الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٧ - الثلاثاء ١٠ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٠ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


فوضى السلاح في لبنان تهدد استقراره





بيروت - من أورينت برس

يشكل موضوع السلاح المنتشر في لبنان بيد فرقاء كثر بندا رئيسيا على طاولة الحوار الوطني في لبنان التي انطلقت من جديد في يونيو الماضي وسط توقعات محدودة بقدرتها على حل هذه المشكلة الشائكة. من سلاح «حزب الله»، الى سلاح حركة «أمل» والأحزاب والتيارات اللبنانية الأخرى، الى السلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات، الى السلاح الميليشيوي المنتشر، الى السلاح المتطور الذي أصبح بحوزة الأصوليين، وأثبت حضوره وفاعليته في أحداث طرابلس والشمال أخيرا، ناهيك عن السلاح الذي يهرب الى سوريا والذي يعتبر اليوم سلعة رابحة، وتجارة رائجة عبر الحدود المشتركة، يبدو ان لبنان غارق في فوضى السلاح التي تضع بصماتها على تدهور حاله الامني.

«أورينت برس» أعدت التقرير التالي:

ما ان انتهت الحرب الأهلية اللبنانية وتوصل السياسيون اللبنانيون الى اتفاق الطائف الذي ارسى معادلات الحكم والنظام بما في ذلك حل الميليشيات وسحب سلاحها، كان من المفترض أن يصبح هذا البلد الصغير خاليا من السلاح غير الشرعي. لكن شاءت الظروف أن يحدث العكس تماماً وان يصبح تربة خصبة لانتشار كافة انواع السلاح وبيد مختلف التيارات والأحزاب والافرقاء، لا بل الاخطر هو ظهور السلاح الطائفي والأصولي في الآونة الاخيرة.

خلال السنوات الاولى التي تلت الحرب، أشيع انه تم حل جميع الميليشيات والحركات المسلحة، وتم جمع السلاح ليكون وحده بيد الجيش اللبناني، وحده «حزب الله» تمكن من الاحتفاظ بسلاحه في العلن لأنه رفع راية مقاومة إسرائيل وذلك بغطاء ورعاية من الرئيس السوري حافظ الأسد، وسرعان ما حذت حذوه الفصائل الفلسطينية في المخيمات خصوصاً وأنها كانت خارج سلطة الدولة الفعلية. والحقيقة ان الكثير من الاحزاب سلمت سلاحها في فترة من الفترات لكنها عادت للتسلح من جديد تحت ذرائع مختلفة، كما ان الكثيرين ابقوا سلاحهم مخزناً في السر وأخرجوه عندما دعت الحاجة.

سلاح رادع

انطلقت طاولة الحوار الوطني اخيرا في لبنان وعرضت كبند اول مناقشة سلاح «حزب الله» وفيما هناك اصوات عديدة تنادي بوجوب نزع سلاح الحزب خصوصاً بعد الانسحاب الاسرائيلي من لبنان تيمناً ببقية الاحزاب المنزوعة السلاح، هناك فريق آخر يؤمن بضرورة بقاء هذا السلاح كرادع في وجه اسرائيل التي قد يخطر لها مهاجمة لبنان من جديد في ظل قصور الجيش عن تأمين الحماية الكاملة للبنان أمام الترسانة الحربية الإسرائيلية. وقد تعرض سلاح الحزب منذ مايو ٢٠٠٨ لهجوم شرس من الداخل، لا سيما بعدما نزل مقاتلو «حزب الله» للمرة الأولى على الأرض ووجهوا سلاحهم إلى الداخل ضد فريق ١٤ مارس بسبب خلافات سياسية.

ورغم المناوشات السياسية الكثيرة بشأن سلاح الحزب غير الشرعي، يؤكد انصار الحزب وداعموه اليوم انه ليس وحده من يمتلك السلاح، بل هناك فئات كثيرة تملك اسلحة متطورة في لبنان إلا انها لا تجاهر بذلك على عكس الحزب وربما لأنها تملك اجندات خفية.

فوضى منتشرة

لا يمكن انكار ان هناك فوضى كبيرة في انتشار السلاح في لبنان، فمجرد ان يحدث أي خلاف داخل احد المخيمات الفلسطينية وأحدى أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت حيث يتركز جمهور حزب الله يبدأ أطلاق النار ويظهر الانتشار المسلح بكثافة بيد الشبان، وتسجل الكثير من حوادث القتل والإصابات. ناهيك عن عمليات الاغتيال والتصفية المتبادلة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة في ما بينها، فيما الجيش اللبناني يبقى عاجزا عن دخول المخيمات الفلسطينية والضاحية الجنوبية وضبط أمنها.

