الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٤ - الاثنين ٩ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٥ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


طبول الخراب





نظام الملالي الحاكم في طهران واحد من أصدق الأمثلة على المعضلة الخطيرة التي يجد العالم نفسه متورطا فيها حين يتاح للأنظمة الدينية المتطرفة الحصول على أسلحة متقدمة وتجنيد أعداد كبيرة من شعوبها للانخراط في صفوف الجيش طوعا أو كرها ليكونوا وقودا للحروب العبثية التي يشعلها ذلك النظام هنا وهناك لتطبيق رؤاه العقائدية المتطرفة ومحاولته الفاشلة فرض رأيه على العالم كله.

هناك حقيقة واضحة وضوح الشمس لا يريد نظام ملالي طهران الالتفات إليها، بل يبالغ في تجاهلها وإخراجها من حساباته، وهي أن القوى الكبرى في العالم اليوم لا تسمح لأحد مهما بلغ من القوة أو حاز من الأسلحة وجنــّــد من الجيوش أن يمس مصالحها الحيوية وفي مقدمتها وصول النفط إليها من دون أي معوقات لأنه الشريان الحيوي لاقتصادها ولحياة شعوبها، وأن أي محاولة للتأثير على تدفقه إليها باستخدام القوة العسكرية ستكون انتحارا لمن يقدم عليها، ويكفي مثالا على هذا ما حل بالنظام العراقي حين ارتكب جريمة احتلال الكويت ومنع تدفق نفطها إلى دول العالم وهدد باحتلال المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية للاستيلاء على منابع النفط فيها.

لست أظن تصريحات القادة العسكريين الإيرانيين بإغلاق مضيق هرمز وحرمان العالم من ٣٥ في المائة من الإنتاج العالمي للنفط الذي يمر من المضيق محمولا في ناقلات النفط العملاقة سوى محاولة للضغط على الرأي العالم العالمي وعلى صناع القرار في الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل لمنعها من محاولة مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية أو فرض حظر دولي على نفطها، ويكفي للتدليل على هذا أن قائد القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني صرح لإحدى القنوات الفضائية الإيرانية مؤخرا أن العالم لن يصمد ٢٤ ساعة إذا أغلقت بلاده مضيق هرمز ومنعت مرور النفط عبر هذا المضيق الحيوي، ما يعني أن إيران تعي تماما أن إغلاق المضيق معناه تهديد وجود النظام العالمي كله، ما يعني وضع العالم أمام خيار وحيد لا بديل له وهو الدخول في حرب مدمرة مع النظام الإيراني الذي يعي قادته تماما أنه أعجز من أن يحارب العالم بأسره، إلا إذا كان يريد الانتحار! لو أن النظام الحاكم في إيران كان حكيما ويريد الخير لشعبه وللمنطقة كلها ولا يسعى لفرض رؤاه العقائدية المتطرفة على العالم وجرّه إلى حرب جديدة مدمرة في منطقة الخليج العربي لما سعى إلى امتلاك السلاح النووي، ولما هدد جيرانه في دول مجلس التعاون الخليجي عسكريا، ولما سعى إلى قلب أنظمة الحكم فيها باستغلال الدين عبر إخضاع المواطنين الخليجيين الشيعة لعمليات غسيل مخ مستمرة منذ أكثر من ثلاثة عقود لتأجيج نار الحقد في قلوبهم على إخوانهم أهل السنة الذين عاشوا وإياهم قرونا طويلة في سلام ووئام وقامت بينهم علاقات مصاهرة وأخوّة لا تنفصم عراها، خصوصا في البحرين التي كانت واحة التعايش السلمي والأخوي بين أبناء الطائفتين إلى أن استولى نظام الملالي على الحكم في طهران في أواخر سبعينيات القرن الميلادي المنصرم فوضع لنفسه هدفا حيويا هو تصدير الثورة الإيرانية في ثوبها المتطرف إلى جميع دول الجوار عبر إخضاع شيعة المنطقة لنظام ولاية الفقيه الإيراني وخداعهم بأنهم بثورتهم على إخوانهم أهل السنة إنما يثأرون لآل البيت وينتصرون للثورة الحسينية ويكملون رسالته ويحققون هدفه بالثورة على من انتزعوا الخلافة من آل البيت ظلما وعدوانا، وهي مزاعم لا هدف لها سوى إخضاع دول الخليج كلها للهيمنة والسيطرة الإيرانية باستغلال عواطف الشيعة وحبهم لآل البيت الكرام.

كان يمكن لملالي إيران أن يحققوا لشعبهم رفاهية اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة لو أنهم جنحوا للسلم ومدوا أيديهم لإخوانهم في دول الخليج العربية لتكوين سوق اقتصادية مشتركة وتوقيع معاهدات دفاع متبادلة وتأسيس جيش جرار يدافع عن مصالح المنطقة وشعوبها، فإيران تملك موارد طبيعية هائلة وقوة بشرية كبيرة ولديها مصانع متطورة، فإذا اجتمع كل ذلك برأس المال الخليجي وبالسوق الخليجية الكبيرة وبالمساحة الجغرافية الممتدة من حدود باكستان وأفغانستان شرقا إلى البحر الأحمر غربا بكل ما فيها من إمكانات استثمارية فإن النتيجة تكون قوة اقتصادية وعسكرية وبشرية لا تقهر، لكن للأسف مازال النظام الحاكم في إيران يصر على دق طبول الحرب واستنزاف اقتصاده وشعبه وشعوب وحكومات واقتصادات المنطقة في مخططات تخريبية وتصادمية ستبدد قوى المنطقة وستؤول بالجميع إلى الخراب.





salah_fouad@hotmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة