من ذاكرة السينما.. شفيقة ومتولي..!!
 تاريخ النشر : السبت ١٨ فبراير ٢٠١٢
حسـن حـداد
في عام ١٩٧٨، قدم المخرج علي بدرخان فيلم (شفيقة ومتولي)، عن ملحمة شعبية مصرية. وقد شاءت الظروف أن يكون هو مخرجه، بعد أن توقف المخرج «سيد عيسى» عن تصويره عام ١٩٧٢. وبعد أن قرر المخرج «يوسف شاهين» استئناف التصوير في مطلع عام ١٩٧٦، وكان بدرخان مساعداً له في هذا الفيلم، عاد وأوقف التصوير ـ بشكل مفاجئ ـ وأسند مهمة تكملة الفيلم لمساعده علي بدرخان. وبهذا يكون (شفيقة ومتولي) هو أول سيناريو جاهز يقدمه بدرخان للسينما.. فمن المعروف أن بدرخان يشترك دائماً في كتابة سيناريوهات أفلامه، بل يتابع كل صغيرة وكبيرة فيها.
إن (شفيقة ومتولي) ليس فيلماً متكاملاً من الناحية الفنية، إنما ما يميزه هو أنه أضخم إنتاج سينمائي في موسم ١٩٧٨ والموسمين السابقين له. حيث اشترك فيه حشد كبير من الفنانين الجادين والباحثين عن سينما جادة وجيدة.. مثل يوسف شاهين كمنتج، وعلي بدرخان كمخرج، وصلاح جاهين كسيناريست، ومحسن نصر كمدير تصوير، إضافة إلى سعاد حسني وأحمد زكي في دوري البطولة .
والفيلم (الملحمة الشعبية) يحكي عن شفيقة (سعاد حسني)، الفتاة التي قادها الفقر والتخلف إلى الوقوع في عالم الرذيلة والدعارة، والتي تقتل على يد شقيقها متولي (أحمد زكي)، انتقاما للعرض والشرف.
وقد انتقل السيناريو، الذي نفذه بدرخان، بالقصة الأصلية إلى فترة حفر قناة السويس، فترة الصراعات بين إنجلترا وفرنسا، وذلك لإضفاء بعد سياسي على الأحداث الدرامية. مما أعطى للفيلم طابعاً خاصاً ومميزاً، وخلق مناخاً اجتماعيا ذا أبعاد سياسية واستعمارية تتحكم في مصير الشعب المصري، الذي حفر القناة بسواعده وأرواحه .
لقد استطاع بدرخان، الذي وفق كثيرًاـ بمساعدة اللون والإضاءة والإكسسوارات ـ في الإيحاء بأجواء تلك الفترة التاريخية. كما أنه نجح في تصوير مدى القسوة والظلم والطغيان، الذي وقع على أفراد الشعب المصري، من خلال مشاهد قوية وواقعية صادقة، تمثلت في مشاهد حفر القناة، ومشهد مقتل العامل (أحمد بدير)، ومشاهد المجاعة والوباء المنتشرين بين العمال، وتصوير معاناتهم في تحمل كل هذا. وعلى الرغم من التطويل الممل في بعض الأغاني، إلا أن مشهد «المولد» يعد من بين أهم مشاهد الفيلم، بديكوراته الضخمة وتصوير حياة المولد الطبيعية من موسيقى ورقص ومرح. كما أن هناك مشاهد برع في تجسيدها بدرخان، مثل حمام الخيول في البحر، ومشهد جلب متولي للسخرة، إضافة إلى مشهد عودته إلى القرية. أما مشهد النهاية، فقد كان لمخرجنا وجهة نظر في تغييره.. تلك النهاية التي يسقط فيها متولي وشفيقة تحت رصاص السلطة. حيث يعتبر بدرخان الاثنين ضحية لقوى أكبر وأقوى منهما، وهي القوى التي تسحقهما في النهاية.
.