الى ذلك، ظهر في الأشهر الاخيرة السلاح الاصولي الذي انتشر بيد جماعات اصولية سلفية متشددة في الشمال لا سيما في طرابلس حيث يتجدد الخلاف على الدوام بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة الجارتين بسبب الاختلاف المذهبي والأيديولوجي بينهما. وقد خرج الكثير من المسلحين الى العلن وحملوا أسلحتهم ورشاشاتهم وقذائفهم الصاروخية والعديد من الأسلحة المتطورة من دون ان يخشوا من الجيش او القوى الامنية او وسائل الاعلام التي كانت تصورهم وهم سافرو الوجوه في حين جرت العادة ان يرتدوا اقنعة في الماضي، الامر الذي يدل اليوم على استقوائهم بما يملكون من اسلحة وتمويل وعدم اقامتهم أي اعتبار لسيادة الدولة اللبنانية وقواها الامنية والعسكرية.

أما في الشمال اللبناني فالسلاح داخل مدينة طرابلس ومنطقة عكار وصل حتى إلى أيدي الأطفال والشبان اليافعين الذين صوبوه الى صدور بعضهم البعض بسبب خلافات الكبار . بين باب التبانة وجبل محسن قامت المتاريس التي اعادت الى الاذهان مشاهد الحرب الاهلية الأليمة، شبح الفتنة هذه المرة اطل برأسه بين السنة والعلويين في المنطقة وأذكاه انتشار السلاح بكثافة في يد الطرفين. الاتهامات متبادلة. فريق يقول ان «حزب الله» وسوريا يقومان بتسليح العلويين، وفريق آخر يؤكد ان تيار المستقبل وعددا من الدول الخليجية يقومون بتمويل العناصر السنية المسلحة ومدها بأحدث انواع الاسلحة.

جلسات الحوار

في المحصلة، ان أكثر الأطراف المتهمة اليوم باقتناء السلاح هو «حزب الله» كونه يمتلك ترسانة اسلحة اكثر تطورا من السلاح الذي في عهدة الجيش اللبناني. ورغم ان سلاح «حزب الله» شرعه في ذلك الوقت اعتبر ان وجهته إسرائيل إلا ان أحداث ٧ مايو في العاصمة بيروت اسقطت عنه الشرعية حيث كان الداخل وجهته بغض النظر عن الجدل الدائر بين محوري ٨ و١٤ مارس حول من اعتدى أولاً على الآخر، أما سلاح تيار المستقبل ومتفرعاته فقد بدأ الحديث الجدي عنه منذ أحداث ٧ مايو أيضاً حيث ظهر بوفرة، اما السلاح الفلسطيني فهو منقسم بين الفصائل لاعتبارات سياسية بعيدة كل البعد عن محاربة إسرائيل. انطلاقاً من المخاطر التي يسببها انتشار السلاح بكل فروعه على لبنان الوطن ضمن رئيس الجمهورية دعوته إلى طاولة الحوار موضوع السلاح داخل وخارج المخيمات الفلسطينية، وسلاح المقاومة، والسلاح المنتشر في المدن.

ولكن بعد مسلسل من النكسات وخيبات الأمل في الوصول إلى حل لأي من السلاح المنتشر في لبنان بدءاً من طاولة ٢٠ مارس ٢٠٠٦ وصولاً إلى طاولة ٤ نوفمبر ٢٠١٠، يحق لأي لبناني يهمه نزع السلاح الغير الشرعي أن يسأل إلى أين ستأخذنا طاولة حوار ١١ يونيو ٢٠١٢ وما تلاها؟

فبين عامي ٢٠٠٦ و٢٠١٠ اختبر لبنان اكثر من طاولة حوار تركزت حول سلاح «حزب الله» والسلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات وكانت النتيجة دائما صفرا حتى حين خروج الطاولة بمقررات. فقد اطلق رئيس المجلس النيابي نبيه بري في شهر ديسمبر من عام ٢٠٠٥ مبادرة حوارية ضمنها الاتفاق على ماهية سلاح المقاومة، وقد عقد الحوار أولى جلساته في ٢٠ آذار/مارس ٢٠٠٦ في مجلس النواب. غير ان جلسات الحوار التي امتدت أربعة أشهر توقفت كلياً مع اندلاع حرب يوليو.

وبعد نحو ثلاثة اشهر من توقف الحوار، اعاد رئيس المجلس النيابي نبيه بري إطلاق مبادرته الحوارية الأولى عبر دعوة قادة المؤتمر السابق الى حوار تشاوري لمدة أسبوعين، وقد جاءت هذه الدعوة لترطيب الأجواء التي تصحرت في أعقاب حرب يوليو، وفي ٦ نوفمبر من عام ٢٠٠٦ عقد اللقاء التشاوري جلسته الأولى في المجلس النيابي بنفس الوجوه السياسية السابقة مع تغيب الامين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله نظراً إلى وضعه الأمني وحلول النائب محمد رعد ممثلاً عنه واستمرت اللقاءات ٥ أيام ولم يعين موعد لجلسات لاحقة. ولاحقاً توالت الجلسات التي لم تسفر عن أي جديد.

وفي ١٧ حزيران/يونيو من عام ٢٠١٠، عقدت الجلسة التاسعة لهيئة الحوار الوطني، وشهدت بحثاً في الاستراتيجية الدفاعية. وكانت خاتمة الجلسات الحوارية في ٤ نوفمبر من عام ٢٠١٠ الى ان قرر رئيس الجمهورية ميشال سليمان الدعوة الى طاولة الحوار من جديد.







.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة