الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٢ - الخميس ٥ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٥ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


حفيد عنتر خاف من الإسكاليتر





وصلنا مطار هيثرو، وكما يفعل كل الناس الذين يسافرون جوا لأول مرة، تابعنا من كانوا معنا في الطائرة لنعرف مواقع جماعة الجوازات والأمتعة والجمارك.. كن أمينا واعترف بأنك في أول مرة جلست فيها في مطعم راق، كنت تراقب طريقة أكل "الناس الراقين" من حولك لتجاريهم.. نسيت أن أقول لكم إنني أخذت كورس (دورة دراسية) في استخدام الشوكة والسكين قبل السفر إلى لندن بشهور، وذلك لأن طفرة السفر إلى لندن كانت تستوجب طفرة استطعامية برجوازية، فصرت أذهب إلى فندق الواحة، (صار اسمه لاحقا الخيام)، وأطلب الوجبات ذات الأسماء الرنانة: سكالوب.. ستيك.. إلخ، ولكن أكبر متعة في تناول الطعام في ذلك الفندق كانت في الجلوس في مكان مكندش، ذلك أن مكيفات الهواء لم تكن معروفة في ذلك الزمان إلا في الفنادق ومكاتب الوزراء وبيوت ذوي الآلاف (لم يكن هناك مليونيرات في السودان في منتصف السبعينيات، وكان الجنية السوداني يساوي وقتها ثلاثة دولارات... واليوم وبكل فخر فإنني أعتز بأنني مليونير عن جدارة، ويشاركني هذا الفخر نحو عشرين مليون سوداني -من أصل ثلاثين مليون- لأن ألف ريال قطري تكفل لك لقب مليونير بالجنيه السوداني)، والأهم من الكندشة كان الكريم كراميل.. كانت أمي تجيد صنع الكريم كراميل المنزلي، ولكنها كانت تفعل ذلك مرة في السنة، والفارق بين الكريم كراميل الماماوي والفندقي، كان في أن الأخير يأتيك مثلجا، وكنت أحشر ملء ملعقة منه في فمي، ثم أحركها بلساني متلذذا من برودتها وحلاوتها.

المهم أنني كنت أراقب طريقة إمساك الناس من حولي بالشوكة والسكين وأقلدهم، ويا ما تطايرت قطع من اللحم وسقطت أرضا أو على ملابسي أو على المائدة، ولكن كثرة التكرار يعلم الحمار، وعندما أصبحت خبيرا في استخدام الشوكة والسكين، صرت أنتبه إلى حديثي العهد بتناول الطعام في الفنادق وهم يراقبونني ليتعلموا مني أسرار الصنعة.. والمهم أيضا أننا تابعنا زملاء وزميلات الرحلة، داخل ردهات المطار، ثم صعقنا عندما رأيناهم يضعون أرجلهم على عتبة سلم فيتحرك بهم السلم من دون ان يخطو الواحد منهم خطوة واحدة إلى أعلى.. نظر إلى زملائي متوسلين باعتبار أنني "مثقف" في الشؤون البريطانية، بحكم أنني عملت ضابط إعلام ومترجما في السفارة البريطانية في الخرطوم، وكنت أقرأ الصحف البريطانية بانتظام، فقلت لهم إن كل ما أعرفه عن ذلك البتاع أن اسمه اسكاليتر (السلم الكهربائي)، ونصحتهم بتجنبه، فكان ان تجولنا في ردهات المطار عدة مرات بحثا عن أسانسير أو سلم/ درج عادي نصعد به إلى أعلى، حيث إدارة الجوازات والهجرة، واكتشفنا أنه ليس بإمكاننا مغادرة المطار من دون استخدام الاسكاليتر.. وتوكل الجماعة على الحي القيوم ووضعوا أرجلهم على السلم وصعدوا إلى أعلى وهم يترنحون، وأنا في رعب مقيم، ذلك أنني كنت أحمل كيسا مليئا بالمنقة (المانجو) مما عنى أنني لن أتمكن من الإمساك بحافة الاسكاليتر بيدي الاثنتين كما فعل زملائي الخونة الذين صعدوا وتركوني في حيص بيص.. فقلت: يللا يا جعفر يا حفيد عنتر، أنت لها.. فتوكل على الله واصعد واثبت، لـ"تثبت" للخونة أنك لست أقل منهم شجاعة وكفاءة، وأمسكت بكيس المنقة بيدي اليسرى، ووضعت قدمي اليمنى على أول درجة في السلم، وقلت: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، واكتشفت أنني أستاذ في الرقص الشرقي "بلا تحية كاريوكا بلا نجوى فؤاد".. وكان ذلك عصر ما قبل فيفي عبده.. لم أكن قبلها أعرف أنني أتمتع برشاقة تجعلني أميل يمنة ويسرة وإلى الأمام والخلف و"هز يا وز".. ثم هوبااااا.. ما دائم إلا الله.





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة