الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٣ - الأحد ٨ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٤ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


رد فعل متأخر.. وموت مبكر





نشرت صحيفة «ايست انجليا تايمز» البريطانية، وهي صحيفة اقليمية محدودة الانتشار، لأنها توزع فقط في مكان صدورها، حكاية مواطن تقدم بشكوى إلى مجلس مقاطعة سفوك بانجلترا بشان وجود أعشاب طفيلية تسد بعض الطرق في المنطقة، ثم تلقى الشاكي قبل بضعة أسابيع ردا على شكواه وتعهدا من مجلس المقاطعة بإزالة تلك الأعشاب..انظروا كيف تهتم السلطات في الدول الغربية بشكاوى المواطنين ولا تعتبرهم كما هو الحال عندنا متطاولين ومخربين ومن مروجي الفتن لأنهم يشكون تدهور الخدمات!!..عندنا في السودان لم يكن الناس في مطالع عام ٢٠١١ بحاجة إلى خبير او مختبر ليعرفوا أن الماء الذي يأتيهم عبر المواسير فاسد وملوث، وقال المسؤولون ان تلك مزاعم فاسدة يروجها الحاقدون والموتورون، وأن كل من يثير هذا الموضوع سيتعرض للمساءلة القانونية بوصفه يسعى لضرب الوحدة الوطنية (وكانت تلك أول مرة أعرف فيها ان الوحدة الوطنية تمر عبر المواسير والحنفيات).. ما علينا.. نرجع إلى موضوع الشكوى الخاصة بالخواجة، لنكتشف أن رد مقاطعة سفوك على الشكوى جاء متأخرا.. متأخرا كيف؟ ٢٤ يوما؟ لا.. أربعة وعشرون اسبوعا؟ صه!! بل ٢٤ سنة، وبالتحديد بعد وفاة الشاكي بخمس عشرة سنة!! يعني إذا كان ذلك يحدث في إنجلترا فـ«ما فيها شيء» ان يظل أحدنا يتردد عشرين سنة على محكمة او مجلس بلدي لتسجيل قطعة ارض لديه كل المستندات التي تؤكد ملكيته لها!!.. واسمحوا لي أن أعيد عليكم تجربة شخصية كتبت عنها كثيرا: في ذات عام في أواخر سبعينيات القرن الماضي ترددت على وزارة التربية في الخرطوم عشرات المرات بحثا عن ملف خدمتي، بعد ان هجرت التدريس، لوقف راتبي الشهري، وبالتالي صرف مكافأة نهاية الخدمة، وكان لي على ذمة الوزارة مبلغ ضخم لا يقل عن مائتي جنيه (كان الجنيه السوداني وقتها يساوي نحو دولارين امريكيين وكان ذلك المبلغ يكفي وقتها لشراء اربع قطع ارض في ضواحي الخرطوم وصار الدولار اليوم يساوي نحو ٤٠٠٠ جنيه، ولله ما أعطى ولله ما أخذ)، إلى ان كان يوم دعاني فيه العاملون في قسم الملفات لتناول طبق من الفول معهم بعد ان صرت واحدا منهم بحكم وجودي شبه الدائم معهم، وبعد ان أكلنا الفول وتجشأنا رفع الرجل الجريدة التي كنا نستخدمها مفرشا وانتبهت إلى ان «الطاولة» التي كنا نأكل عليها، كانت عبارة عن مجموعة من الملفات القديمة المربوطة مع بعضها البعض، فاستنكرت ان يفعل الموظفون ذلك، فقالوا لي انها ملفات «مركونة»، لمدرسين توفوا قبل سنوات بعيدة، ومن باب حب الاستطلاع فككت رباط الملفات وصرت اقلب الأسماء إلى ان استوقفني اسم: جعفر عباس سيد احمد..هذا الشخص اعرفه جيدا، وكان - رحمه الله - حسن المعشر وكرس معظم سنوات عمره لفعل الخير، وكادت دموعي ان تبلل الملف المهترئ، عندما صاح بي أحدهم: هل وجدت ملف أحد أساتذتك الراحلين؟ وماذا يفيد الحزن يا حبيبي؟ صحت فيه: كيف لا أحزن يا حيوان والميت أمامك هو أنا؟ تأكل الفول فوق جنازتي ولا تريد لي ان أحزن؟ كان ملف خدمتي ضمن ملفات أشخاص ماتوا قبل مولدي بسنوات طويلة، وعندها أدركت ان الله كتب لي عمرا جديدا بترك مهنة التدريس، ومن يومها وأنا أطالب بإغلاق وزارات التربية لأنها تدفن المدرسين وهم أحياء!! الغريب في الأمر هو أنه بعد العثور على ملفي لم يتم وقف راتبي رغم أنني كنت قد تقدمت باستقالتي، ولم أطالب بمكافأة نهاية الخدمة لأن الراتب الذي ظل يدخل حسابي المصرفي بغير وجه حق بلغ ضعف تلك المكافأة.





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة