الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٤ - الجمعة ٢٧ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٨ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء

مصر بعد الثورة.. المهام والتحديات





ما من حدث كبير يحصل في الوطن العربي، إلا ويكون للسؤال عن دور مصر نكهةُ الشوق.

يطرح السؤال نفسه في فلسطين منذ نكبتها، ويتجدد حين يتهدد الامن القومي العربي مع احتلال العراق أو ليبيا، أو مع انفصال السودان، أو عبر ما يجري لسوريا اليوم، أو في الحرب على غزّة.

يسأل العرب عن مصرَ، في كل مرة يتعلق الأمر بقضيتهم المركزية أو بقضاياهم الإقليمية، والذي يجري في مصر اليوم، هو قضية بحد ذاتها. قضية استعادتها لنفسها، وتاليا لدورها في الشأنين الإقليمي والدولي.

بسبب من حبنا لمصر، أصبحنا متطلّبين، ونعول عليها الآمال الملحّة، نحن نلحلا بالسؤال وهي تطلب الوقت الكافي.

واليوم لأننا نؤمن بوحدة المصير والهدف، فإن من حق العرب المخلصين لقضيتهم والمتابعين لما يجري في مصر أن يحاذروا من الوقوع في استنتاجين سريعين:

الاول: هو الشعور بأن ثورة ٢٥ يناير قد انتصرت، وبدأت بفرض معطياتها السياسية في الداخل والخارج. وهو شعور، وإن كنا نتمناه، فهو مبالغ فيه وسابق لأوانه.

الثاني: يتمثل في القول ان شيئا لم يتغير في أرض الكنانة، وان أمريكا مازالت سيدة اللعبة، وان السلطة السياسية الجديدة، ما كانت لتبصر النور لولا «تفاهم ما» حصل مع الادارة الأمريكية، وهو قول يتنكر لإرادة شعب مصر من جهة، ويتبرع بالدعاية السياسية لأمريكا من جهة أخرى.

هذه الثورة العظيمة لاتزال في بدايتها. هي استحوذت على رأس السلطة فيما جسمها مكبل بالقيود.

وإذا كان للرأيين ما يبررهما من وقائع لدى أصحابهما، ألا أنه يجب لفت النظر إلى أن مصر مازالت في حالة مخاض، طبعا على قاعدة أن قوى الثورة ستنتصر بنهاية الأمر، مما يعيد لمصر ألقها الحضاري ودورها الطبيعي في قيادة العمل العربي المشترك.

لنتذكر جميعا أنه مع كامب ديفيد خرجت مصر من مدارها الطبيعي لتسبح في مدارات أخرى، وبدل أن تكون مصرُ فلكا بحد ذاته، راحت تدور في أفلاك أخرى، فضعفت جاذبيتها وقوة التأثير لديها، لدرجة ان مصر الرسمية عجزت عن نصرة شعب غزة ابان العدوان المتمادي عليها.

بغيابها ضاعت البوصلة لمرحلة ملحوظة، ودخل العرب في متاهات الخلافات، وأصبحت الاهتمامات الصغيرة للأنظمة أكبر من القضية التي تزعم حمايتها، وانحسرت الحركة الشعبية العربية، وغابت أولوياتها أو تهشمت.

ها هي مصر تعود الينا مثقلة بالتعب وبإرث الماضي. تعود كالولادة التي أنهكها المخاض.. موزعة بين نفسها وبين وليدها، تعانقه مرهقة، وتتجاسر على تعبها بالحب، وخروجها من هذا التعب يحتاج إلى التزام بجملة مهام:

أولى هذه المهمات: هي الشروع في تجاوز الماضي وآثاره السلبية والعمل على بناء الوحدة الداخلية، في تآلف للكتلة التاريخية الممثلة في التيارين القومي والديني، ولقد جاء خطاب الرئيس محمد مرسي في ميدان التحرير بمثابة اعلان لولوج هذه المهمة التي نتمنى أن تتكلل بالنجاح.

وثانية هذه المهمات، هي الخروج من نظام التبعية وتصفية آثار مرحلة كامب ديفيد على مصر، والتخلص من رموزها في الفكر والسياسة والاقتصاد والادارة الفاسدة.

وثالثة هذه المهمات: هي العودة إلى الدوائر الثلاث التي أرسى أسسها الرئيس الخالد جمال عبدالناصر وهي الدوائر العربية والافريقية والاسلامية، في توجه واضح نحو استقلالية القرار العربي بما يعنيه من نصرة القضية المركزية في فلسطين.

ورابعة هذه المهمات: هي المتمثلة في لم الشمل العربي وإطلاق مبادرات المصالحة العربية العربية. ان مصر هي «رئيسة العرب» وفي ظل غيابها المحزن فرَّخت زعامات، وتنطّح بعض الطفيليات لقيادة الدفة العربية، وتوهم البعض أن أدواره الكبيرة هي فعلا من صنع يديه، فيما هي من صنع قوى كبرى دفعته إلى الواجهة.

ما دعت مصر يوما إلى قمة عربية الا واستجاب الآخرون.

وقد يظن البعض أن أمر الدعوة إلى قمة عربية سابق لأوانه، داعيا إلى إعطاء الرئيس محمد مرسي فرصة تسلّم السلطة. نحن من موقعنا القومي، ندعو إلى عقد قمة عربية في القاهرة اليوم قبل الغد، قمة التهنئة لمصر ورئيسها بالثورة المباركة، وقمة الاعتراف بأن الجميع يحتاج إلى دور مصر وحكمتها ووزنها غير المنازع فيه.

ولقد كان للخطاب الذي ألقاه الرئيس محمد مرسي في ميدان التحرير وقع طيب لدى بعض القوى الثورية والقومية والناصرية المقاومة في الوطن العربي، ففي هذا الخطاب ما يتضمن الشكر للمناصرة والمؤازرة، وما يؤسس لمرحلة جديدة يلعب فيها الكبار أدوارهم في وأد الفتن المشتعلة في غير مكان من وطننا العربي، في وقت عجز الكيان الصهيوني عن اخماد روح المقاومة من الخارج فإذا به يستهدفها من الداخل.

كنا في البحر في رحلة «اسطول الحرية» الهادفة إلى فك الحصار عن غزة، وكان الحديث الدائر بيننا:اين مصر؟هل كانت تل ابيب لتجرؤ علينا لو ان موقف مصر الرسمي مختلف؟

وفي ٢٥ ديسمبر سنة ٢٠١١، أي قبل شهر واحد من اندلاع الثورة، ذهبنا إلى تركيا للاحتفال بعودة سفينة «مرمرة» بعد تأهيلها من الأعطال التي تعرضت لها جراء الهجوم عليها. كنت بصحبة الرجل الجليل مطران القدس السابق «ايلاريون كبوجي».

يومها كان لي شرف إلقاء كلمة في الاحتفال، شكرت تركيا لدورها المناصر لأهل غزة مؤكدا أن فلسطين تحتاج إلى أكثر من ذلك.

«إنها تحتاج إلى عودة مصر إلى قيادة العمل العربي، وان أوضاع أمتنا لن تستقيم إلا بهذه العودة»، وأردفت قائلا: «إني أسمع همهمات شعب مصر ترنّ في أذني». بعد هذه الجملة التفت إلي من كان بجانبي وقال: «الا تعتقد أنك تبالغ، أو أنك تلهج بما تشتهيه نفسك؟».

نعم هذا ما اشتهته نفسي، وما شهدته أمتنا بثورة مصر.. ينبئ باستقامة أوضاع الأمة.

* عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي













.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة