مؤشر الحرية الاقتصادية وتداعيات الاقتصاد الليبرالي
 تاريخ النشر : الخميس ٢ فبراير ٢٠١٢
محمد عيسى الكويتي
اصدر مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية توقعاته حول النمو للاقتصاد البحريني لعام ٢٠١٢ ويرى انه سيتعافى بنسبة تصل الى ٥% في بداية العام تصل الى ٧% في نهاية العام. ويعزو المركز هذا التعافي السريع الى عوامل مثل السياسات المالية والزيادة في الانفاق الحكومي الذي تجاوز ٣ مليارات دينار، والى تطوير حقل البحرين والى زيادة انتاج البتروكيماويات والبا والحديد والصلب ليرتفع بذلك نصيب الصناعة التحويلية في الناتج القومي الى ١٨%. ويواصل المركز أن هذا الأمل في «معدل نمو مرتفع لعام ٢٠١٢ يظل مرهونًا باعتبارات الاستقرار السياسي والأمني، وهو الاستقرار الذي يتعزز بالإدراك الجمعي لكل المواطنين كونهم في قارب واحد، وعليهم التعاون معًا في تسييره في رحلة التقدم التي يستفيدون منها جميعًا بشكل متوازن».
بهذا يصل المركز الى نتيجة مفادها ان نجاح هذه السياسات وحدوث التعافي الاقتصادي مرتبطا بأمرين: اولهما ان عودة الاستقرار والامن الى البلاد والتعاون المجتمعي في تسيير المركب تتم من خلال دولة مدنية ديمقراطية ومشاركة سياسية في القرار الاقتصادي والسياسي، اي ان النجاح الاقتصادي يعتمد على اصلاحات سياسية. تكون الاصلاحات من خلال مشاركة سياسية تتيح مناقشة السياسات الاقتصادية وتتفادى سلبيات التوجه الليبرالي التحرري الذي ينتهجه مجلس التنمية الاقتصادي والذي عبر عنه مؤشر الحرية الاقتصادية الذي حصلت البحرين على مركز متقدم فيه.
والامر الآخر هو ان المرتكزات القوية التي بدأنا بها في السبعينيات والثمانينيات كانت تعتمد على تدخل الدولة في انشاء المؤسسات الاقتصادية الكبيرة، فتم انشاء البا والشركات التي انبثقت منها مثل جارمكو وبلكسكو ومثل البتروكيماويات وغاز البحرين وغيرها. ما قمنا به في تلك الحقبة لم يكن اقتصادا حرا ولم يكن بمبادرة من القطاع الخاص، بل كان بمبادرات حكومية وبالتعاون مع دول خليجية.
هذا يطرح تساؤلا حول منطق الدفع باتجاه الاقتصاد الحر والتباهي بالحرية الاقتصادية التي نجد ان امريكا واوروبا لا تحرصان على المركز الاول بل انهما توفران الحماية لمنتجاتهما الزراعية وتدعمان الصناعات الناشئة. ان الحرية الاقتصادية بمفهومها الليبرالي لم تعد هدفا ولا تخدم البحرين والخليج، ولن نتمكن من اقامة اقتصادات قوية معتمدين على القطاع الخاص وحده.
حذرت من ذلك قيادات اقتصادية كثيرة وانتقدت الاتفاقيات للتجارة الحرة التي لا تستفيد منها سوى الدول الاقوى اقتصاديا وانتاجيا، ومن بين المحذرين من الليبرالية الاقتصادية رئيس السياسات الاستراتيجية لتنمية العولمة في مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية (اونكتاد) ويقول: ان الدول قد تضطر الى «هدم حزمة السياسات الاقتصادية الصادرة تحت مفهوم هذه الليبرالية وبناء سياسات اقتصادية جديدة».
يرى الخبير الاقتصادي ان التحولات في الدول العربية عليها ان تلتزم في تطورها الاقتصادي بخمسة محاور اولها دوافع تمرد الشعوب، ويرى ان هناك عوامل مشتركة لهذا التمرد اهمها تجديد العقد الاجتماعي بين انظمة الحكم والمواطنين وايجاد حدود صريحة للحريات السياسية والمدنية والتصدي لانتهاكات حقوق الانسان. كما ان هناك غايات مشتركة تدعو الى محاسبة فضلى واطلاق الحريات واستعادة الكرامة الانسانية واشراك المواطن في الحياة السياسية.
المحور الثاني هو ان للأزمات السياسية خلفية اقتصادية، فبعض الدول العربية بنت قطاعا عاما قويا، ومنها اعتمد على النفط «لعنة الموارد الطبيعية»، ومنها من ارتبط بمصالح استراتيجية اجنبية. هذه النماذج العربية الثلاثة تضع قيودا بنيوية استعمارية موروثة تحدد نوعية الاقتصاد الممكن ضمن هذه القيود وجعل الدول إما اسواقا لمنتجات الغرب وإما مصدرا لرؤوس الاموال.
المحور الثالث هو ان اداء الاقتصاد العربي به سلبيات متعددة منها زيادة التجارة مع الغرب على حساب التجارة البينية، وظهور الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على الدخل السهل وفوائض النفط. ومن السلبيات كذلك فشل التنوع الاقتصادي وغياب الرؤية التنموية لتوجيه الاستثمار نحو بناء القدرات الانتاجية الصناعية والزراعية. هذه السلبيات ادت الى عدم القدرة على معالجة مشكلة البطالة المزمنة والفقر بالرغم من محاولة معالجتهما من خلال صناديق الضمان الاجتماعي وتوفير وظائف برواتب متدنية لا ترتفع مع الانتاجية الاقتصادية.
المحور الرابع يتعلق بعقيدة الليبرالية الجديدة في الدول النامية، حيث يرى ان تتبنى هذه الدول سياسات تحارب التضخم وتحد من العجز العام والمديونية للحفاظ على التنافسية بخلاف ما يوصي به دعاة الحرية الاقتصادية .
المحور الخامس وهو الاهم الدعوة الى نبذ الليبرالية الجديدة العربية والتحذير من آثارها المدمرة على سيادة الدولة والقدرة الانتاجية ومحاربة الفقر، فقد قال المنادون بهذه الليبرالية عن مصر وتونس انهما مثال للنجاح ودعتهما الى المزيد من الخصخصة والاستثمار الاجنبي وخفض الانفاق العام وفتح اسواقهما للمنافسة الاجنبية. كما حاولت اغراء سوريا وليبيا الى المزيد من التحرر والانفتاح الاقتصادي على قياس اجماع واشنطن.
النتيجة التي وصل اليها هذا الخبير وغيره هي ان الحرية الاقتصادية غير المدروسة ستكون مدمرة للاقتصادات العربية، واستنزافا لمقدرات دول وصل نظام الحكم فيها الى نهايته المنطقية كما حدث في تونس ومصر وليبيا.
خلاصة ذلك انه لا توجد اسس متينة للاقتصادات العربية التي تجعلها قادرة على تحمل تبعات الحرية الاقتصادية والمنافسة العالمية، وبالتالي علينا البحث عن نموذج مناسب لطبيعة اقتصادنا وألا ننجر نحو التحرر غير المدروس، وان تهتم الدول العربية بالمصالحة السياسية مع شعوبها لتكوين ارضية صلبة للاقتصاد، واعتماد مبدأ المشاركة والمساءلة والمحاسبة في اتخاذ القرارات لبناء اقتصاد ناجح قوي يناسب تطلعات شعوبها.
.