الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٥ - الثلاثاء ١٠ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٦ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


أيام زمان لم يكن هناك «مشموم شيعي ومشموم سني»!





كلما زاد المحرضون على العنف في إذكاء الفتنة الطائفية بين أهل الديرة في البحرين، تمسكنا أكثر بأهمية تثبيت السلم الأهلي بين أفراد الطائفتين الكريمتين والدعوة إلى فرض المحبة بينهما، ولذلك أعجبني كثيرا ما تحدث به رئيس التحرير الأستاذ (أنور عبدالرحمن) في ملتقى (مجلس التنمية الاقتصادية) حيث قال: «البحرين لم تعرف الانقسام الطائفي على مر تاريخها، ورغم الأحداث السياسية المختلفة التي مرت على مدار الأعوام الخمسين الماضية، فإن الشعب البحريني الواعي المثقف كان لا يفرق بين سنة وشيعة، وكان أغلب الشباب السني يملأ (المآتم) في أرجاء المملكة كافة، مستعما ومتعلما من كبار علماء الشيعة وشيوخها الذين أثروا الفكر البحريني والخليجي، وكانت خطب الشيخ (الوائلي) الثرية بالعلم والحكمة والمعارف مقصدا لأهل السنة قبل الشيعة منذ عشرات السنين».

مثل هذه الأفكار نحن بحاجة إليها في هذه المرحلة الحساسة التي نمر بها حاليا في البحرين، ولعلي أضيف إلى ما قاله الزميل الأستاذ (أنور عبدالرحمن) ما عشته في طفولتي بمدينة المحرق، حيث كانت المآتم الشيعية تجاور المساجد السنية، ويتشارك أهالي المحرق ويتداخلون في المناسبات الدينية للطائفتين الكريمتين من دون تمييز أو حساسيات مفرطة، سواء في مواكب عاشوراء أو المولد النبوي، وكان الأطفال يتحركون ويتمازحون وهم يتداخلون في المواكب الحسينية ويتناولون الطعام ببراءة جميلة.. أما رجال الدين من الطائفتين (الشيعة والسنة) فكانوا يتزاورون فيما بينهم، وموائد الطعام في البيت تشهد على ذلك التآخي الرائع في الفكر الديني البحريني، أما الشباب الواعي والمثقف فكانوا يتبادلون الكتب، وكل شاب يستعير من أخيه كتابا جميلا أو ديوان شعر أو رواية أدبية.. بل إن شباب المحرق حين اشتغل بـ «السياسة» وجدتَ في الأحزاب السياسية القومية أو الناصرية أو البعثية أو اليسارية الاشتراكية أو الماركسية شبابا من مختلف المذاهب الدينية، بل تجد خلية حزبية فيها السني والشيعي من دون تمييز طائفي!

أما نساء المحرق فكنّ يشكلن النسيج الاجتماعي والأسري الرائع في كلتا الطائفتين، ليس فقط من خلال الزيارات المتبادلة في البيوت، ولكن بتبادل أطباق الطعام «والمشموم» والياسمين و«الرازجي»! وتبادل الأحاديث الودية أثناء الاستحمام أو غسل الملابس في عيون (فرجان) المحرق!

هذه الفسيفساء الجميلة التي عشتها في طفولتي بالمحرق أصبحت الآن مهددة من قبل المتعصبين والمتشددين، بل أصبحت للأسف تستورد العنف من الفكر الطائفي البغيض الذي لم تكن البحرين تعرفه ولا شعبها في السنوات الخمسين الماضية!

المسألة لم تعد فقط تستوجب انقاذا وطنيا.. بل انقاذ شعب يُقاد إلى حافة الهاوية.. شعب يلعب بمصيره الأجنبي والغريب والمصالح الدولية والاقليمية والاستخبارات الأجنبية.. فهل يقبل الحكماء (شيعة وسنة) أن يتدهور الحال إلى الكارثة؟!







.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة