فشل أمريكي ذريع في "مقبرة الإمبراطوريات": أفغانستان
 تاريخ النشر : الجمعة ٦ يوليو ٢٠١٢
واشنطن - من: "أورينت برس"
بالرغم من تحديد موعد انسحاب القوات الامريكية من افغانستان بحلول عام ٤١٠٢، تبدو الصورة قاتمة على الارض في ظل الانقسام الحاد في صفوف الجيش الأفغاني، واستمرار الفساد في الدوائر الحكومية، وغياب أسس التنمية المستدامة.
من الواضح ان الرئيس الأمريكي باراك أوباما خسر الكثير من جراء المماطلة في حسم أمر حرب أفغانستان، وها قد بدأت الحرب هناك تتحول إلى هزيمة كارثية، ومن المتوقع أن تصبح تلك الهزيمة أسوأ من نتيجة حرب فيتنام، ففيما تفتقر افغانستان إلى مقومات الدولة وإلى جيش متماسك يحميها، أطلقت حركة "طالبان" في الآونة الأخيرة عمليات هجومية كبرى، فاستهدف المتمردون كابول ومدنا أخرى، وتمكن مقاتلو الحركة من التوغل إلى مناطق أمنية كان يفترض ألا تكون قابلة للاختراق. طوال أشهر، ادعى القادة العسكريون الأمريكيون أن "طالبان" بدأت تتراجع وأن الأفغان بدأوا يبنون سلك الشرطة وقوى الأمن المحلية بنجاح، وأعلن أوباما أن "شعلة الحرب بدأت تخمد" لكن الواقع مغاير تماما.
"أورينت برس" راقبت ما يجري وكتبت ما يلي:
يقترب وقت إعادة القوات العسكرية الامريكية إلى ديارها، لكن الكابوس الأفغاني لايزال مستمرا، اذ أصبحت أفغانستان مستنقعا عسكريا شائكا.
في هذه الاثناء لايزال الجيش الأفغاني قوة غير كفؤة بأي شكل من الاشكال. حتى لو استمر تدريب تلك القوى الافغانية على يد الامريكيين وحلف الناتو إلى نهاية عام ٤١٠٢ (وهو أمر غير مؤكد في المرحلة الراهنة)، يتوقع أن تحقيق هدف بناء الجيش الافغاني يتطلب مساعدات إضافية من الولايات المتحدة وحلف الأطلسي بما يفوق حجم المساعدات المتفق عليها.
شوائب الجيش
رغم حرص واشنطن على الإشادة في كل المناسبات بصلابة جنود الجيش الأفغاني ومهاراتهم في مجال الاستخبارات البشرية، فانهم يعترفون بوجود بعض الشوائب في قوى الأمن الأفغانية واستمرارها إلى ما بعد عام ٤١٠٢. ولائحة الشوائب التي تعتري الجيش والقوى الامنية الافغانية طويلة جدا.
لا يملك الأفغان إمكانات ومعدات تقنية حقيقية لجمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية على أنواعها المختلفة. من الطبيعي إذًّا أن توفر منظمة حلف الأطلسي هذه المعدات، لكن من المستبعد أن يحصل ذلك قبل عام ٤١٠٢ لأن تلك الأدوات متطورة ومكلفة جدا، وهو ما يترك ثغرة كبيرة في صفوف الجيش والقوى الأمنية الأفغانية في إطار مواجهاتها المستمرة مع حركة "طالبان".
الى ذلك، تحصل القوى الأفغانية راهناً على أفضل دعم طبي عسكري موجود في العالم، إذ يتلقى الجنود معالجة ميدانية فورية ويمكن نقلهم إلى أي منشأة طبية جوا خلال ساعة بفضل معدات حلف الاطلسي لكن في ظل غيابها لا يملك الأفغان أيا من تلك الإمكانات وهم لا يعملون على تطوير إمكانات مماثلة، ما يعني أن حلف الأطلسي يجب أن يضطلع بتوفيرها، وهو امر غير ممكن بسبب تردي الاوضاع الاقتصادية في الكثير من الدول المشاركة في الحلف التي بدأت تقتطع مساعداتها له.
على صعيد مواز، يضم الجيش الوطني الأفغاني عددا مقبولا من المغاوير وقوات النخبة، ولكنه لم يتمكن من تنفيذ عمليات معقدة بمشاركة القوات التقليدية. إنها ثغرة أخرى تحتاج إلى حل من جانب حلف الأطلسي في المستقبل القريب. أما العجز الأكبر، فيتعلق بدقة إصابة قوات المدفعيات التابعة للجيش الأفغاني، فالقوات الأمريكية يمكن أن تطلق المدافع بدقة شديدة لكن لا يستطيع نظراؤهم الأفغان فعل ذلك. إنه أمر مقلق. على عكس الاستخبارات التقنية والكفاءة الطبية والعمليات الخاصة وهي المهارات التي تتطلب سنوات عدة من التدريب حتى إتقانها، يبقى تنفيذ عمليات إطلاق المدافع بدقة أمرا بسيطا وجوهريا، مع ذلك فان الجيش الافغاني لا يتقنه.
