الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٥٣ - الأربعاء ١٨ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


بإرادتنا نصنع الحل ونفشله أيضا





كان الأمل يحدو الكثير منا في أن تكون التوصيات التي خرجت بها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة البروفيسور محمود شريف بسيوني بمثابة شرارة البداية للخروج من الأوضاع غير الطبيعية التي وجدنا جميعا أنفسنا فيها بعد الأحداث المؤسفة والأليمة التي عصفت ببلادنا بدءا من شهر فبراير من العام الماضي ولاتزال توابعها وتداعياتها تتوالى حتى يومنا هذا، لكن ذلك الأمل اصطدم بعوائق كثيرة أثرت في مستوى درجة التفاؤل الذي دب في نفوس الكثير من أبناء البحرين بعد تلك التوصيات، حيث أحداث العنف تتواصل في العديد من مناطق البحرين وخاصة المناطق القروية فيما خطابات التأجيج بشقيها السياسي والطائفي تتوالى عبر مختلف وسائل الاتصالات وأخطرها وسائل الاتصال الاجتماعي عبر مواقع «الفيسبوك» و«تويتر» وغيرها.

قلنا ونكرر اليوم ان قناعتنا شبه مطلقة في أن توصيات البروفيسور بسيوني ليست مفتاحا سحريا يفتح لنا باب الخروج من الوضع الشاذ وغير الطبيعي الذي نمر به حاليا، فهذه التوصيات لا تعدو كونها علامات تدلنا على الطريق الذي يساعدنا على الخروج من هذه الأوضاع ولكن ذلك يتوقف على الإرادة الجماعية لمختلف أطراف المعادلة الوطنية، الرسمية منها والشعبية، فما لم تتوافر الإرادة الصادقة والحقيقية، وما لم يتخل البعض عن عقلية التهميش والإقصاء وخطاب التجزيء المقيت، فإن تلك التوصيات لن يكون لها تأثير ولا مكان سوى أرشيف المحفوظات.

ولكي لا تكون هذه التوصيات مادة أرشيفية فالمطلوب ترجمتها كلها من دون تجزيء، إلى واقع ملموس بالنسبة إلى جميع القضايا التي تناولها تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وخاصة أن جميع أطراف المعادلة الوطنية قبلوا بهذه التوصيات ورحبوا بنتائج التحقيق التي توصلت إليها اللجنة، إضافة إلى أن جميع الأطراف متفقة على ضرورة ترجمة التوصيات إلى أفعال، ولا ينتقص من هذه الحقائق أن هناك اختلافات بين هؤلاء الفرقاء حول آليات الترجمة (تنفيذ التوصيات)، وسرعتها وأولية تنفيذ هذه التوصية قبل غيرها.

مثل هذه الاختلافات يجب النظر إليها على أنها أمور طبيعية تحدث ويمكن لجميع الفرقاء تجاوزها والتغلب عليها إذا ما توافرت عوامل الثقة واطمأن جميع الأطراف بأن هناك ترجمة حقيقية لهذه التوصيات تتمثل في معالجة ملموسة للقضايا التي تتحدث عنها مثل قضية المفصولين من أعمالهم في القطاعين العام والخاص حيث لايزال عدد ليس بالقليل، في مؤسسات القطاعين لم يعودوا إلى أعمالهم، مثل أساتذة جامعة البحرين وبعض الأطباء وغيرهم من العاملين في الشركات الكبرى والذين من المؤمل بحسب تصريح رئيس اللجنة الوطنية المعنية بتوصيات اللجنة علي الصالح أن يتم إغلاق ملفهم بشكل نهائي مع نهاية الشهر الجاري.

أمامنا بلا شك مهمة وطنية كبيرة تتعدى مسألة تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، فهذه التوصيات ليست سوى جزء من مقترحات للخروج من الوضع الذي نحن فيه حاليا، فالتداعيات والانعكاسات السلبية التي خلفتها الأحداث الأخيرة على نسيجنا الوطني ليست قليلة ولا يمكن الاستهانة بها وبمدى تأثيرها في تنفيذ تلك التوصيات أيضا أو جزء منها، فقد سمعنا في أكثر من مرة أصواتا تقول إن التوصيات ليست جميعها ملزمة، فيما تخرج تصريحات من السلطة التنفيذية تؤكد التزام الحكومة بتنفيذ تلك التوصيات وبأنها عاقدة العزم على ترجمتها جميعها إلى واقع ملموس بهدف معالجة تداعيات تلك الأحداث.

ومن الطبيعي جدا أن نجد أنفسنا في دوامة من الجدال واحتدام النقاش والاختلاف حول آليات وطرق معالجة تداعيات الأحداث المؤلمة التي نعيشها في الوقت الحاضر، ولهذا يجب ألا نفاجأ بتباين المواقف والرؤى من توصيات لجنة تقصي الحقائق ومدى الالتزام الأخلاقي بتنفيذها، لكن علينا أن ندرك جميعا أن التوصيات المذكورة هي جزء من مقترحات للخروج من الأوضاع غير الطبيعية في بلادنا، وبالتالي فنحن مطالبون بأن نبحث عن سبل ومنافذ أخرى تساعدنا على الخروج من هذه الأوضاع، وليست التحركات التي شرع فيها بعض الفعاليات الوطنية المشكلة من مختلف مكونات شعبنا العرقية والمذهبية إلا محاولة للبحث عن مثل هذه المنافذ.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة