زمن بيع الأوطان والضمائر
 تاريخ النشر : الاثنين ٢٣ يوليو ٢٠١٢
نحن نعيش في زمن الرويبضة، زمن سقوط الأقنعة والأخلاق، زمن الانحلال والنفاق، زمن القتل لمجرد القتل، زمن الخيانة، زمن بيع الأوطان والضمائر، زمن المجرمين والطغاة، زمن الدم، زمن الذل والضعف والهوان، زمن أشباه الرجال، زمن الإرهاب، زمن المحن، زمن موت الضمير العربي فأصبح الضمير العربي أغنية نرددها فقط، زمن الضباع والذئاب والكلاب السائبة والأشباح الشيطانية، زمن النحر كما تنحر الشاة، زمن قتل الفضيلة ونشر الرذيلة، زمن الدكاكين السياسية وفايروس الطائفية، زمن الظلمات وزمن كل كلمات السوء والشر في العالم.
قال صلى الله عليه وسلم: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مؤمن بغير حق» فما بالكم بالملايين، إن أمر الدماء عند الله عظيم، فقتل الكافر بغير حق جرم عظيم فكيف إذا كانت هذه الدماء دماء مسلمة لا ذنب لها ولا جرم عليها. إن حرمة المسلم عظيمة عند الله، بل كما قال ابن عمر إن حرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة، فوجب أن تصان وتحفظ، وقد منع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه من تحريق النمل، فكيف بمن حرّق أجساد المسلمين؟ في هذا الزمن قتل المسلم أصبح مباحا ومألوفا، على التلفاز في نشرة الأخبار لا تسمع سوى الحديث عن الحرب وإحصاء عدد القتلى، ولا ترى سوى صور القتل بدم بارد وصور عن الجثث المترامية وصور أخرى عن النار والدمار، أصبح هذا الوضع مألوفا ولا يحرك أيّ شعور إنساني بالذنب وبالرغبة في تغييره، بل الوضع يزداد سوءا، صور الدماء والقتلى أصبحت تحيط بنا من كل صوب وتنهال كالسيل أمامنا ولكن كثيرون منا تبلدت مشاعرهم فأصبحت هذه الصور لا تعني لهم شيئا، لقد اعتاد الدم العربي أن يسيل واعتاد الجبناء على التخفي وراء الأكاذيب والشعارات، إننا نعيش عصر البلادة وفقدان الذاكرة وفقدان النخوة والحمية والغيرة والأخوة.
وصمة عار في وجه المسلمين الذين لم يأبهوا لهذه المجـازر البشرية البشعة، وصمة عار في وجه الإنسانية جمعاء وهي ترقب هذه الدماء ولا تحرك ساكنا، وكأن الدماء الساخنة والجثث المتطايرة والمشوهة من فيلم سينمائي تمثيلي يدمن المشاهد على رؤيته!
إن قضية العرب والمسلمين قضية واحدة لأمة واحدة بالرغم من الحدود المصطنعة، وما يصيب جزءا إنما يعود أثره على الأمة كلها، ومن استهان بالعشرات لا يعبأ بالألوف والملايين. هل نريد أن نصبح أمة متفرقة؟ كل شعب يواجه مصيره وحده، وتشيع روح الأنانية وينفصل كل عضو عن جسده، ويعتقد كل بلد أنه بمنأى عن الأخطار، عندها على كلٍ أن ينتظر دوره. إلى متى الصمت والأعداء تمكنوا من رقابنا فذبحوا وقتلوا ونهبوا وحرقوا واغتالوا وعاثوا فسادا في أراضي المسلمين كل شيء له قيمة إلا المسلم فلا قيمة له ففي الوقت الذي يحاسب الفرد على قتل قطة أو كلب في بلاد الغرب، فإن عندنا يتم حملات قتل وتطهير ومجازر، نقولها بحرقة وألم ألا ترون ما يحدث للمسلمين حول العالم إلى متى دماؤنا تسفك إلى متى دماؤنا رخيصة ؟إلى متى هذا السبات؟ قتلوا ملايين المسلمين في العراق وأفغانستان والسودان والصومال وفلسطين والشيشان وبورما وغيرها ولما دافع المسلمون عن أراضيهم ومقدراتهم وأعراضهم، ألصقوا بهم تهمة الإرهاب، بل كل مجاهد في سبيل الله ومدافع عن دينه ووطنه أصبح يوصم بالإرهاب، هل الإرهابي من يدافع عن دينه ووطنه وعرضه؟!
عندما يقوم المسلمون بأي عمل يروج عالميا بأبشع الطرق وحين يكون الاضطهاد والقتل بدم بارد للمسلمين لا أحد يهتم، عندما قامت حركة طالبان بهدم تمثالي بوذا في أفغانستان احتجت وأدانت كل المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي وللأسف بعض الدول العربية على هذا التصرف، ولكن عندما يقتل ملايين المسلمين لم نجد كل هذا الالتفات لهم، فهل أصبح دم المسلم أرخص من التماثيل والأصنام؟ العالم يتفرج على قتل المسلمين وهم بلا شك راضون عن ما يحدث لنا وسوف يستمر هذا المسلسل الدموي للمسلمين حول العالم ولن يتوقف أبدا، ولا مناص ولا فكاك من الحقيقة فهي كالشمس في كبد السماء إنه هدف دول الكفر والمجوس في أنحاء العالم إبادة المسلمين وقتلهم وسفك دمائهم، ضحكوا علينا بمنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة وهيئات النصب والخداع والاحتلال التي أنشأتها الدول الغربية لذلنا وإبادتنا ونهب ثرواتنا واحتلالنا، فسبحان الله العظيم كيف يكيلون للمسلمين بمكيالين!
أين الضمير الإسلامي والعربي والعالمي الذي يدعي أنه يحافظ على الحقوق الإنسانية والكرامة البشرية؟ أين المليار ونصف المليار مسلم في العالم؟ مصائب الأمة كثيرة لا تعد ولا تحصى، يقال إن الأمة بحاجة إلى كارثة لكي تستيقظ، ولكن الكوارث توالت علينا والأمة مازالت في سبات عميق ولم تستيقظ بعد لتثبت للعالم أنها باردة كبرودة القطب الشمالي، لا أعلم ماذا تنتظر؟ يا له من عار! ويا له من خزي! ماذا فعلنا لوقف مسيرة ذبح الأوطان والأمة؟ من أعظم أسباب ما نحن فيه من القتل والفتن الإعراض عن الله وعن دينه، والإقبال على الدنيا والمنكرات. فيا خير أمة أخرجت للناس ممكن سؤال واحد: ألم تكتفوا من هذه المشاهد التي لا تحرك فيكم ساكناً؟ اتقوا الله فينا أرحمونا من مناظر شلالات الدم والقتل بل قتلونا معهم لكي نرتاح.
عائشة البستكي
.