بالإضافة إلى هذه المشاكل، تبرز مشكلة تدفق المقاتلين والأسلحة والمخدرات والأموال عبر الحدود الأفغانية الباكستانية، فعلى جزء من هذه الحدود، تستقر عناصر "طالبان" الأفغانية وبالتحديد على خط دوراند الحدودي وتدخل الأسلحة وتهرب المخدرات من وإلى البلد بشكل متواصل.
نظراً إلى وجود هذه العوائق كلها، يصعب تصديق أنها سوف تكون على طريق الحل خلال أقل من سنتين. صحيح أن قوات التحالف تدعي انها أحرزت تقدماً كبيراً على المستوى الأمني، لكن لا يبدو المشهد السياسي والاقتصادي واعداً بل إنه أسوأ مما كان عليه قبل بدء خطة زيادة القوات العسكرية.
نزيف المال والجهد
مقابل ذلك، بدأت الولايات المتحدة تنزف على جميع المستويات جراء هذه الحرب، فقد قتل نحو ألفي جندي أمريكي وجرح أو تشوه آلاف آخرون، كما كلفت هذه الحرب ٠٠٥ مليار دولار ولاتزال الكلف في تصاعد مستمر. على صعيد آخر، زادت مشاعر الكره تجاه الأمريكيين في أجزاء واسعة من افغانستان لأن الناس هناك يعتبرونهم جيشا محتلا، كذلك، لم يعد معظم الأمريكيين يدعمون الحرب، ما الذي يدفعهم إلى دعمها أصلا؟ لقد سحقت "القاعدة" وقتل أسامة بن لادن، وبدأ البلد يتصدع بسبب الخلافات القبلية.
من المعروف أيضاً أن الحكومة في كابول ضعيفة وفاسدة، كما أن الرئيس حامد كرزاي لا يتوانى عن انتقاد القوات الأمريكية والدعوة إلى الانسحاب الأمريكي في أسرع وقت ممكن.
اعتبر أوباما أن أفغانستان، على عكس حرب العراق، كانت "حرب الضرورة"، وبالتالي، كان لابد من الفوز بها بأي ثمن لذا أقر خطة زيادة عدد القوات العسكرية، إذ تعتبر الإدارة الأمريكية أن مفتاح النصر يتعلق برفع عدد الجنود وتحسين استراتيجية مكافحة التمرد، لكن تلك السياسة كانت محكومة بالفشل لسبب واحد: لا يمكن أن تنجح خطة بناء الأوطان في بلد مماثل لأفغانستان، فأفغانستان هي مقبرة الإمبراطوريات.. فقد واجهت الإمبراطورية البريطانية وروسيا السوفيتية هزائم كبرى هناك بسبب المقاومة الشرسة المترسخة في ذلك البلد. يفيض تاريخ أفغانستان بالحروب المتواصلة والصراعات الإثنية العنيفة، ومن الغطرسة أن تقنع واشنطن نفسها باحتمال تحويل هذه الأرض إلى نسخة عن الديمقراطية.
الحسابات الداخلية
في هذا الإطار، لابد من طرح السؤال المحوري الآتي: لو كان أوباما يفتقر إلى خطة واضحة لتحقيق النصر، فما الذي دفعه إلى زيادة عدد القوات العسكرية؟
الجواب واضح ومؤسف: كانت تلك المحاولة تهدف إلى إظهار قوته في مجال الأمن القومي. أراد الرئيس حماية نفسه من اتهامات الحزب الجمهوري بأنه متساهل جدا في التعامل مع الملفات الخارجية. لكن مقابل تنامي المعارضة للحرب داخل حزبه وفي أوساط الرأي العام، عاد وسحب الجنود الإضافيين، فأمر بانسحاب مبكر للجنود الذين أضافهم (عددهم ٠٣ ألف عنصر) وسيكتمل هذا الانسحاب في الخريف المقبل، قبل الانتخابات مباشرة. أما الطاقم العسكري المتبقي والمؤلف من ٠٩ ألف عنصر، فهو يفتقر إلى الموارد أو القوة اللازمة لإرساء الهدوء في البلد. لا يستطيع هؤلاء الجنود الدفاع عن أنفسهم في وجه حركة "طالبان" المتمردة، كما لا يستطيع الجيش الافغاني ارساء معادلته الخاصة لكونه يفتقد التجهيزات والتدريبات، وتبقى الوعود الامريكية بتحويله إلى اهم جيوش المنطقة مجرد كلام في الهواء لا اكثر.
هزيمة محكمة
يبدو أن الهزيمة الأمريكية حتمية، وعلى عكس فيتنام، ستكون العواقب واسعة النطاق والكلفة أعلى بكثير، وهكذا ثبُت أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الإرادة والمنطق كي تفوز بحرب برية مطولة. بالتالي، ستعتبر الولايات المتحدة طرفاً مهزوماً وضعيفاً، وستتحول أفغانستان مجدداً إلى معقل للمجاهدين وستزداد شجاعة المتشددين في المنطقة في ظل انقسام الجيش الافغاني على نفسه وافتقاره إلى المعدات. إنها التطورات التي ستترافق مع الانسحاب الأمريكي الطويل والمهين من المنطقة.
باختصار، تبدو النتيجة مأساوية لأوباما فيما يعود الجنود الامريكيون إلى ديارهم من دون تحقيق انجاز يذكر ولا حتى بناء الجيش الافغاني.
.