الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٥ - الثلاثاء ١٠ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٦ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


هل تنجح جامعة الدول العربية حقا في التغلب على مسلسل الفشل الذي ظلت تتخبط فيه؟





لقد ظلت جامعة الدول العربية تعاني الشلل الناجم عن الخلافات بين الدول الأعضاء التي تحمل أجندات وتتبنى أيديولوجيات مختلفة رغم شعارات الوحدة والمصير المشترط التي ظلت ترفعها على مدى عقود من الزمن.

تجدد الحديث عن جامعة الدول العربية مع وصول وفد المراقبين إلى سوريا للاطلاع على حقيقة الأحداث في هذا البلد الذي يواجه أزمة هي الأخطر في تاريخه قد تؤدي إلى سقوط نظام دمشق، ما قد يحدث زلزالا في المشهد السياسي والاستراتيجي الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.

تأسست جامعة الدول العربية في شهر مارس ١٩٤٥ في مدينة الإسكندرية في مصر، أي قبل سبعة أشهر كاملة من نشأة منظمة الأمم المتحدة التي تتخذ من مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية مقرا لها.

ظلت بريطانيا منذ سنة ١٩٤١ تدعم مشروع الهلال الخصيب الذي يضم العراق والأردن وفلسطين وسوريا غير أن مصر قد اعترضت بشدة على ذلك المشروع في فترة كانت فيه القوة الاستعمارية البريطانية في منطقة الشرق الأوسط تتراجع.

نجحت مصر في تنظيم الاجتماع التأسيسي لجامعة الدول العربية في مدينة الاسكندرية وظلت القاهرة منذ ذلك الوقت المقر الرسمي لهذه المنظمة العربية، على أن المقر انتقل بشكل مؤقت إلى تونس في الفترة ما بين عامي ١٩٧٩ و١٩٩٠ بعد أن أقدم الرئيس الأسبق أنور السادات على إبرام معاهدة كامب ديفيد للسلام المنفرد مع إسرائيل وهو ما اعتبرته بقية الدول العربية خيانة للقضية العربية.

تضم جامعة الدول العربية اثنتين وعشرين دولة عضوا إلى جانب أربع دول أخرى مراقبة وهي البرازيل وإريتريا والهند وفنيزويلا. تعاقب على جامعة الدول العربية سبعة أمناء عامين منذ تأسيسها سنة ١٩٤٥، من بينهم أربعة مصريين. أما الأمين العام الحالي فهو الدكتور نبيل العربي وهو رجل قانون وكان يشغل منصب وزير الخارجية وتولى منصبه في شهر مايو ٢٠١١ خلفا لعمرو موسى الذي يعتبر من المرشحين إلى رئاسة مصر في المرحلة القادمة.

تعمل جامعة الدول العربية إلى حد ما وفق نمط عمل منظمة الأمم المتحدة غير أنها لا تمتلك مجلسا للأمن. تضم جامعة الدول العربية مجلسا اقتصاديا واجتماعيا ومجلسا آخر للدفاع، إضافة إلى العديد من اللجان الأخرى المختصة. يعقد قادة الدول العربية قممهم من دون أجندة محددة، حيث إن مثل هذه الأجندة تتوقف في الحقيقة على تطورات الأحداث. لعل هذه النقطة بخاصة تشكل أحد أهم أسباب فشل جامعة الدول العربية على صعيد التخطيط الاستراتيجي البعيد المدى.

ظلت الخلافات والانقسامات تمثل السمة الرئيسية التي طغت على تاريخ جامعة الدول العربية. لقد كان ذلك ناتجا إلى حد كبير عن وجود فئتين من الدول في صلب جامعة الدول العربية: فئة أولى تضم الدول المحافظة مثل الدول الخليجية والمملكة المغربية. أما الفئة الثانية من الدول العربية فهي تلك التي كانت محكومة من قبل أنظمة ثورية على غرار مصر وليبيا وسوريا والعراق. مرت جامعة الدول العربية بفترة فراغ وخاصة في فترة الستينيات بسبب طغيان مسألة السيادة الوطنية على حساب مسألة الوحدة العربية، الأمر الذي حال دون بلورة خطط استراتيجية مستقبلية للبناء الاجتماعي والاقتصادي البيني العربي.

