الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٦٨ - الخميس ٢ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


«الوفاق» وسياسة الهروب التدريجي





ما أسهل صناعة الأزمات وأصعب الخروج منها! كما ما أسهل التفوه بالكلمات وسرعة التنصل عنها! هوية من لا هوية له تسمى التفنن في التلون، لكن العجب ليس في الهوية بل في الشخصية، إذ لا مجال لتفسير سلوك البشر على نحو مغاير عن وصف الموصوف وقوفاً على دقائق التصرفات اللاإرادية بالتحديد، وهنا يضع العلماء صورة للشخصيات الخيلائية التي تتصور العظمة وهي لا تملك عظمة، هذه الشخصيات الفتنوية التي تزرع الشر وتدعي الخير، إلا أن الواقع يكشف خُيلاءها من خلال عمق الفجوة بين الصورة القولية والصورة الفعلية، فلا مقارنة بين ما تستبيح لنفسها منه وما ترفض وجوده في الغير.

بانت ملامح الصفقة الأمريكية - الإيرانية وهي التي شددت عليها خلال الفترة الماضية من وجود مصالح خلف الكواليس، هي ذاتها سياسة الترعيب والترغيب، عادةً ما تكون هذه السياسة هي العاملة الوحيدة للتوفيق بين السياسات المختلفة، وهي من السياسات المتفردة لجمع سياسة الاستقواء والاسترضاء والاستقلالية، ومن خلالها يمكن للعدو أن يدخل في ساحة الحرب بلا خسارة لخفة العناء وشدة السرعة والدهاء وقلة المؤونة.

وكي تتضح الصورة أكثر نضرب مثالاً للتعاون الأمريكي مع الوفاق وتفخيمها وتعظيمها والاهتمام بها وهي لا تمثل الشعب البحريني، وتعامل أمريكا مع مملكة البحرين بمن يمثلها ومؤسساتها الرسمية والأهلية، جهات أمريكية تصرح خلاف ما يصرح به البيت الأبيض بشأن البحرين، مع العلم أن المسائل بجميع مدلولاتها كُشفت للرأي العام على وجود مجموعة إرهابية تتعمد نشر الفوضى في البحرين تابعة لأجندات خارجية ذات علاقات متعددة، ومنها جمعية الوفاق (التي تبنت أكثر من ٥٠ مطلبا) وتلونت بالإسلامية والليبرالية والعلمانية ولم يبق إلا أن تقول هي مطالب مسيحية كي تبعد الأنظار عن (ولاية الفقيه).

هذه الصورة ذاتها صورة أمين عام الوفاق حين يتلون بألوان النفاق، يُوزع النصائح ويدعي بالسلمية في التصريحات، وينفي علاقته بولاية الفقيه، وينفي وجود أجندات خارجية أو أجنبية، وينفي تعاونه مع حليفته الأمريكية ، وينفي التآمر ضد الوطن، وينفي عدم تعاونه مع القيادة، وفي الأفعال صفوف المغامرة من قيادات الوفاق تُصرح مرة تلو الأخرى بأننا عائدون إلى (الدوار).

يبدو أن حالة الخيلاء التي حققتها له الإدارة الأمريكية أنسته ما يفعل بالمقابل في تحدي الجهات الرسمية وقوى الأمن بزيادة وتيرة العنف والتحريض، وهو تحد لا تقواه إلا دولة لدولة، وفي النهاية يقول سلمان نحن لم نقرر بعد الرجوع إلى (الدوار)، هي السياسة ذاتها الإيرانية الأمريكية في مغازلتهما العالم، وللأسف فإن البحرين لم تُدرك هذه السياسة حتى الآن لاستخدامها سياسة الاسترضاء بدلاً من سياسة الاستقلالية.

هؤلاء جميعاً ينتمون إلى المدرسة الأيديولوجية نفسها، بذلك يسيطرون على مفاصل الحلول ونفيها، والأدهى من ذلك وجود علاقة وثيقة بين الليبرالية التي يدعو إليها سلمان والعلمانية التي تدعو إليها الجمعيات التابعة للوفاق، وهي سياسة أمريكية صنعها رئيس السياسة الأمريكية للشئون الخارجية للخليج وإيران، وهو نفسه المحامي لإسرائيل الذي يدعو إلى ضرب منشآت إيران النووية، وهو من يدعو الوفاق إلى التصعيد في مخالفة لتصريحات أوباما، بالصورة نفسها تصريح الوفاق ومرجعياتها التي أطلقت (اسحقوه) وتراجعت بالتملص من معنى لمعنى آخر، وحتى يعلم المواطن برودة الحرب التي تفرضها الوفاق على مملكة البحرين في تأسيس سياسة دبلوماسية مكشوفة مشوبة بالكذب والخداع، بالتعاون مع أمريكا ومصالحها بطريقة تغليب القوة الناعمة، بغرض الفرض وترجيح العرض لتعيد تموضعها يوماً بعد يوم، ونؤكد أن المصالح الأمريكية لا يُمكن أن تتغير من إدارة إلى أخرى، كما لا يُمكن لسياسة الوفاق أن تتغير من إدارة إلى أخرى، وإن اختلف الفارق، ففي أمريكا توجد ديمقراطية مدفوعة بالمال للمحافظين والخُطوط الأخرى، أما في الوفاق فالدكتاتورية هي الصورة المتبلورة على السطح وفي العمق، فلا يمكن أن يحل محل علي سلمان من هو صورة أصل بلا طِبق، ولو رجعنا إلى الوراء قليلاً لوجدنا أن الكتلة الإيمانية هي التي رفعت شعار الإصلاح في عهد، وهي التي تُدمر البلاد اليوم، فالسياسات المأجورة هي خيارٌ وفاقي دائم.

ولابد لنا من كلمة أخيرة في شأن القيادة الرشيدة الملكية الخليفية المتمثلة في: صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، حفظهم الله جميعاً، من لم يتعنت بقول ولم يتشدق بفعل، ولهم أصول في الكلمة الداعية إلى البناء مستمدين ذلك من العادات والتقاليد التي ورثوها من أجدادهم، سياسة العائلة الحاكمة التي تأسست على صياغة الواقع وتعميم الخير لمن يحب الخير، أبواب مفتوحة، وقلوب مصفوفة لحب الوطن وبناء الانتماء الحقيقي، هكذا تعلمنا وسنتعلم ونبني الوطن بعيداً عن التحالف الأمريكي باستقلال بالمبادئ والقيم الوطنية والثوابت التي لا تعرف التلون بألوان النفاق المشهورة، فمن لا يعرف القيادة لا يدرك الأبعاد التي تتحول من الضغط إلى الضبط.

حمى الله البحرين ودامت أرضها عربية خليفية.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة