الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٠ - الجمعة ١٣ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٣ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

بريد القراء


زمن الضعف والهوان





لا أجد وصفا يليق بهذا الزمن الذي نعيشه، كل ما نستطيع أن نقول بأننا قبل أن نعزي الأطفال بموتهم والنساء باغتصابهم والشيوخ بنحرهم حول العالم فقط لأنهم مسلمون، فإنني أعزي الأمة بموتها. الأمة الإسلامية تعيش حربا ضروسا يشنها عليها أعداؤها الذين تكالبوا عليها واجتمعوا عليها في خندق واحد، فالأعداء والمتربصون كما تجمعوا قديما على المسلمين وكانوا يدا واحدة عليهم، ها هم يكررون جبروتهم وتآمرهم ويتجمعون ثانية، حيث المشاهد الدموية والقتل والإبادة وتقسيم الأوطان واقتطاع أجزاء منها، شعوب كاملة تُذبح وتباد على مرأى ومسمع العالم ولا أحد يحرك ساكنا، وللأسف الشديد موقف الأمة غريب، فالمدافع العربية عبارة عن خطابات استياء واستنكار وشجب وإدانة يستغرق فيها العرب أعواما عديدة لتنسيقها وترديدها أمام المصائب والمذابح التي ترتكب ضدها، أمة تكتفي بالمشاهدة والإدانة، خذلان وصمت قاتل وذل مخزٍ، بل اكتفوا ببعض الحجارة وبعض المقالات والشعارات التي تكفي بزعمهم لصد العدوان والمذابح التي ترتكب ضدها، ماذا نفعل مع أمة زي الأطرش في الزفة؟ وضع العالم العربي اليوم مثل المريض الذي له علاج ولكنه لا يريد العلاج، وللأسف نحن ننجرف جرفاً أمام مخططات الأعداء ونفتح لهم كل السبل لتنفيذ مشاريعهم ومخططاتهم، إن حالة الضعف التي نعيشها تجعل كل دول العالم تريد التهامنا. ان واقعنا متردٍّ منقسم والعدو الشرس أمامنا جعل جل هدفه القضاء على هذه الأمة، أين ثقل الدول العربية الإسلامية القوية والمؤثرة حامية الحمى؟ أين جامعة الدول العربية وأين أهميتها؟ اسمها كفيل برفع الضغط والإصابة بسكتة، لماذا يجتمعون ويعقدون المؤتمرات والاجتماعات؟ إنه ثقل ومكانة وقوة الكلام فقط.

والجسد العربي كثرت أمراضه وتنوعت حتى أصبحنا من شدة هذه الأمراض ندخل في غيبوبة لا نكاد نستيقظ منها حتى نعود إليها‎. التاريخ يقول إننا في مذلة ومهانة لم يعرف لها مثيل، الذي أدى بنا إلى مصير يحكمنا فيه الأعداء، ما زلنا سكارى وما زلنا نعقد مؤتمرات الذل والعار فازداد العار عارا فوق مائة عار، أين نخوة العربي المسلم، أين نصرته، العار يتلبسنا يوما بعد يوم، العار يتلبسنا مع كل نقطة دم تنزف من المسلمين في العالم، العار هو كل ما بقي لنا، عار ما بعده عار لن ينسى التاريخ تخاذل المسلمين في نصرة إخوة لهم في الإسلام والعروبة والحضارة، في العراق وسوريا وبورما، المسلمون يبادون وينحرون فقط لأنهم مسلمون وغيرهم كثير في الدول الإسلامية. أين نحن من قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»؟ أين روابط الدم العربية والإسلامية؟ أم أن الدم اليوم أصبح أرخص من النفط؟ أرخص من الماء؟ أرخص من أي شيء، لم يعد هناك نصرة للدين ولا للأخوة، تخاذل المسلمون والعرب فأصبحنا في زمن القتل لمجرد القتل فقط.

إن واجب المسلم على المسلم كبير، إن هذه الأخوة العظيمة تمتد جذورها ضاربة في التاريخ حتى يدافع المسلم عن أخيه، فشتان بين قلوب توجعها أنات المضطهدين وصراخ الثكالى والمنكوبين، وقلوب كأنما قدت من صخر، لاتجد الرحمة اليها سبيلا، ولا يحرك مشاعرهم مشهد طفل قتيل أو امرأة ثكلى ولا تؤثر فيهم مشاهد الدم ودمعات الأيتام ولا جموع المشردين والهاربين من جحيم القصف والحرب وسكاكين الإبادة الجماعية، ولكن ماذا تنتظرون ممن باعوا ضمائرهم وخانوا الأمة؟ حال الأمة لا يبشر بخير.. خذلان وهوان ارتضيناه لأنفسنا، فقد تغير حالنا من حال إلى حال ماضينا جميل ومشرف وحاضرنا مريض لا يليق بأمة كانت عظيمة، فأمجاد الأجداد ماتت بموتهم.

أقولها بحرقة وألم: إلى متى تبقى دماؤنا رخيصة؟ إلى متى هذا السبات والصمت والأعداء تمكنوا من رقابنا؟ متى تنتصرون لأخوتكم يا عرب؟ هل علينا دوما الاستعانة بالأجانب في كل مصيبة تحل بنا؟ أخرجوا يا أمة الإسلام وارفعوا كلمة الله واغسلوا عاركم قبل أن نمحى جميعا.. أفيقوا قبل أن يأتي الدور عليكم، وإذا زاد صمتكم فستكون نهايتكم بلدا بعد بلد.

يجب رص الصفوف في مواجهة المشاريع المتربصة بالأمة والبحث في العوامل والأسباب التي أدت إلى فرقتها وضعفها وهوانها وتكالب الأعداء عليها وإرساء ما يوحد صفها ويجمع كلمتها، وما حدث بالأمس في الدول الإسلامية سوف يحدث لنا، ولذلك علينا أن نبذل ما نستطيع للدفاع عن هذه الأمة، إن الله بشرنا في كتابه الكريم بالنصر والعزة، إلا أن ما يحدث لنا هو نتيجة ابتعادنا عن نصرة الدين، ربنا يأمرنا بالدفاع عن ديننا وحقوقنا وأنفسنا. متى يأتي فجر الأمة ويأذن بانقشاع الظلمات؟ هل نأخذ من التاريخ عبرة؟ «فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور».

كلمة أخيرة: متى يفيق النائمون ويندم المفرطون فالسكاكين موجهة إلى رقاب الأمة وهي في غفلة وسبات عميق.

عائشة البستكي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة