صراع القوى والإصلاح الوطني في متغير دولي وإقليمي
 تاريخ النشر : الخميس ١٢ يناير ٢٠١٢
بقلم: د.محمد رضا بوحسين*
ان العمل السياسي للحكومة هو فن إدارة شئون الدولة، والمعارضة جزء من النظام السياسي في الدولة وأصل من أصول الديمقراطية تهدف إلى تحقيق أفضل النتائج بكفاءة واقتدار بهدف حماية السيادة والمصلحة الوطنية العليا. فالحكومة والمعارضة ليستا معاول هدم، بل هما أدوات للتطوير والتنمية يمكنهما تحقيق أفضل النتائج إذا ما قامتا بقراءة صحيحة للمتغيرات الدولية والإقليمية المؤثرة في الشأن الوطني، وإذا ما استقرت قاعدتهما على مبادئ حسن النية والثقة المتبادلة وتكاتف الطرفين لتحقيق المصلحة الوطنية أثناء الأزمات إلى رواسي الاستقرار والثبات.
بعد تقرير تقصي الحقائق، الذي تضمن توصيات واقتراحات حتى ان لم تكن كلها ملزمة، علينا اليوم تعزيزه بخطوات سياسية من جانبي الحكومة والمعارضة بكل أطيافها بتدابير عملية «جريئة» بما في ذلك تشكيل لجنة التعويضات والمصالحة الوطنية على هدى ما استقر عليه العمل في المجال الدولي في بعض الدول، لتضميد الجروح الموروثة ورص بنيان الوحدة الوطنية ونسيج التعايش الاجتماعي، ووضع برنامج وطني توافقي وثيق الصلة بإصلاحات جذرية للبنية التحتية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية لضمان تنمية واستقرار دائمين لا تتخللهما الصراعات التي ترجع عملية التنمية إلى الوراء، حتى إن تطلب ذلك، ما يجاوز توصيات ما جاء بتقرير لجنة تقصي الحقائق، لأننا هنا نتعامل مع وطن يتسع لخلافات البيت الواحد، فلا يمكننا في هذه الظروف المساومة عليه والتخلي عنه أو نقله إلى المجهول في عالم متغير القيم والمفاهيم والمعايير.
إن الخطوات والإجراءات التي تم إعدادها والسير فيها بعد التقرير إذا ما استمرت في اتجاه سليم فإنها يمكن أن تحقق نتائج ايجابية على المستوى الوطني. إن تقرير لجنة تقصي الحقائق قد تضمن عددا من المحاور الرئيسية الشمولية موجهة من ناحية إلى الحكومة بسلطاتها الثلاث وإلى المعارضة بجميع أشكالها بما فيها الجمعيات السياسية من ناحية أخرى، وللمجتمع البحريني بجميع أطيافه التي تشكل الوحدة الوطنية، ومن هذه المحاور يمكننا استخلاص عدد من الحقائق المهمة وفقا لما يلي:
١- إن تعزيز مبادئ الديمقراطية يكمن في القدرة على توظيف هذه المبادئ في إحداث تغيير حقيقي في مفهوم التطوير والتنمية في المجتمع، من خلال عمل جميع القوى السياسية المتصارعة بمختلف تياراتها واتجاهاتها الوطنية بحيث يكون اتجاه بوصلتها المصالح الوطنية.
إن الاتفاق على عدد من المسائل الاستراتيجية التي تهم حاضر ومستقبل مملكة البحرين، وبناء قاعدة من الثقة المتبادلة التي يمكن أن تكون انطلاقة لمستقبل زاهر، وحسم اغلب المسائل الملحة من المطالب الشعبية بأقل الخسائر والأضرار على المستويين الشعبي والوطني يبقى هو الأصل المطلوب للمرحلة القادمة.
وهنا يجب التنبيه على جميع الكتل والقوى السياسية أن توظف هذه الخلافات والصراعات تأسيساً على ما هو الأصلح من الأطروحات والبرامج لهذا الوطن، وأن يكون هذا هو شعار وعنوان الصراع والاختلاف، لا أن يكون هذا الصراع قائما على تفتيت الوحدة واللحمة الوطنيتين منتهجا سياسة التمييز الطائفي الغريب على مجتمع البحرين، وإلا عد هذا الخلاف أساسا لزعزعة الاستقرار السياسي القائم على تماسك وتلاحم الطائفتين الكريمتين اللذين تمثلان جسد الوحدة الوطنية في البلاد.
