الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٦٤ - الأحد ٢٩ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٦ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


عودة للأمةِ العربية





إن تحولات الدول العربية المعبرةِ عن مرحلةٍ مضطربة من تطور الشعوب العربية، تتوجه نحو التوحيد أو التفكك، إنهما شكلان معبران عن قوة أو ضعف القوى التحديثية الوطنية.

فهي الأمة نفسها التي تعطي ملايين تغير، وآلاف تفكك وتغير للأسوأ.

ثمة بُنى اجتماعية استطاعت أن توجد قوى وسطية توحيدية أحدثتْ تحولات وأخرى لم تقدر على هذا.

التياراتُ السياسية العربية المتعددة الرؤى قام الكثير منها على الأممية الماركسية أو الإسلامية أو القومية الشمولية، وهذه الأشكال من الوعي كانت تركز في تجاوزِ الشعوب العربية نحو وحدةٍ أكبر، ولم تكوّن الجدليةَ بين ما هو وطني وقومي وبين ما هو قومي وما هو عالمي، فالقومي يذوبُ في العالمي الذي يغدو مجرداً، ثم زائلاً.

كان هذا الوعي يركز في قوى اجتماعية هامشية كانت ذات تأثير كبير في الحراك الاجتماعي، فالعمال كانوا ذوي قدرات فاعلة مهمة ومن أجل تحولات اجتماعية إشتراكية، وهي فاعليات أدت إلى ضمور الطبقات العمالية لصالح غيرها، ولا عجب أن تقوم في الثورات العربية الراهنة بالدفاع عن مطالبها الاقتصادية بقوة، بعد أن ساهمت بقوة في الدفاع عن الديمقراطية ونُسيت.

كما أن الوعي الاشتراكي المطروح بصيغ الأممية المجردة، المركز في الدفاع عن المعسكر الاشتراكي، لم يعد له وجود اجتماعي سياسي عالمي يدور في قطبه.

ضعف الأممية الاشتراكية جعل العمال يعودودن لقضاياهم المطلبية ويركزون في رفع المستوى المعيشي لهذه الطبقات التي اُستغلتْ في كل الثورات والتحولات.

أما الأممية الإسلامية فلم تعدْ لها صيغ نضالية متجسدة من الممكن أن تقوم بتحولات اجتماعية، فقد خطفها المتطرفون نحو الإرهاب أو نحو التعبير عن مراكز قومية متضخمة تلغي حضورَ الشعوب والقوميات الأخرى.

أما الاتجاهات القومية فذابت في أنظمة شمولية لم توحد ما هو وطني، وبالتالي لم تستطع أن ترتفع لما هو توحيدي قومي.

ولهذا غدا الوسط الإسلامي الليبرالي جامعاً لفئاتٍ كبيرة تعبر عن الطبقات الوسطى وهي في حالات تشكل، وقدرت على تحريك ملايين للتغيير ووصولها هي لبعض السلطات العربية.

ما هو مرئي إن هذه الوسطية التي كانت التحليلات والمواد الإعلامية الكثيفة تركزُ فيها خلال العقود السابقة استطاعت بناء توحيد وهو الأساس الممكن للتغيير في أي بلد، ومن دونه هناك الفسيفساءات المذهبية والدينية والسياسية.

وقاد هذا الحراكُ الوسطي إلى ضعف اليسار المتطرف واليمين المتطرف معاً، في بعض البلدان في حين انه لم ينتصرْ في بلدان عديدة أخرى.

كان نشوء فئات وسطى وعمالية فكرية متعاونة على الخطوط الدنيا للديمقراطية هو الباعث لهذا التحول، الذي بدأته الطبقاتُ العاملة سواء في مناجم تونس في الجنوب أم في معامل الغزل والنسيج في المحلة الكبرى، وطورته قوى وسط ليبرالية ويسارية لتحوله إلى وعي ديمقراطي متحرك يبتعد عن أقصى اليسار وأقصى اليمين، ولا يطرحُ أمميةً من أي نوع، ولا طبقة طليعية، مما يجعله كذلك في مخاض اجتماعي يمثل طيفاً واسعاً غير متبلور.

سادت خطوط فكرية أهمها سيادة الوعي الديمقراطي وتغيير البرلمانات الصورية والقبول بالآخر الديني أو اليساري، واعتماد قواعد الوعي الشعبي الراهن بكل مشكلاته وسلبياته وعيشه الطويل في أنظمة استبدادية وجعله أساس التصويت والانتخاب من دون مراحل انتقالية تنويرية، مما جعل الطبقات العمالية التي كانت هي المُحولة الأساسية للأنظمة الشمولية لا تحصل على أي شيء من البرلمانات فتقوم بإضرابات واسعة للدفاع عن مصالحها الاقتصادية من دون أن تتوقف عن دعم القوى الديمقراطية. لقد خافت أن تضيع مصالحها البسيطة في رفع الأجور مع تحركات القوى المالكة والغنية لقطف ثمار المرحلة لصالحها وهي التي كانت رابضة تحت الرماد بانتظار مثل هذه الفرص!

إن غيابَ التوجهات السياسية الفكرية الحادة نحو أقصى اليسار وأقصى اليمين أفاد المرحلة في ظهور قوى الوسط المتجمعة ضد الشموليات ولكنه جعل الأجيال الشابة بلا منظور طبقي واضح، وغدا الجمهورُ الفقيرُ الواسع المفتت يتبع القوى التقليدية التي مدت شباكها فيه لعقود، مما أحدث تطوراً من جهة وتخلفاً من جهة أخرى.

فحصلت ثوراتٌ عظيمة ثم نتائج سياسية وانتخابية هزيلة!

لقد تغيرتْ الأنظمةُ الشمولية وصعدت قوى شمولية!

لكن الديمقراطية حتى بمثل هذه النتائج والقوى أفضل من الزمن السابق، وهي تمثل فرصاً لإعادة النظر في الأطروحات والبرامج الجامدة في عقود، ومن أجل التوحيد الجدلي بين ما هو وطني وقومي وما هو عالمي، ومن أجل ألا تتسع الهوات بين الطبقات العاملة والطبقات المالكة، وأن تجمع القوى السياسية بين الحفاظ على أشكال الديمقراطية البرلمانية وتطوير الحياة الشعبية التحديثية.

إن الروابط التعاضدية القومية والعالمية سوف تظهر لكن البلدان المتآكلة من الشموليات بحاجة للبناء الداخلي أولاً، وعبر ذلك سيظهر تعاونٌ قومي واسع وتضامنٌ أممي أكبر ولكن أسس ديمقراطية.

وستكون مراكز الأمة العربية الديمقراطية الكبيرة مثل النواة لعمليات تجديد للشعوب العربية بأسرها.

إن دور القوى التحديثية المختلفة هو التعاون على أسس التغيير الديمقراطي وتعريبه بشكل عميق وهي مرحلة طويلة من العمل والدرس.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة