«ربيع عربي».. أم «نهب العرب»؟
 تاريخ النشر : الاثنين ٢٣ يوليو ٢٠١٢
أنور عبدالرحمن
في هذا الأسبوع, أتيح لي أن أحضر جلسة رمضانية، كان الحضور فيها محدودا في مجلس سمو الشيخ علي بن خليفة آل خليفة نائب رئيس الوزراء. وقد شرف سمو رئيس الوزراء المجلس بالحضور والحديث بصراحة ووضوح عن الأوضاع الحالية في البحرين.
سمو رئيس الوزراء لفت انتباه الحضور إلى الأهمية القصوى لأن يتحلى الشعب بالوعي, وأن يدرك خطورة الاختراق الأجنبي, وخطورة محاولة القوى الاجنبية تضليل فئة من الشباب واستغلالهم باسم الديمقراطية.
بينما كان سموه يتحدث عن هذه القضية, كنت أفكر في الحقائق التاريخية المعروفة عن قيام الأمريكيين, الذين يتشدقون باستمرار بمزاعمهم حول السعي لنشر الديمقراطية في العالم, بإسقاط عديد من النظم الديمقراطية من أجل خدمة مصالح القلة الذين يحكمون أمريكا ويتحكمون في مقاديرها, أي لخدمة مصالح «لجنة الـ٣٠٠» السيئة السمعة.
الذي سأذكره فيما يلي سيعطي القارئ فكرة عامة عن الكيفية التي يقوم بها البعض في أمريكا, وأعني قلة من الأمريكيين المغامرين, بارتكاب جرائم تدخّلٍ وخلقِ مآسٍ للأمم الصغيرة الضعيفة.
هذه ليست قصة من صنع الخيال, بل هي حقائق مسجلة في ملفات التاريخ, ووقعت قبل نحو ٦٠ عاما.
كان كيرميت (كيم روزفلت) ضابطا في قسم التخطيط في وكالة المخابرات المركزية الامريكية, السي آي ايه. كان هو مهندس عملية المخابرات التي أطلق عليها اجاكس. كان هدف العملية تدبير انقلاب للاطاحة برئيس الوزراء الايراني محمد مصدق عام ١٩٥٣.
قبل ذلك, في عام ١٩٥١, كانت المخابرات البريطانية قد عرضت على الامريكيين التعاون من اجل اسقاط مصدق بعد قيامه بتأميم شركة النفط البريطانية الايرانية. لكن الرئيس هاري ترومان رفض فكرة الانضمام إلى بريطانيا والتعاون لتدبير انقلاب, لأنه كان يعتبر مصدق زعيما وطنيا. غير انه حين تولى الرئيس دويت ايزنهاور السلطة بعد ترومان, تمكن الاخوان جون فوستر دالاس وألان دالاس بإقناعه بمخطط الانقلاب. كان جون هو وزير الخارجية وشقيقه مدير السي آي ايه، استطاعا اقناع ايزنهاور بأن هذ الانقلاب سوف يؤدي إلى تفكيك الحزب الشيوعي الذي قالوا انه يحيط بمصدق ويتحكم في قراراته, ولم يكن هذا صحيحا.
وتسجل الوثائق التاريخية ان كيم روزفلت قدم ملايين الدولارات إلى القوادين والعاهرات وعصابات المجرمين واللصوص كي ينظموا مظاهرات ويشنوا هجمات على الحكومة وعلى المؤسسات الخاصة, ويرددوا شعارات من قبيل «الموت لمصدق وحكومته». وهكذا لعب الدولار الاخضر دوره.
ووفقا لما ذكره روزفلت نفسه, فإنه استطاع التسلل عبر الحدود إلى إيران باسم مستعار هو «جيمس لوكردج» في يونيو ١٩٥٣. وساعدته المخابرات البريطانية على تأجير منزل في طهران والشروع في اقامة الاتصالات مع الغوغاء وعدد قليل من الضباط الايرانيين لتنفيذ مؤامرة الانقلاب.
وهكذا, استطاع الامريكان بدولاراتهم تدبير الانقلاب وحل ما اعتبروه مشكلة بالنسبة إلى أمريكا في ذلك الوقت. ولم تدرك أمريكا انها بما فعلته قامت بتهيئة الاوضاع للوصول إلى كارثة ثورة ١٩٧٨- ١٩٧٩ بعد ذلك.
وفي عام ٢٠٠٣, اصدر وليام بلوم كتابه «قتل الأمل» الذي استعرض فيه سجل التدخلات العسكرية الامريكية والمخابرات الامريكية منذ الحرب العالمية الثانية. وفي كتابه وجه انتقادات حادة إلى روزفلت بسبب عمليته الكارثية في ايران. وهي وجهة نظر شاطره فيها كثير من الشرفاء داخل المخابرات, كان من بينهم مدير السي آي ايه في ايران, الذي قدم استقالته ورفض الاشتراك في هذه العملية الاجرامية اللاأخلاقية.
وبالعودة إلى البحرين, نعلم ان الجهات المسئولة في أمريكا لا تقوم أبدا بتحويل كميات كبيرة من الاموال نقدا إلا اذا كان الغرض هو تمويل عمليات سرية.
وعلى غرار ارنست همنجواي الذي تساءل: لمن تقرع الاجراس؟ فإننا نتساءل: لمن بالضبط ولأي جهة كانوا يعتزمون تقديم هذه الـ ١١ مليون دولار؟
لقد اصبح واضحا اليوم ان ما سمّي «الربيع العربي», لم يكن تطورا تلقائيا من الشعوب العربية, وانما كان امرا مخططا له بعناية شديدة. وفي سبيل تنفيذ المخطط تم تجنيد البعض وتدريبهم باستخدام المهارات والتقنيات الحديثة, وعلى يد خبراء في هذا المجال, وذلك من اجل اسقاط الحكومات.
لقد كان سمو رئيس الوزراء على حق تام عندما قال: «انني اشكر شعب البحرين الواعي.. اشكر كل صحفي وكل كاتب عمود.. اشكر كل قارئ على الدور الذي قاموا به وعلى عدم انخداعهم بالدعاوى من الخارج والداخل.. ان المواطنين والمقيمين اظهروا بجلاء حرصهم على هذا الوطن المسالم, ورفضهم المطلق للمؤامرات الاجنبية والذين ينخرطون فيها».
وقال سموه: «هؤلاء هم الحراس الحقيقيون للمجتمع. البحرين مجتمعها منفتح ومتحضر، حيث يتمتع الكل بحريات التفكير والاعتقاد والعبادة.. اننا مجتمع عالمي متفتح, والعالم كله يعرف ان البحرين هي بلد الاعتدال والتسامح.
ومن المهم جدا ان يعرف العالم درجة التطور والتقدم التي وصلت اليها البحرين ودول مجلس التعاون. ومن المهم ان يعرف كيف تم إنفاق الثروة وتوزيعها, ليس عن طريق مراكمة وتكديس الاموال النقدية, لكن عن طريق التعليم والخدمات الصحية والاسكانية والمشاريع الصناعية».
وقد قلت، تعليقا على ما قاله سمو رئيس الوزراء: يا صاحب السمو, في الولايات المتحدة وربما في بريطانيا ايضا, تتركز الثروة الحقيقية في أيدي أقل من ١,٢٥% من الافراد, ويعتبر ١٠% من السكان من ميسوري الحال. اما باقي السكان في البلدين, فإن عليهم ان يكافحوا وان يقتصدوا في نفقاتهم كي يتمكنوا من العيش. اما في مجلس التعاون, فإن الصورة مختلفة, وشريحة الاثرياء تمتد لتشمل ٢٥% من السكان.
وقال سموه: «البحرينيون يسافرون كثيرا إلى الخارج ويشاهدون مختلف انحاء العالم. الذين يسافرون إلى الخارج لديهم بالطبع القدرة المالية للقيام بذلك. لكن المهم هنا ان يلاحظ الجميع المصاعب التي تعاني منها مختلف الدول والمجتمعات. اذا تأمل البحرينيون ذلك, فسوف يدركون قيمة ما يتمتعون به من حياة كريمة في بلدهم, وإلى أي حد يعتبر مجتمعهم مجتمعا عادلا, ويقدرون حقيقة انه في هذا الوقت الذي يعاني فيه العالم كله من مصاعب مالية واقتصادية جمة, فإن بمقدورهم ان يسافروا إلى الخارج وأن يخططوا لرحلاتهم مسبقا.. سواء من يسافر إلى أوروبا ومن يسافر إلى العمرة، ومن يسافر إلى العتبات المقدسة، أليس هذا انعكاسا لحقيقة ان مجتمعنا احواله جيدة؟ انكم جميعا مطالبون بأن تسعوا إلى اشاعة وتكريس الوعي العام بضرورة حماية المكتسبات التي حققها المجتمع, وما وفرته الدولة للمواطنين».
حين غادرت المجلس في وقت متأخر من الليل, وفي الطريق إلى مكتبي, فكرت بحزن وأسى في حقيقة ان لدينا في مجتمعنا اناس يرددون صباح كل خميس انه في يوم الجمعة: «لدينا الحق في تنظيم ٢٥ مسيرة ومظاهرة في مختلف الاماكن». أي ان لديهم الحق في تعطيل حركة المرور, والحق في حرق الاطارات, والحق في سكب الزيت على الطرقات والتسبب في الحوادث، والحق في مهاجمة رجال الأمن الذين لا همّ لهم الا حفظ الامن والاستقرار والنظام العام.
هؤلاء لا يتحدثون ولا يفكرون أبدا في حقوق اخرى.. الحق في زراعة الاشجار في الطرقات العامة, الحق في تنظيم وترشيد شبابنا وجعلهم يبادرون مثلا بتنظيف الشوارع والقرى, والحق في ان نأخذ التعليم بجدية واهتمام, وأن نساعد المجتمع لا أن نلحق الاذى به.
يمكن القول إنه حين تعي الامة هذه الالتزامات وتقوم بها فعلا.. حين تفعل هذا, من حقها ان تنتظر مستقبلا مشرقا.
ولنا في النهاية ان نتأمل هذه الملاحظة المهمة.
من الذي سيرث البلايين المجمدة لصدام حسين, وزين العابدين بن علي, ومعمر القذافي, وبشار الأسد, وحسني مبارك؟
هذه الاموال مجمدة اليوم في البنوك الغربية. هل يمكن ان يعيدوا هذه الاموال يوما إلى شعوب هذه الدول؟.. التاريخ يقول انها لن تعود ابدا.
ولهذا, لنا الحق في ان نتساءل: هل هذا ربيع عربي؟ ام انها عملية لسرقة ونهب العرب؟
.
مقالات أخرى...
- .. لا سامحكم الله!! - (18 يوليو 2012)
- خطاب مفتوح إلى الرئيس محمد مرسي - (26 يونيو 2012)
- روسيا حين تخسر العرب! - (23 يونيو 2012)
- الشرر المنذر بالخطر! - (20 يونيو 2012)
- من أصداء الحوار - (9 يونيو 2012)
- خطاب مفتوح إلى بان كي مون - (29 مايو 2012)
- قصــة نجـــاح - (11 مايو 2012)
- «فهي الشهادة لي بأني كامل» - (27 أبريل 2012)
- أسبوع البحرين فـي الإعلام الغربي - (21 يناير 2012)