الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٣٩ - الأربعاء ٤ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الطابعُ الديمقراطي للحراك العربي





مهما كانت الشعاراتُ الأولى تحديثيةً فإن البناء الاجتماعي العربي ذو طابع ديني صارم، لكن لحظات الفقه السني المُسيَّس هي غير لحظات الاثني عشرية في الزمن الإيراني، ففي الأخيرة حدث خطفٌ للمذهب الاثني عشري بسبب تصاعد دكتاتورية الشاه ثم دكتاتورية الولي الفقيه.

كان المذهبُ عبر العصر السابق تعددياً ذا مرجعيات متنوعة تتيح تعددية الأحكام والتفاسير والاجتهادات، ورغم تمركز السلطة الدينية في مرشدٍ لكنها أتاحت الاختلاف الفقهي والتباين السياسي.

جاءتْ ولايةُ الفقيهِ بعد تصاعد الدكتاتورية الاقتصادية السياسية في أجهزة الشاه، وغدا للفرس مؤسسات شمولية معبرة عن هيمنتهم القومية على الشعوب التابعة لهم في ظل إيران، فكانت ولايةُ الفقيهِ نقلةً أخرى في هذه المركزية السياسية الاقتصادية، فجعلت المذهبَ المتعدد التفاسير شمولياً في توجهه السياسي، وأعطت لقوةٍ واحدة كل السلطات الفقهية والسياسية والعسكرية والاجتماعية، فتمددت في الداخل الإيراني وفي العالم الإسلامي.

فيما تواجه المذاهبُ السنية لحظات مختلفة، فقد تصاعد دورُها السياسي في وقت تفككِ الرأسماليات الحكومية ذات القبضات العسكرية والبوليسية الشديدة، فكان بعضها هو الذي يطالب بالحريات العامة وزوال الاستبداد ووضع حد لهيمنات الدول على الاقتصاد.

هذا الافتراق عن اللحظة الإيرانية مهم ولكنه ليس كل شيء، فأبنيةُ الدولِ والمجتمعات شمولية، والشعوبُ ذاتها شمولية، تحجم الحريات داخل البيوت وفي العقول وفي الإرادات الفردية، وتأتي المذاهبُ بإرثٍ شمولي في الفقه، وتباين في التعابير السياسية واضطراب في المناهج الفلسفية.

وعملياتُ تفكيكِ ارتباط المنظمات الدينية بالعمل السياسي ليس قوياً، فتحويل الجماعة إلى أحزاب مدنية ذات طابع شكلي، فهي تعتمد في سيطرتها السياسية على أشكال متخلفة من العلاقات الاجتماعية، عبر إلصاق دور العبادة بالمؤسسة السياسية، وتبرير وتمرير أشياء كثيرة من خلال الثقافة الدينية التي تُسيس بلا معرفةٍ عميقةٍ بالإسلام ومراحل تطوره.

فاستخدام الشعائر والكلمات الدينية يتم بكثرة ولا نرى برامج سياسية واجتماعية عميقة، مما يعبر عن غياب رؤى إصلاحية للهياكل الاقتصادية النخرة الماضية، وعدم معرفة بعهود من استلال الأموال العامة.

وقد بينت المنافسات السياسية الانتخابية ان هذه التنظيمات استغلت الدكتاتورية الاجتماعية الرابضة طويلاً في الحياة الاجتماعية وفي حياة الناخبين وثقافاتهم البسيطة، وجيرتها لصعودها السياسي، وبهذا وضعت أول خلايا الشمولية المريضة في أجسام الحياة السياسية الجديدة.

ويعبر ابتعاد هذه الحركات السياسية المؤدلجة للإسلام عن اليسار والقوى الديمقراطية والنقابات والجماهير العمالية عن طابعها المختلف عن الثورة الإسلامية المؤسِّسة، التي جعلت التحالف مع العبيد والفقراء شكل الجبهة السياسية التي كونت سلطة الخلافة، وبالتالي فإن الجماعات الدينية الراهنة المسيِّسة للإسلام تعبر في سلميتها وطبقيتها عن فئات وسطى تريد من الفقراء تبعية وطاعة وليس تحالفات ديمقراطية فيما هذه هي الوحيدة القادرة على إعادة بناء الرأسماليات الحكومية الشمولية التي عرقلت التطور بشكل يؤدي إلى توزيع الثروة على الطبقات كافة وخاصة العاملة منها والقيام بثورات اقتصادية مفيدة للجميع.

ستواجه الجبهات النهضوية الديمقراطية في كل بلد صعاباً كبيرة، عبر محاولات الدينيين الانفراد بالحكم، وبتفجير القوى المتضررة من التحولات وهي التي لاتزال تلعب أدواراً خطرة في تفكيك الجبهات الداخلية وحرفها نحو الصراعات الداخلية وهي تتفق مع قوى التدخلات الأجنبية التي تريد عدم الاستقرار وصراع القوى الوطنية مع بعضها بعضا وتحريف معركة التنمية الصناعية الكبرى نحو بقاء التبعية والأسواق المفتوحة، ولهذا تتطلب العمليات التحولية جبهات ديمقراطية وطنية عريضة تنشىء برامج مشتركة وتحول التداول السلمي للسلطات إلى تنميات للأوطان لا تنميات للجيوب.

وستجد من القوى المحافظة وسائل لشق الصفوف وللتدخلات بما فيها التدخلات العربية المتخلفة، بحيث لا تتحول دول الربيع العربية إلى رموز متقدمة تغدو مراكز للتقدم العربي وللديمقراطية وللتعاون الوطني واحترام الأديان والأفك



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة