الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٢ - الأربعاء ٢٥ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٦ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة

أسود ولكن على مستوى







أذكركم مجددا بأن هذا المقال وما سبقه وما سيتلوه من مقالات، يتعلق بموضوع واحد، وهو تجربة العيش في لندن في منتصف السبعينيات، واعتزم إصدارها -لو ربنا سهل الأمور- في كتاب يحمل اسم «العربيقي» وهي الصفة التي اكتسبتها في اول زيارة للندن، عندما انتبهت للمرة الأولى إلى حقيقة أن ملامحي إفريقية، يعني بشرتي سمراء، ولا تشبه بشرة الخواجات الذين كنت أراهم من حولي، وإلى أنني انتميت إلى العروبة باللسان والثقافة والعواطف، ولم تكن قبلها مسائل اللون والعرق تشغلني كثيرا، ولا هي تشغلني إلى يومنا هذا، ولكن وجودي في لندن قوى انتمائي إلى الأفارقة والعرب، لأن الأوروبيين عموما، يجعلون الذي لا ينتمي إليهم باللون يحس بأنه «مختلف» وبعضهم يتعمد أن يشعرك بأنك «متخلف».. وبصراحة فقد كانت معظم عواطفي في ذلك الزمان مع إفريقيا، بعد أن قرفت من المعلبات العربية من شاكلة تحرير فلسطين من البحر إلى النهر و«المصير المشترك»، و«أمجاد يا عرب أمجاد»، وكانت المنظمات الفلسطينية في السبعينيات مشغولة بالتصفيات الجسدية الداخلية، وأقام الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات جمهورية الفكهاني في بيروت، وصار طرفا في حرب عبثية، أعطت سوريا ذريعة لتحول لبنان إلى ضيعة خاضعة لها، وأنا من الجيل الذي نشأ مشحونا بأدبيات إذاعة «صوت العرب» المصرية التي كانت تقول لنا إن التخلص من إسرائيل أسهل من خلع ضرس مسوس ومتآكل الجذور، وفي الخامس من يونيو من عام ١٩٦٧ سمعنا تلك الإذاعة تقول إن الجيش المصري سيصلي المغرب في تل أبيب، وكان الإسرائيليون وقتها قد قضوا على سلاح الطيران المصري وهو رابض في مطاراته، وتم تهريب ما نجا منها من الدمار إلى قاعدة وادي سيدنا الجوية في الخرطوم، وطارت في تلك الحرب سيناء والضفة الغربية وغزة وهضبة الجولان، ثم جاءت حرب ١٩٧٣، واجتاح الجيش المصري خلال ساعات الدفاعات الإسرائيلية، وكان قادرا على استرداد سيناء خلال ساعات، ولكن الرئيس المصري أنور السادات قال «كفاية كده»، فكان ان أعطى الإسرائيليين الفرصة للعبور إلى غرب قناة السويس ومحاصرة الجيش المصري الثالث، فأضاع السادات طعم نصر عزيز لأنه أرادها حرب تحريك وليس تحرير، وعلى كل حال فقد نجح في مفاوضات كامب ديفيد في استرداد سيناء.

وبالمقابل كانت إفريقيا تغلي بحركات تحرر جادة، ووجدت في لندن منظمات عديدة تناهض النظام العنصري في جنوب إفريقيا فصرت نشطا في صفوفها، ورغم ان العديد من البريطانيين البيض كانوا أعضاء فيها، فإن معظم مقار تلك المنظمات كانت في جنوب لندن حيث معظم السكان من السود، وكان لي وزن خاص حتى بين السود، لأنني أسود وإفريقي «أصلي» وليس أسود مقطوعا من شجرة كما هم سود بريطانيا، ولاحظت أن بعض السود يعاملونني باحترام يرقى إلى التقديس، وكان معظم أفراد هذه الفئة من ذوي الضفائر المجدولة skcoldaerd، وفهمت لاحقا أنهم ينتمون إلى طائفة تسمى الراستافاري وأنهم يقدسون امبراطور إثيوبيا هيلاسيلاسي باعتبار أنه سليل النبي سليمان وأن خلاص البشرية سيكون على يديه وكان الامبراطور وقتها قد «أكل هوا» بعد أن أطاح به انقلاب قاده الجنرال تفاري بنتي، الذي سرعان ما انقلب عليه منقستو هايلي مريم ليقيم نظاما اشتراكيا في بلد ليس فيه طبقة عاملة.. المهم لم يكونوا يميزون بين السودان واثيوبيا، واعتبروني شخصا مبروكا، والكلمة كلمتي والشورة شورتي، وكنت كلما خالفني شخص اسود في الرأي حول النشاط الذي نود القيام به لنصرة إخوتنا في جنوب إفريقيا أصيح فيه: أنكتم يا إفريقي نص كم، في حضرة جعفر سيلاسي حفيد بلال بن رباح.















jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة