الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٩ - الخميس ١٢ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٢ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


في كفالة الكاثوليك





أجمل ما في أمر دراستنا في لندن لفنون العمل التلفزيوني، كان أن الأمر ليس فيه امتحانات، ولا مذاكرة، فكل شيء «عملي»، ويتم تدريبك على استخدام الكاميرا وتقنيات الصوت والإضاءة والإخراج والمونتاج، فتتعلم بالممارسة من أخطائك، ومعظم من واصلوا الدارسة بعد نيل البكالوريوس يحسون أنهم أكثر حماسا لها واستيعابا لما يدرسون، فلا شيء يهد الحيل ويبوظ الأعصاب مثل الامتحانات التحريرية، عندما يكون مطلوبا منك ان تستخدم رأسك كـ«تانك» أي خزان، مزود بمواسير يفترض ان تصب المعلومات في ورقة الإجابة، وفي غالب الأحوال تصاب تلك المواسير بانسداد مفاجئ، ويفسر هذا لماذا يحك الطلاب رؤوسهم بعنف أثناء الامتحانات أو يحشرون الأقلام في آذانهم لتسليك المواسير.. وكان الممتع في دارستنا في لندن، هو أن كل شيء كان جديدا علينا، فرغم أننا قضينا وقتا طويلا في محطتين للتلفزة في السودان كمتدربين، فإن تدريبنا فيهما اقتصر على مشاهدة ومتابعة الآخرين وهم يعملون.

المهم أن إدارة المعهد وبعد الجولة التعريفية أرسلونا بسيارة «فان» من فصيلة ميكروباص، إلى الفندق الذي كنا نقيم فيه لننتقل إلى المسكن المخصص لنا: بيت الشباب الكاثوليكي في مانر هاوس في منطقة فنسبوري بارك.. كاثوليكي؟ هل صرنا نحن «أهل الكتاب» في لندن، ليستضيفنا الشباب الكاثوليكي؟ يعني حتى بين المسيحيين في بريطانيا لم يجدوا لنا سوى الأقلية الكاثوليكية (خرجت بريطانيا قبل قرون على الفاتيكان والكثلكة وأنشأت ما صار يعرف بالكنيسة الأنجلكانية)، حقيقة الأمر أننا لم نتحسس، لكوننا سنقيم في مكان يحمل اسم طائفة مسيحية، فعندما كنا في جامعة الخرطوم كنت من المتطوعين لبناء «بيت الشباب»، الذي كان معظم من يقيمون فيه شبابا وشابات مسحيين وهندوس وهكسوس، من الخواجات وغيرهم الذين كانوا يأتون إلى السودان كسواح أو في إطار برنامج التبادل الطلابي egnahcxe tneduts، أي والله العظيم في ذلك الزمان كان يأتي إلى مختلف كليات جامعة الخرطوم طلاب من دول أوروبية وآسيوية وأفريقية.. وكانت معنا في كلية الآداب بجامعة الخرطوم أمريكية سمراء اسمها كريستين ويلسن، وهندية اسمها مينا، وكان هناك طلاب بريطانيون وهولنديون وبلغار وبولنديون في كليات أخرى.

وأذكر أنني كنت أتجول في شارع في القاهرة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي وأحسست بأنني «مش طبيعي».. يحدث هذا مع كثير من الناس: لا تشكو من أمر معين أو تحس بألم، ولكنك تدرك أن شيئا ما في جسمك «غلط» بسبب أعراض غريبة مثل التشويش الذهني أو الهمود والخمول.. المهم أنني رأيت لافتة طبيب مختص في الأمراض الباطنة يعمل في مستشفى المعادي العسكري، فدخلت العيادة وذهبت إلى موظفة الاستقبال، التي أبلغتني أن الطبيب لن يستطيع مقابلتي لأنه لا يستقبل أكثر من ثلاثة مرضى يوميا، وأن المريض الذي معه هو آخر مريض في العيادة لذلك اليوم.. وبما أنني سمعت أن موظفات وموظفي الاستقبال في العيادات الخاصة يتعمدون زحلقة المرضى لإرغامهم على دفع البقشيش، فقد قلت لها ما معناه: دعيني أقابله وحقك محفوظ، فضحكت وقالت: عيب يا أستاذ.. أنا مراته (زوجته) والعيادة جزء من بيتنا، فقلت لها: «حيئذٍ» - بدون نون بعد الهمزة - أنا مش منقول من هنا، وعيب تطرديني من البيت، وبكل رخامة جلست حتى خرج المريض، وبعد قليل خرج الزوج/ الطبيب ولما رآني جالسا صاح: مالك يا زول؟ فقلت له إنني عيان فدعاني إلى غرفة الكشف فنظرت بخبث إلى الزوجة/ السكرتيرة، ولسان حالي يقول: شفت الرجال بيعرفوا الأصول إزاي.

إيه... الحديث ذو شجون ونكمل في المقال التالي إن شاء المولى.





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة