مكاسب أمريكا خلف الكواليس
 تاريخ النشر : الخميس ١٢ يناير ٢٠١٢
بقلم: الشيخ د. عبدالله المقابي
دورانٌ مستمر حول رحى مكسورة لا تدور، مطامعُ وألسنٌ يسيل لعابها من أجل تغيير خرائط الخليج العربي، مخططات ومؤامرات تختلف في الرؤى وتتحد في المبدأ والهدف، تقارير تُصنّف دول الخليج بدول منهارة أو على شفا حفرة الانفجار، مناورات إيرانية، تهديدات أمريكية، استعدادات إسرائيلية، خوف وهلع وغموض يلف المنطقة العربية، صفقات أسلحة وتأهب ملحوظ عربيا وخليجيا، كأنها الحرب الثالثة على عتبات بزوغ نجمها.
ما الذي يجري في الأوطان؟ ما سيحكي لنا الزمان؟ كيف سيكون ما بعد هذه الأيام؟ أسئلة تدور في ذهن المواطن الغلبان، السياسة العالمية من شأنها أن تُدير رادارات التشويش لكل المستهدفين دولا وأفرادا، مؤسسات مدنية، وحقوقية، واجتماعية، أهلية وفردية، اللعبة السياسية حتى تنجح وتتمكن من التربع على عرش الفوز لابد أن تُدار من موقع الحدث، وبث الأخبار وتحريك عقول الناس الصغار قبل الكبار لتحقيق الهدف، المجتمعات تؤسس الدول والدول تؤسس القوميات والقوميات تؤسس الحضارات باختلاف مشاربها، والحضارات قيم وثوابت، وهذه القيم والثوابت تُعوق حركة الدول الغربية كأمريكا وغيرها، من صلب الأفكار الناجحة أن تتمكن أمريكا من صناعة الحضارة العربية، حتى لا تتعب في فرض أوامرها، والحصول على مصالحها، ومن أجل استمرار قوتها وموقعيّتها ينبغي لها الدفاع المعكوس، وهي استراتيجية غربية لها بُعدها التصوري لفرض هيمنة كاملة على العالم.
تغيير الجيوسياسية الدولية حل أمثل بالنسبة إلى الدول الغربية حتى لا تقع في شباك الضعف والحاجة، وهذا يتطلب الاستعانة بالدول الصغيرة ذات الثروات الكبيرة لمواجهة الدول الكبيرة ذات الثروات المحدودة، كي تبقى هي بعيدة عن دائرة الخسارة، وفي الوقت نفسه صاحبة القرار السياسي، لم تقتصر هذه السياسة على فرض الهيمنة فقط بل تعدت إلى فرض إثبات نفاذ القرارات العليا، فحين الحديث عن وطن مستقل سنتحدث عن وطن مُستَغَل، تستغله القوى الغربية للمصالح الأبدية.
تلك السياسة الأمريكية التي تسببت في سنوات طِوال للعالم العربي بانتكاسات سياسية واقتصادية وانهيارات حكومية وصراعات سلطة، وفقد للشرعية، ذلك لم يكن في مشهد بعيد عما يجري منذ ربع قرن، فالتدخل الأمريكي هو الشرارة الأولى لفشل الدول، مما يؤدي إلى تآكل تماسك الدول الأقرب إلى الهاوية، وحتى لا تتحول بحريننا التي نحرص على سلامتها واستقلالها وكرامتها وكينونتها إلى دولة مُستَغَلة، يجب أن يقوم كل مواطن بواجبه في موقعه ومن موقعه، الإعلام يشكل حرب خفية يسلب الحقوق ويُدين بلا مدين، استغلال الحرب النفسية فرصة أمريكية مع إيران، تستغلها قوى التأزيم في مملكة البحرين.
لقد غلبت أمريكا حين أعطت إشارة واضحة إلى الوفاق أولاً بالخروج إلى الشارع، وكان الضوء الأخضر الذي حوّل البحرين إلى ساحة حرب أهلية لم تنجح بفضل قيادة الوطن والمخلصين من أبنائه، ودخلت قوى غربية أخرى مغرضة تستهدف أمن الخليج العربي.
المشهد يتكرر من إيران: استعراض القوة ومناورات حربية تفرض مخاوفها على أمن الخليج العربي، بعيداً عن الأطُر التقليدية التي تُضعف موقف دول المنطقة، فإن لجوء مرجعيات الوفاق وغيرها من القوى يعيد الترتيب حسب الخطة الأمريكية، ليستفيد الطرفان من معاول هدم الوطن، وحتى تتمكن الدولة من مقاومة الاستنزاف السيجوسياسي ينبغي لها وضع حد فاصل يقلص من مساحة قوى التأزيم حجما وقوة، فالأمر لم يعد يُبشر بالخير لطالما تعاونت أمريكا مع قوى التأزيم في البحرين.
إن إدخال البحرين في الصراعات المتكررة هو إضعاف لهيبة الدولة ومكانتها، وتشويش أمريكا على البحرين يُعد تدخلا أجنبييا كما هو تدخل إيران في الشئون المحلية البحرينية، وهذه معادلة تُمهد التفرد بشأن القرار الخليجي بدول الخليج، ومع أن الوعي في الساحة المحلية كاف ووعي حكام دول الخليج العربي كافٍ إلا أن المخاطر تحيط المنطقة بشكل وآخر، ويمكن للبحرينيين أن يشاركوا الوطن مخاوفه، كما يمكن للبحرين أن تكون النموذج الرائد في الاستقلال بوضع حد مماثل كما الحد الفاصل للتدخلات الأجنبية والضغوط المتواصلة.
للبحرين سيادة شرعية ممثلة في حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، حفظهم الله جميعاً لهذا الوطن، هم أقدر على تحديد الصالح للوطن من دون إعطاء المزيد من الفرص للقوى الغربية للتدخل المفاجئ في شئون الوطن.
كما للقيادة أن تطمئن الشعب من خلال استمداد القوة منه، فالشعب رهن لإشارة آل خليفة الكرام، وطن ودين وملك، ولن ترهبنا المخططات الأجنبية التي تحاك في الظلام، كما هي دعوة للشعب إلى التمسك بالوحدة الوطنية، وتشجيع الناس على تفعيل مقومات السلم الأهلي والتعايش والتسامح، متسالمين ومتفقين بعيداً عن التصورات والتطورات الأمريكية الإيرانية.
إن الوطن بحاجة إلى سواعد أبنائه، والبعد عن كل ما يثير الريبة عليه، فإن كان القدر أن تُضرب إيران فالبحرين ليست إيران، ولن نسمح لإيران ولا أمريكا بزج البحرين في متاهات الحروب لمصالحهما التي خلف الستار.
حفظ الله البحرين سالمة من كل شر.
.