أنظمةُ تجديدٍ ملغمة
 تاريخ النشر : الأحد ٥ فبراير ٢٠١٢
عبدالله خليفة
عودة العرب والمسلمين إلى جذورهم هو الأمر الاجتماعي الطبيعي بعد عقود من لبس الملابس الفكرية السياسية المستوردة، وكما انتزعوها بأسباب فقد لبسوها ثانية بأسباب.
الاشتراكية الكاملة الناجزة والرأسمالية التامة المصنعة، كلتاهما وهم ايديولوجي، الآن هم مع الواقع، مع البنى الموروثة التي أضيف إليها وتغلغل فيها بعض الحداثة من اليمين واليسار العالميين.
الآن يجري نضالٌ لتكوين أنظمة عربية ديمقراطية تعبر عن مجمل طبقات السكان ويجري ذلك من خلال البرلمانات وتداول السلطة وتداول المعارضة، ويجري بأشكال عملية التأثر والأخذ من كل الأنظمة المفيدة للتطور.
القوى المالية والدينية المحدودة في التصنيع التي عبأت رساميلها في التعاملات النقدية الربحية السريعة واستفادت من القطاعات العامة خاصة في بلدانها والبلدان العربية الأخرى، جرت بسرعة خاطفة نحو الكراسي من دون أن تملكها لأن السلطات القديمة موجودة في الأجهزة العسكرية والأمنية والبيروقراطيات.
كي تفهم هذه الأنظمة والقوى الاجتماعية السياسية الجديدة الواقع، وكي تضع رساميلها في عجلات الاقتصاد المتوقفة، وتختار الخطط الاقتصادية المحركة الشعبية بعد نزاعات واختلافات، وكي توسع الأسواق، وتخفف من مشكلات البطالة والفقر، تحتاج إلى سنوات!
لكنها لا تُترك لتؤسس وتعمل في هذه الأنظمة الجديدة، لأن ثمة قوى اجتماعية سياسية متضررة، مضروبة، فقدت عروشَها الاقتصادية والسياسية، فهي تفجرُ الأحداث وتختلق النزاعات والجرائمَ والمحاكمات الهزيلة وتضع العصي في الدولايب التاريخية.
إنها تفجر الصراعات بين المسلمين والمسيحيين، بين المؤمنين والعلمانيين، بين اليمين واليسار، بين الشباب والكهول، بين الدينيين المعتدلين والدينيين المتطرفين، بين الفرق الرياضية المتنافسة، بين من انتصر انتخابيا ومن هزم!
تحويل الثورات إلى فتن هو ما تسعى إليه القوى المهزومة في الأنظمة تساعدها الفلول والقوى المتطرفة من اليسار واليمين.
هذه دروس للجماهير العربية كي تعرف خطورة الثورات، فهي ليست لعباً بل هي عواصف ضارية، فلابد من السير السياسي الاجتماعي بأشكال عقلانية ديمقراطية توحيدية ولابد من تصحيح البنى والأنظمة من الفساد والتخلف السياسي والمشكلات الحادة التي تعانيها الجماهير بدلاً من استغلالها في تلك العواصف، وأن يجري ذلك من قبل جميع القوى السياسية العربية متحدة أو متعاونة.
ولا توجد للقوى السياسية التي وصلت إلى السلطات برامج معدة أو رؤى لترى موقعها في التاريخ المعاصر، بل تمشي كما مشى السابقون على التجريب والتنافس وإلغاء الجبهات الوطنية التوحيدية العفوية التي قادت عمليات التحول والتي ينبغي أن تكون حقيقية.
إن السير نحو النظام الديمقراطي المدني كما يسمونه لا يستقيم من دون إبعاد التوجهات المذهبية والدينية عن العمل السياسي، فالأديان جذور حضارية لجميع السكان وليست أدوات سياسية للمناورات، وألعاب الكراسي.
لقد قام المجلسُ العسكري في مصر بالدفاع عن النظام القديم المنهار، وفَرقَ القوى السياسية المناضلة عبر فصل الدينيين عن القوى المدنية والعلمانية، والقوى الدينية اهتمت بحضورها وسيطرتها أكثر من تنظيف النظام القديم وتشكيل نظام جديد عبر تلك الجبهة الوطنية الديمقراطية الواسعة، وتكريس الأمن وإعادة تشغيل الحياة الاقتصادية كمهمتين رئيستين.
وتمزق القوى الثورية وعدم القيام بالتطهير وعدم إمساك القوى المدنية متعاونةً بالسلطة هو الذي فجّر المشكلات وجعل فلول النظام السابقة القوية داخل النظام نفسه تتلاعب بالجميع.
الوعي الايديولوجي لدى الدينيين يلعب دوراً سلبياً في كل ذلك، عبر إسقاطهم أفكارهم وشعاراتهم الدينية ومسائل العبادات على التطور السياسي الاقتصادي، والاعتقاد بأن الرأسمالية المالية الطفيلية التي يقودونها هي الحل، بدلاً من رأسمالية إنتاجية وقيادة للقطاع العام الصناعي، ومن هنا هذه القراءات السطحية للواقع وللبناء السياسي حيث يتصورون أن المجلس العسكري جسمٌ مستقل عن الطبقة السابقة المسيطرة التي لاتزال في مواقع مهمة، ويلعب المجلس دوريها القياديين العسكري والسياسي، فلابد أن يقوم بإعادة إنتاجها وعودتها من خلال القوى القديمة أو من خلالهم، وفهموا تصعيدهم بأنه قبول بالدين وشعاراته، فيما هو مناورة سياسية، ولفصلهم عن الجمهور الوطني وعن رفاق دربهم الديمقراطي العلمانيين والتقدميين خاصة، وتخويف بقية الأطراف منهم، وإثارة الفتنة الطائفية مع المسيحيين، وغير هذا من كوارث غير مسبوقة، وكانت مذبحة بورسعيد الرياضية قمة هذا المسلسل، فيما البرلمان الذي قفزوا إليه لا يناقش إزاحة القوى القديمة المسيطرة على أجهزة الدولة الحيوية قبل كل شيء.
لا بد من تعاون وثيق بين القوى التقدمية والدينية على برنامج عمل سياسي اقتصادي سريع يكون أساساً لجبهة مشتركة فالألغام المدفونة كثيرة في الطريق السياسي وسوف لا تكف عن التفجر وقتل الأبرياء!
.
مقالات أخرى...
- مخاطر حرق الأوراق - (4 فبراير 2012)
- رؤى وطنيةٌ ديمقراطية - (3 فبراير 2012)
- الأيديولوجيا والعنف في المشرق - (2 فبراير 2012)
- تناوبٌ بين اليمينِ واليسارِ - (1 فبراير 2012)
- لماذا خندقان؟ - (31 يناير 2012)
- العنف في المشرق العربي - (30 يناير 2012)
- عودة للأمةِ العربية - (29 يناير 2012)
- إلى أين قادتْ خطوطُ التفكك؟ - (28 يناير 2012)
- البرجوازياتُ الدينيةُ في الحكم - (27 يناير 2012)