حــاوروهــم
 تاريخ النشر : السبت ١١ فبراير ٢٠١٢
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد..
فإن الله سبحانه وتعالى قد أعطى لكل إنسان حريته وكرامته «ولقد كرمنا بني آدم»، ووهبه عقلاً به يفكر ويعتقد، ومن عجيب خلق الله أن ترى الإنسان لا يستميت من أجل أمرٍ ما، ولا ينافح ويدافع من أجل شيء ما، استماتته ومنافحته ودفاعه عن أمرٍ يدين به، أو يدين الله به، أو هو عقيدة أو مذهب راسخ في عقله وقلبه وهواه، تربى عليه هو وأجداده وأسلافه، وتراه من البعيد جدا جدا أن يغير هذا الدين أو تلك الأفكار والمعتقدات، ولا فرق إن كان هذا الدين أو المعتقد صواباً أم خطأً، حقاً أو باطلاً، فإن الإنسان يدافع عن دينه ومعتقده ويؤمن بأنه الحق الذي لا حق غيره.
هذه مقدمة مشاهدة واقعية لا يمكن تجاهلها أو تناسيها، ولقد شهدت الوقائع التاريخية والعقول المستقيمة أن مدافعة هذه الاعتقادات والأفكار وما يعتنقه البشر أبداً لا يكون بقوة السيف، ولا بالقمع، ولا بالزج في السجون أبد الآبدين، ولا بالإهانة، ولا بالتذليل والتسقيط والتسفيه، بل العكس من ذلك إن ممارسة مثل هذه الأفعال مع أصحاب المعتقدات الأخرى يزيد من رسوخ ذلك المعتقد وتلك الأفكار في عقولهم، وبالتالي تؤدي هذه المواجهة إلى مزيد من الاحتقان ومزيد من الانغلاق على الذات والطائفة.
إن التعامل الأمثل مع من يحاربني أو يعاديني من منطلق عقائدي ديني، هو الحوار فإن لم يكن فالحوار، فإن كان ولابد فالحوار.. كيف لا وهذا هو منهج الأنبياء وسبيلهم؟ أبداً لم تكن بداية دعوتهم محاربة لأقوامهم ومجتمعاتهم التي كانت تخالفهم المعتقد والدين، بل كانوا عليهم الصلاة والسلام يعرضون دعوتهم عليهم ويسمعون منهم ما يقولون بلا مقاطعة أو تحقير، فذاك إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع قومه وأبيه يتبع أسلوب المناقشة والحوار، وهذا موسى عليه الصلاة والسلام يحاور ويناقش قومه عندما عبدوا العجل من دون الله ، وهنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع صناديد الكفر وأعداء الإسلام من قريش في مواقف شتى جاء ذكر بعضها في القرآن الكريم تخليداً لهذا المنهج وهذا السبيل قبل اتخاذ الإجراءات الأخرى التي اتخذها حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعد مكابرة وعناد بعض أقوامهم.
المملكة العربية السعودية نموذج واقعي مشاهد رائع جداً لهذا التأصيل فبعد أن عانت في فترة سابقة من تلك الفئة الخارجة على الدين والأخلاق والقانون من سموهم «الفئة الضالة»، مع كل إنكارنا لصنيع هذه الفئة وأنه ليس من دين الله في شيء أبدا، نقدر عاليا موقف المملكة العربية السعودية في محاربتها لهذا الفكر بإنشائها «لجنة المناصحة» برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود تضم في أعضائها نخبة من العلماء والمفكرين والأكادميين، فبعد قبض السلطات على مجموعة كبيرة من تلك الفئة التي فجرت وخربت وأرهبت وأبقتهم في السجون كان دور «لجنة المنصاحة» محاورتهم ومناقشتهم والسماع منهم مع أنهم كانوا في زهرة الشباب، بل ان السلطات كانت ترسل إلى أزواجهم وأولادهم تذاكر الطيران لزيارة أهاليهم في السجون ويقومون برعاية تكاليف حياة أزواجهم وأبنائهم المعيشية، إذا كان دافع هؤلاء الشباب دينيا وتقربا إلى الله فلن يكون هناك حل أفضل من محاورتهم وبيان الحقائق لهم بالدليل والبرهان بأفضل أسلوب، بل إن في ذلك قطعا لكل آمال من غذوهم وعلموهم هذه الأفكار وسعوا بهم إلى طريق الضياع والهلاك وتخريب الأوطان والمجتمعات، وها نحن اليوم نرى الجارة العزيزة المملكة العربية السعودية بلا تفجير أو تخريب أو إرهاب.
نحتاج اليوم جدا في مجتمعنا على المستوى الحكومي والمجتمعي والفردي إلى استخدام هذا الأسلوب، فإن الاستمرار في المدافعة والمحاربة إنما هو علاج آني ووقتي، نحتاج فعلاً إلى استئصال هذا الفكر الإرهابي الذي نراه في مملكتنا الحبيبة مملكة البحرين، ولاسيما إذا كان من يقوم بهذه الأفعال المشينة والإرهابية أطفال وشباب لا ناقة لهم ولا جمل في تلك اللعبة. ولاسيما إذا كانت منطلقاتهم دينية وعقائدية غذاها بها ملاليهم ومن يرتدون عباءة الدين، اقطعوا الطريق على هؤلاء المخربين الأساسيين والأيادي الحقيقية في هذه المؤامرة الخبيثة على هذا الوطن واحرقوا عليهم أوراقهم، بمحاورة هؤلاء الشباب، بالسماع منهم، بمناقشتهم.
ياسر سيادي
.