نمـــــــوذج العمل
 تاريخ النشر : السبت ٧ يوليو ٢٠١٢
بقلم: نبيـل سـعيد
أبطال حلقة اليوم ثلاثة تدرب قائدهم على يد شخصيتنا الفاسدة وقرروا أن "نموذج العمل" الذي طورته شخصيتنا مناسب جداً وقد استفادت منه وأصبحت من ورائها مليونيرةً فلمَ لا يستفيدون منها هم؟ وتباعاً لذلك أنشأوا شركة للتطوير العقاري وراحوا يشتغلون بنفس نموذج العمل لذي طورته واخترعته شخصيتنا وراحوا يجمعون المال من المساهمين والمستثمرين، وبالنموذج نفسه، عملية الشراء بهذا السعر والبيع بذاك، هم يشترون وعلى شركتهم يبيعون أو العكس، ومن خلال العملية يجنون ثمرات الغش والكسب الحرام وخيانة الأمانة وكما قلنا قبلاً إن شخصيتنا، ومن دون منازع، هدمت الاقتصاد البحريني فهذا نموذج لتأثيرها السلبي حيث إنها هي التي علمت هؤلاء طريقة النصب والاحتيال والتي من خلالها واجهت هذه الشركة الإعسار ناهيك المشاكل والمشاحنات في اجتماعات مجلس الإدارة والجمعيات العمومية.
فأحد مديري الشركة مثلاً من الثلاثي الفاسد اشترى لنفسه فيلا في مشروع الشركة ليبيعها بفائدة مائة ألف دينار تقريباً من دون أن يحرِّك فلساً واحداً من حسابه، هذا والأمثلة كثيرة وعديدة. أما الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة فقد أخذ كل منهما فيلا من دون أن يدفعا حتى الآن سعرهما. هذا وناهيك عن المخالفات الأخرى فحدّث ولا حرج، فكم فيلا مثلا تم شراؤها بأسماء زوجات أو قريبات الثلاثة من الدرجة الأولى وبأسعار أقل من الأسعار المحددة لتبيعها الشركة بسعر أغلى في السوق وليستفيد الثلاثة، وذلك بجانب الأموال التي سمحت السلطة المعنية الأخرى بجمعها لمشاريع عقارية ثم تم تحويلها الى مشاريع ثانية من دون موافقة المساهمين أو علمهم والآن وبقدرة قادر أدرجت في الحسابات كقرض. والسؤال هو هل يجوز لصندوق استثماري أن يقرض؟ وهذا كله بجانب الإثراء غير المشروع.. فأين المساءلة؟ وأين الرقابة؟ فالبنوك تنفش ريشها وتنفخ عضلاتها على الفقير المسكين حين يودع أي مبلغ فوق خمسة آلاف دينار أو يتصرف فيه، فمن أين لك هذا؟ وما مصدره؟ وأين إثباتك ؟ الى آخره وعندما يحول هؤلاء الملايين الى خارج البحرين لا من شاف ولا من دري وليش السؤال "يمكن الِرجال باع الدولاب".
ففي بريطانيا وعلى إثر فضيحة مالية سقطت أكبر ثلاثة رؤوس في بنك باركليز في غضون أربعة وعشرين ساعة تقريباً بالرغم من أن البنك تم تغريمه مئات الملايين وعلى ضوء ذلك ستبدأ عملية التحقيق معهم من قبل لجان برلمانية وقد يعين قاضي تحقيق متفرغ ليحقق في المسألة برمتها وسيكون له الحق في طلب من يشاء للاستجواب، كما شاهدنا في قضية التنصت التي لم يسلم من التحقيق فيها حتى كبار الساسة في البلاد وحضروا أمام قاضي التحقيق الواحد تلو الآخر فلا أحد هناك فوق القانون.
وفي البحرين وكجزء من عملية الإصلاح، وبقدر ما هناك فساد، يختار المسئولون أن يغضوا الطرف عن أرباب الفساد ليس إلا إكراما لمن كان قد تورط معهم أو لمن مازال متورطاً معهم أو عرفاناً لدورهم في هدم الاقتصاد ونشر ثقافة الفساد ونموذج العمل الفاسد. فكما النعامة فلندفن رؤوسنا في التراب علَّ وعسى أن تمر هذه السحابة وأن تكون خالية من الرعد.
وبعدها نكرر ونقول عندنا ديمقراطية وعندنا إصلاحات. نعم أشهد أن الديمقراطية التي ننعم بها لم نكن نحلم بها قبل عام ألفين، فمن منا كان يجرؤ أن يكتب مثل هذه العمود قبل عام ألفين؟ فكل ما كان يُكتب حينها أن البرتقال متوافر في الأسواق والموز متوافر والأمور جيدة ودربك خضر. أما الإصلاحات فحدث ولا حرج فالإصلاح تلو الإصلاح الى درجة أننا صرنا غير قادرين على عدها بل بتنا نجهلها وكأنها لم تكن. وفي الحقيقة أظنها لم تكن.
فكم في نظركم الفترة التي سيستغرقها رؤوس الفساد ليعلنوا استسلامهم ويقدموا استقالاتهم قبل أن يُقالوا ويُساقوا مكبلين ويُساءلوا؟ وهل سيحدث هذا؟ إن الحقيقة المرة أنهم وللأسف الشديد لا يعترفون بعد أنهم هم المعنيون وأنهم هم المقصودون من الكلام فالحياة عادية بالنسبة إليهم والفرد منهم يردد "ليش آنه سويت شيء الكل إيبوق يعني بس آنه؟" والحق يقال فإن كلامهم صحيح الكل يسرق ولكن الناس تسرق كل بقدر استطاعته وأنتِ يا أيتها الشخصية الفاسدة علمتِ الناس السرقة وشاركتِهم فيها ولكنكِ سرقتِ ما يساوي سرقات الناس أجمعين لمدة عشر سنين وإلى الآن ما شبعتِ. ثم إن شخصيتنا مازالت مصرة أنها فوق القانون والظاهر المر أنها قد تكون كذلك.
والغريب كذلك في حال شركتنا التي تحدثنا عنها اليوم أنها تقع تحت إمرة جهتين حكوميتين وعلى الرغم من ذلك وعلى الرغم من وجود عدة شكاوى ضدها من المساهمين فإن رؤوس الفساد فيها أفلتوا من المساءلة، ومن الجهتين، فماذا تريدوننا أن نفهم؟ إنني أكرر وسأبقى أكرر إنني لن أكتب من دون أن تكون لديّ أدلة ولكن إن كانت لديّ أدلة فكيف حصلت عليها ولم تحصل عليها الجهات المعنية؟ أم هل حصلت عليها الجهات المعنية وقررت على الرغم من ذلك أن تلزم السكو
* محام ومستشار قانوني
.