٢- إن احترام سيادة القانون تشعر الفرد والمواطن بالطمأنينة والاستقرار ويمكنهما من الإبداع والتطوير وخدمة الوطن، وإن انتهاك القانون وتجاوز أحكام الدستور الذي هو قوام نظام الحكم وأساس التوصيف للسلطات الثلاث وصلاحياتها في الدولة، يعدان هدما للشرعية وانقلابا على نظام الحكم.
فاحترام سيادة القانون يؤدي إلى الاستقرار الاجتماعي بين فئات الشعب كافة وثقتهم بنظام الحكم والسلطات الثلاث، فلا يمكن زعزعتها واختراقها مهما تعاظمت المشاكل والأزمات، لأنه مهما كانت درجات اختلافنا تبقى خلافات حول فن الأفضل لهذا الوطن الذي يحتضن الجميع.
فعلينا جميعاً مواجهة الغضب بالحلم، والعنف بالحكمة، والاندفاع بالاحتواء، والدعوة الخطرة إلى تمزيق الوحدة الوطنية بالطائفية المقيتة بزيادة اللحمة الوطنية وإصلاح ذات البين، وإيجاد منظومة سلسة لتواصل القاعدة الشعبية مع القيادة السياسية.
٣- إن شعب البحرين شعب ذو موروثات تاريخية متجذرة على التسامح والتآخي والتعايش الاجتماعي والوحدة كالبنيان المرصوص في أوقات الشدة، سطرتها الوقائع ودونتها كتب التاريخ عصية على جميع من حاول بها سوءا وتصدى لتفتيتها، فهذه الوحدة هي صمام الأمان والحقيقة الصلبة لعز هذا الوطن وقوته ومكانته المتميزة، وهي المعادلة الصعبة التي لا يمكن لأحد النيل منها والتلاعب بها مهما حاول العابثون والمغرضون، فحماية النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية هي الأساس الحقيقي لحماية السيادة الوطنية.
فالتعددية المذهبية في مجتمعنا ووطننا هي حقيقة تاريخية واجتماعية ينبغي التعامل معها بحكمة وروية وبعد نظر من أبناء هذا الوطن الذين جمعتهم دوماً الأخوة والمحبة، حتى تزول كل العناصر السيئة التي تحاول النيل من هذين الوحدة والترابط.
٤- إن الإصلاح الوطني وبخطوات سريعة عليه أن ينتقل بالوطن إلى مرحلة جديدة تستوعب طموحات وآمال الشعب كافة في إطار الثوابت والسيادة الوطنية مع استيعاب التغيرات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، لتكون البحرين في ثوب جديد بمقومات وعمق استراتيجي ثابت.
إن البرنامج الإصلاحي الذي وضع أساسه جلالة الملك في السنوات الأخيرة وإن كان بطيء الخطوات، إلا أنه يمكن أن يكون الأساس الذي عليه المعوَّل في المرحلة المقبلة، على أن نجاح أي إصلاحات لا يستقيم إلا بوحدتنا الوطنية، فانه على اختلاف مذاهبنا السياسية والدينية والفكرية يبقى هذا الوطن للجميع، وبوحدتنا وتعاوننا وتكاتفنا يمكننا أن نبني هذا البيت الكبير بما يحفظ حرماته وسيادته.
اننا على ثقة بأن البحرين برقعتها الجغرافية الاستراتيجية الصغيرة، وبعدد سكانها الصغير ذوي الكفاءة العالية والخبرات المتراكمة ونظامها القانوني والتشريعي، قادرة بقوة وصلابة على أن تقود عملية تطوير وتنمية اجتماعية واقتصادية وسياسية وتعليمية وبشرية متميزة على مستوى الشرق الأوسط من خلال برنامج إصلاحي يضع قواعده نظام سياسي وقانوني، يحدد من خلاله موقع البحرين ويعزز قوتها ومكانتها في مستقبل الشرق الأوسط.
*محام ومحكم دولي
.