الطائفية عودة إلى الجاهلية
 تاريخ النشر : الاثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٢
بقلم : د. منصور محمد سرحان
من بين أخطر الأمراض الاجتماعية الفتاكة التي تصيب المجتمعات الإنسانية رواج ظاهرة الطائفية. فالطائفية لا تبقي ولا تذر وتحرق الأخضر واليابس، وهي في الواقع بالنسبة إلى العالم الإسلامي وبخاصة العربي عودة إلى الجاهلية، حيث روح التعصب الأعمى. وتوثق أمهات الكتب التاريخية العربية المآسي والحروب التي كانت تنشب بين القبائل العربية إبان عصر الجاهلية لأتفه الأسباب وذلك نظراً إلى انتشار ظاهرة التعصب بكل ما تحمله من مخاطر جمة على نسيج المجتمع، فقد تقاتلت القبائل العربية سنوات طويلة بسبب خلاف تافه دب حول مسابقات بين فرسين داحس والغبراء استمر زهاء أربعين سنة، قتل خلالها من قتل، وتيتم من تيتم، وأصيب العديد بعاهات مزمنة، إضافة إلى المئات من الجرحى. وكان التعصب بمثابة الوقود الذي زاد من اشتعال الحرب بين القبيلتين المتقاتلتين "عبس" و"ذبيان". ولم تكن حرب البسوس أقل شأناً وخطراً من حرب داحس والغبراء فقد قامت الحرب بين قبيلتي "بكر" و"تغلب" قرابة أربعين عاماً أيضاً بسبب مقتل ناقة لامرأة تدعى البسوس، إضافة إلى العديد من الأحداث المؤلمة التي شهدها المجتمع القبلي قبل الرسالة المحمدية وأدى إلى هلاك وإبادة قبائل برمّتها.
وجاء الإسلام بقيمه العظيمة فأخذ يبث روح التسامح بين أفراد المجتمع الإسلامي، وأخذت ظاهرة العصبية البغيضة تتلاشى وتندثر. وقد ضرب الرسول (صلى الله عليه وسلم) وآل بيته وأصحابه العظام أروع الأمثلة على بث روح التسامح والتقارب الذي وصل قمته في التزاوج فيما بينهم، وأخذ المجتمع القبلي يتأثر بقادته الكبار فتزاوجوا وانصهروا جميعاً في بوتقة الإسلام، ونبذوا بكل شدة أنواع التعصب الأعمى، وسادت بينهم روح المودة والقربى، فسادوا العالم وشيدوا الحضارات في الشرق والغرب، وكانوا قوة عظمى تهابها بقية الأمم.
ومن أسف شديد، نشاهد ونحن نعيش في العقد الثاني من الألفية الثالثة عودة ظاهرة التعصب الأعمى بين أبناء المجتمع العربي والإسلامي متمثلاً في ظاهرة الطائفية البغيضة وهي ظاهرة يجب محاربتها قبل أن يستفحل خطرها.
إن سبب تخلفنا واعتبارنا أمة تستهلك ولا تنتج هو بروز ظاهرة الطائفية بما تحمله من روح التشدّد والعصبية. فقد اتجهت المجتمعات الإنسانية الأخرى إلى البناء والتطور والعلم وإجراء البحوث والدراسات والأخذ بروح العصر والانفتاح على المجتمعات الإنسانية بغض النظر عن دينهم ومعتقداتهم، مقتبسين العلوم والمعارف من تلك المجتمعات وبخاصة الدول الصناعية المتقدمة، مركزين على أهمية تطوير ونمو مجتمعاتهم وتحصينها بالعلم والمعرفة. وها نحن نشاهد بروز الصين كقوة اقتصادية عالمية هائلة، وتتجه دولاً صغيرة كماليزيا وكوريا الجنوبية وجنوب إفريقيا وغيرها إلى تطوير اقتصادها من خلال حركة دؤوبة في تطوير مجال الأبحاث والعلوم. كما أن الهند وهي من بين الدول ذات الكثافة السكانية العالية تتجه إلى أن تكون قوة اقتصادية كبيرة.
أما الدول العربية بما تحتويه من مقومات النهوض الاقتصادي والعلمي التي من أهمها توافر العنصر البشري ووفرة الموارد الاقتصادية المتمثلة في باطن أرضها من مواد الخام المختلفة إلى ما فوق أرضها من زراعة ومياه وغيرها، إضافة إلى البحار المحيطة بها وشمسها الساطعة إلا أنها تعيش اليوم مشكلة الطائفية البغيضة، وكأن هذه الظاهرة هي التي ستؤدي إلى النمو الاقتصادي والعلمي والاجتماعي.
وإذا كانت الأمم في عصرنا الحالي تستفيد من تقنية العصر وتوظفها في بث روح المواطنة الصالحة، والتقدم والتسامح، والحث على العلم والبحث والدراسة والاهتمام بالمخترعين والمكتشفين والعلماء، فإننا نشاهد عكس ذلك في البلدان العربية، فقد تم تسخير أهم وسائل الاتصال الإعلامي كالتلفاز ممثلاً في العديد من الفضائيات والتويتر والفيس بك إلى بث الفرقة المذهبية، ومحاولة التبشير بين المذاهب الإسلامية، وكأن هذا كل ما ينقصنا، والعمل على نشر روح التعصب والتشدد من خلال منطق الطائفية البغيضة.. ففي ظل هذه المعطيات نعود مرة أخرى إلى مربع الجاهلية أو على الأقل الاقتراب من ذلك المربع.
.