الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٥٦ - السبت ٢١ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٧ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


عندما يعـلّـم الأب ابنه الكذب..





ميكيافيللي هو صاحب مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، فأوجد نظرية تبرر كل اللاأخلاقيات التي يمكن أن تمارس في الحياة.. ولأن الأهداف النبيلة دائماً تتحقق بوسائل نبيلة، فإن نظرية مكيافيللي شرّعت استخدام الوسائل الرذيلة لممارسة الرذيلة، فشرّع لنا الغرب المتحضر كل الأكاذيب لتبرير بشاعة وسائل الاستعمار في استعباد الشعوب والمتاجرة بالبشر والقضاء على السلالات البشرية بذريعة نشر الحضارة والمدنية، وكان الكذب وسيلة غايتها القضاء على المبادئ والقيم التي تتصدى للعبودية والظلم وكل الممارسات اللاأخلاقية.

ولكن مع بدء عصرنا الجديد، واستفراد قطب واحد بمصائر الأمم، بات الكذب وسيلة العصر في تحقيق الغايات الكبرى، وفي تحطيم المبادئ الشريفة والوطنية وجعل الفرد رقماً في الكون لا أصل له ولا انتماء ولا هوية، وتحويل الإنسان الى عنصر مادي لا يعترف بغير المصالح المادية.

حاولت خلال الأشهر الأخيرة مراقبة وسائل عصرنا الجديد هذا، في ترتيبات النظام الدولي الجديد الذي بدأ على أنقاض الحرب الباردة، فلم أجد غير الكذب وسيلة لتحقيق غايات نظام القطب الأوحد، وفي تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد.. وتمكنت من جمع حصيلة من المعلومات المرعبة التي تعتمد كلها على الكذب وسيلة، والانتقام والجريمة غاية.

وأكثر ما يرعب في هذه المعلومات هو أن الكذب صار ممارسة مشروعة، يتم التدريب عليه، في الشكل والمضمون، في القول والممارسة، كتابة ومشافهة، وفي التاريخ والدين والعقيدة والعبادة..

وفي الواقع السياسي البحريني حصلت على أبشع المشاهدات، حيث الكذب بات متداولاً بشكل مشروع، وصار حقنة يومية يُحقن بها الشارع لينفذ أجندات سياسية مغلّفة بالعقيدة، فأصبح الكذب وسيلة السياسيين، ومرجعياتهم، للسيطرة على أتباعهم، وهم عالمون أن توقف هذا السيل من الكذب سيجعلهم بدون أتباع..

ولربما وصل الكذب الى مداه عندما نشرت جمعية الوفاق الإسلامية، الأسبوع الماضي، كلام ملك البحرين في اجتماعه مع مجموعة من أفراد الشعب بما لم يأت على لسانه، ولأن الاجتماع كان مفتوحاً مع ما يزيد على ثلاثين من أفراد الشعب، وكنت أحدهم، فقد كان الكذب مدوياً ومكشوفا الى أدنى مستويات الانحطاط الأخلاقي.. والأكثر تدنياً من الكذبة الأولى هو ما جاء، بعد ذلك، في خطاب أمين عام الجمعية رداً على تلك الأكاذيب التي صنعوها بأنفسهم.. فيا ترى كيف يرى الكذابون أنفسهم؟.. وهل يتوقعون الاحترام من المحترمين؟

بل ربما الأقسى من هذا المشهد المكشوف هو مشهد الابن الذي يكذب في حضور والده وبمساعدته، وهو ما لاحظناه عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.. فها هو ذاك الابن المراهق يخترع الكذب وينشره في التويتر عن أخبار والده الناشط، وتلك الابنة تكذب فيما تنشره من معلومات صنعتها مع والدها حول البحرين، لتقنع الإعلام بأهمية دور والدها في قيادة الفوضى لإفشال دور جمعية الوفاق وقادتها، وتلك الابنة التي صارت بوقاً يردد أكاذيب صنعها والدها.. فهل هناك تدنٍّ أخلاقي أدنى مما نراه كل يوم في هذه الأحداث المتكررة؟ لربما يتمكن المبتذلون أخلاقياً من ممارسة كل البشاعة مع الآخرين، ولكن عندما يصل الابتذال الأخلاقي إلى مستوى تعليم أبنائهم احتراف الكذب فهذا هو الدرك الأدنى الذي لن يجدي معه أي إصلاح أو علاج أخلاقي.. فهل يتوقع الكذابون أن يحترمهم الشعب البحريني، أو يمنحه الثقة في إدارة شئون حياتهم ووطنهم؟؟

كل ما نحتاج اليه اليوم هو مواجهة الكذب والكذابين بما اقترفوه من فواحش، فلا تترددوا في فضح المسرحيات الكاذبة والمصطنعة، ومواجهة كل كذاب بأكاذيبه، وحاربوا الكذابين قبل أن يقضوا على قيمنا ومصداقية مجتمعنا المتسامح.. فهم ليسوا منا، ونحن لسنا منهم





sameera@binrajab.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة