسكو حيث أظهر، بصورة لا لبس فيها، مقدار التضامن الدولي الشامل والواضح مع الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه العقاب الواضح لإسرائيل ولسياساتها. فما يحصل في وسائل الإعلام الغربية، طوال الحقب الماضية، هو أمر طبيعي بسبب سيطرة أخطبوط اللوبي الصهيوني على هذه الوسائل وإجبارها على بث ونشر الأضاليل التي تقلب الأمور رأساً على عقب خدمة لأهداف ذلك اللوبي. أما اليوم فقد أدرك العالم أن إسرائيل ليست "واحة الحرية والديمقراطية" في هذا "الشرق الأوسط المتخلف". ففي مقال نشرته "الواشنطن بوست" لـ (رونالد كيربس) الأستاذ المشارك في العلوم السياسية في جامعة "مينيسوتا"، يرى أن مستقبل إسرائيل -"كدولة يهودية ديمقراطية ومزدهرة" - يواجه تهديدات حقيقية تأتي من الداخل أكثر مما تأتي من الخارج، على رأسها الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين ٧٦، الذي أثار استمراره نزعة صهيونية قومية عرقية دينية عدوانية ومتفاقمة منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام ٠٠٠٢. وقبل أيام، كتب رجل الاقتصاد اليهودي (بول كروغمان)، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام ٨٠٠٢، مقالا في صحيفة "نيويورك تايمز"، تحت عنوان "أزمة الصهيونية"، انتقد فيه سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية، واصفا إياها بسياسة "الانتحار القومي" التي ستقود إسرائيل إلى الهاوية. وأضاف (كروغمان) في مقاله أنه "كان متحفظا في الماضي من نقد الوضع الحالي في إسرائيل، نظرا لأنه يهودي - أمريكي، وخوفا من أن يُتهم بمعاداة للسامية ومحاربة إسرائيل، ولكنه يشدد الآن على ضرورة كسر الصمت قبل أن تتسبب الحكومة الإسرائيلية في كارثة عظمى". وأوضح: "أن السياسة الضيقة المتبعة حاليا من قبل الحكومة الإسرائيلية ليست في الواقع سوى عملية مستمرة وتدريجية في طريق الانتحار القومي، ولهذه السياسة تأثير سلبي على اليهود في مستوى أرجاء العالم كافة وليس فقط على يهود إسرائيل".
.