في منتصف السبعينيات من القرن الماضي دفعت سلطات دمشق بآلاف من الجنود السوريين إلى لبنان المجاور بهدف وقف الحرب الأهلية التي نشبت بين الفرقاء اللبنانيين سنة .١٩٧٥ تولت جامعة الدول العربية نشر قوات عسكرية ردعية بلغ تعدادها ثلاثين ألف جندي وقد تركبت تلك القوات أساسا من السوريين غير أن تلك القوة لم تثبت كفاءتها على أرض الميدان في لبنان ليتم حلها سنة .١٩٨٣

تعرضت مؤسسة جامعة الدول العربية لهزة أخرى عنيفة خلال سنوات التسعينيات من القرن الماضي، فخلال حرب الخليج الأولى صوتت اثنتا عشر دولة عضوا فقط على قرار عربي يدين الغزو العراقي للكويت ويدعو إلى المساهمة في الائتلاف العسكري الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب من أجل إخراج الجيش العراقي من الكويت.

أما فيما يتعلق بالصراع التاريخي بين إسرائيل والفلسطينيين فقد ظلت جامعة الدول العربية ترفض الحلول الوسط وتعتبر أنه يتعين على إسرائيل مغادرة فلسطين. وعلى مدى تاريخها ظلت مسألة العلاقة مع الدولة العبرية تثير الخلافات الحادة بين الدول العربية الأعضاء.

في سنة ٢٠٠٢ طرحت جامعة الدول العربية في القمة التي عقدت في العاصمة اللبنانية بيروت مبادرة عربية لتحقيق السلام وإنهاء حالة اللاحرب واللاسلم في منطقة الشرق الأوسط. تعرض هذه المبادرة على إسرائيل السلام الكامل وإقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية في مقابل انسحاب الدولة العبرية من الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان. رفضت إسرائيل القبول بوثيقة مبادرة جامعة الدول العربية.

في مارس ٢٠١١، ارتقت جامعة الدول العربية وأعطت الضوء الأخضر من أجل فرض منطقة حظر جوي في ليبيا ما فتح الباب أمام تدخل منظمة الأمم المتحدة. أصبح الغرب يرى في جامعة الدول العربية شريكا مهما وهو ما يحملها مسؤولية كبيرة لتحقيق الهدف المنشود في سوريا.

ما مدى مصداقية مهمة جامعة الدول العربية في سوريا؟

في خضم الأزمة الطاحنة التي تواجهها سوريا حلت جامعة الدول العربية محل منظمة الأمم المتحدة باسم البحث عن حل عربي صرف وتفادي المساعي الرامية إلى تدويل الأزمة السورية الراهنة، فقد أصبحت منظمة الأمم المتحدة تعاني الشلل الذي أفقدها القدرة على معالجة الأزمة السورية. يعود ذلك أساسا إلى الموقف الذي تتخذه كل من روسيا والصين، اللتين ترفضان أي تدخل في الشأن الداخلي السوري وقد ظلت سلطتا موسكو وبكين تهددان باستخدام الفيتو من أجل إجهاض أي مساع في هذا الاتجاه.

يوم ٣ نوفمبر ٢٠١١ تبنت جامعة الدول العربية أخيرا خطة صارمة تنص على وقف العنف في سوريا وإطلاق سراح المعتقلين وسحب الجيش من المدن والقرى السورية والبدء بحوار بين النظام الحاكم في دمشق ومختلف أطياف المعارضة السورية.

يقول المحلل السياسي الخبير بشؤون الشرق الأوسط أكسيل بونياتويسكي:

«إن المبادرة التي طرحتها جامعة الدول العربية لمعالجة الأزمة السورية مهمة. يجب أن تمهد جامعة الدول العربية لإصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي لأنه سيكون من الصعب على روسيا والصين إبداء معارضتهما أو استخدام حق الفيتو».

لكن ألا يؤكد هذا الكلام ذلك الرأي القديم الجديد الذي يعتبر أصحابه أن جامعة الدول العربية لا تملك القدرة الكافية لضمان تنفيذ قراراتها؟

يقول أكسيل بونياتويسكي:

«إن منظمة الأمم المتحدة تدعم خطة عربية جديرة بالاهتمام كما أنها تحظى بمتابعة دولية».

لقد ظلت وسائل الإعلام والدوائر السياسية الغربية، والفرنسية على وجه الخصوص، تنتقد هذه المهمة وتبرز مدى محدوديتها، بل إن وسائل الإعلام الفرنسية اعتبرتها «مهمة عربية وهمية في سوريا» فيما اعتبرت دوائر أخرى أنه ما من حل إلا عبر تحويل ملف الأزمة السورية إلى مجلس الأمن الدولي.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة