الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤١ - الجمعة ٦ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


برنامج الدولة الفلسطينية مسارا ومصيرا





لم يعد الخلل في مسيرة برنامج منظمة التحرير الفلسطينية لتجسيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير في دولة مستقلة وذات سيادة، خللا كميّا، بل بنيويّا، ما يجعل إعادة بناء وتوحيد هذه المنظمة، وتفعيلها ودمقرطتها، حلقة مركزية، يشكل الإمساك بها، شرطاً للإمساك بباقي حلقات الشأن الفلسطيني، داخليا وخارجيا.

ويعدّ توافق قيادة المنظمة وفصائلها مع قيادتي «حماس» و«الجهاد»، على تفعيل الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، الذي جرى الاتفاق على تشكيله في عام ٢٠٠٥ وعقد أول اجتماعاته مؤخراً في القاهرة، خطوة في الاتجاه الصحيح لمعالجة المأزق الفلسطيني الداخلي الذي لم يستطع، رغم ما أفضى إليه من مناخات التيئيس وفقد الأمل والالتباس، المساس بجوهر الهوية الوطنية الفلسطينية التحررية وأهدافها العادلة.

لكن، حتى تكون هذه الخطوة جادة، فإنه لا مناص من تعزيزها بخطوة الاتفاق على برنامج سياسي وطني، يتمخض عن مراجعة سياسية شاملة، لمسيرة المشروع الوطني لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيّدة، وهو المشروع الذي جاء امتداداً للتصدي الميداني العربي عموماً، والفلسطيني خصوصاً، للهجمة الاسرائيلية، منذ نشأتها، حيث رفض الوعي الفكري والسياسي التحرري العربي، ومنه الفلسطيني، بمشاربه المتنوعة، الاعتراف بإسرائيل دولة، ونحت لها توصيف الكيان، كمصطلح سياسي غير موجود في القانون الدولي، تعبيراً عن رفضِ الاعتراف بشرعيتها، وتعبيراً عن اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية بمنزلة الكيان السياسي الوطني الفلسطيني المؤقت، والجهة الشرعية التي تناضل وتسعى، بدعم قومي عربي، وتحرري عالمي، إلى إقامة هذه الدولة المستقلة ذات السيادة التي تدرجت مسيرة برنامجها على النحو الآتي:

في أواخر ستينيات القرن المنصرم، بلورت منظمة التحرير مضمون الدولة المبتغاة في مطالعة إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية علمانية على أنقاض إسرائيل، سياسيا وعسكريا وثقافيا، يعيش فيها أتباع الأديان الثلاثة من الفلسطينيين، من دون تمييز.

في العام ١٩٧٤ وفي مجلسها الوطني الثاني عشر، طرحت المنظمة «البرنامج المرحلي»، أو ما سميَ في حينه، «برنامج السلطة الوطنية»، أو «النقاط العشر»، الداعي إلى إقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي أرض فلسطينية يتم تحريرها أو ينسحب عنها الاحتلال الإسرائيلي، توطئة لإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية على أنقاض إسرائيل.

في ١٥-١١-١٩٨٨ وفي مجلسها الوطني الثامن عشر، أصدرت المنظمة، «إعلان الاستقلال»، الذي صارت الدولة الفلسطينية بموجبه، دولة مستقلة، لكن لا على أنقاض إسرائيل، بل إلى جانبها، وتعيش معها بسلام، إنما من دون تحديد لحدودها.

في عام ١٩٩١ وافقت قيادة المنظمة على المشاركة في «مؤتمر مدريد للسلام»، بوفد من الأرض المحتلة عام ١٩٦٧ تحت مظلة الوفد الأردني، ما قد يوحي بأنها لا تصرّ على الدولة المستقلة، وبأنها قد ترضى بالكونفيدرالية مع الأردن، كمشروع دعمته الولايات المتحدة.

بعد اتفاقية «أوسلو» عام ١٩٩٣ امتزجت المنظمة في الحكم الذاتي، الذي وافقت على إقامته، وتسلمه، كخطوة أولى باتجاه إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ إلى جانب دولة إسرائيل.

وعلى كل حال، يمكن تقسيم تعامل منظمة التحرير مع مفهوم الدولة الفلسطينية أربع مراحل، وذلك تبعاً للفواعل التي أثرت في ذلك الوعي أو غيرت اتجاهه.

١- مرحلة الميثاق القومي الفلسطيني، (منذ تأسيسها عام ١٩٦٤ حتى حرب يونيو ١٩٦٧)، حيث استولت إسرائيل على ما كان قد تبقى من أرض فلسطين.

في هذه المرحلة رأت المنظمة (بقيادة المرحوم الشقيري في حينه)، أن الضفة الغربية جزء من الأردن، رغم اعتبارها لنفسها المؤسسة الحافظة للكيانية الفلسطينية المستهدفة، لكي تحظى بقبول الأنظمة العربية، وخاصة الأردن.

٢- مرحلة الميثاق الوطني الفلسطيني، (من حرب يونيو ١٩٦٧ حتى حرب أكتوبر ١٩٧٣)، حيث عَبَر جيشا مصر وسوريا خطوط «النكسة»، وهو العبور الذي دفع البعض إلى الاعتقاد أنه كافٍ لإحراز تسوية سياسية مع إسرائيل، وأنه أصبح بالإمكان تجاوز التعامل معها، وفقاً للاءات الثلاث، (لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات)، التي كان قد أطلقها مؤتمر القمة العربي الرابع في الخرطوم، في ١/٩/.١٩٦٧

في تلك المرحلة لم ترَ المنظمة في الضفة الغربية جزءاً من الوطن الفلسطيني فقط، بل، رأت أيضاً، أن اللاجئين الفلسطينيين في الأردن جزء من شعبها، وأنهم سيكونون، مع بقية اللاجئين، والفلسطينيين الباقين في أرضهم، بمن فيهم فلسطينيو الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨ مواطنين في الدولة الفلسطينية المبتغاة، والمراد إقامتها على أنقاض إسرائيل.

٣- مرحلة تجاهل الميثاق الوطني، (من حرب أكتوبر ١٩٧٣ حتى «مؤتمر مدريد للسلام» عام ١٩٩١ ثم «اتفاقية أوسلو» عام ١٩٩٣)، حيث تواجهت، (بعد مصر)، بقية «دول الطوق»، (سوريا، الأردن، لبنان)، ومعها الفلسطينيون، مع إسرائيل على طاولة المفاوضات، وليس في ميادين المواجهة والقتال.

في هذه المرحلة رأت المنظمة في فلسطينيي الاراضي المحتلة عام ١٩٤٨ مجرد عون لها لإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام .١٩٦٧ ٤- مرحلة إلغاء الميثاق الوطني، (من «اتفاقية أوسلو» عام ١٩٩٣ حتى الآن)، حيث التقت إسرائيل المنظمة في مفاوضات مباشرة برعاية أمريكية، بعد أن تبادلتا الاعتراف، وصار للمنظمة حكم ذاتي مقيد ومحدود في الضفة الغربية، (دون القدس)، وغزة.

في هذه المرحلة، قبلت المنظمة بمبدأ تبادل الاراضي، لحل مشكلة التجمعات الاستيطانية الكبيرة في الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ بل، قبلت بمبدأ تأجيل البت في قضية القدس والحدود والمستوطنات والمياه وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها.

هذه هي مسيرة منظمة التحرير لتجسيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير في دولة مستقلة وسيّدة، وهي المسيرة التي على الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، التصدي لمهمة مراجعتها، برنامجا وممارسة.

* كاتب فلسطيني



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة