«المنامة» عاصمة للثقافة العربية وحضارة البحرين الإنسانية
 تاريخ النشر : الأحد ١٩ فبراير ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن أحمد عثمان
لقد جاء إعلان «المنامة عاصمة للثقافة العربية لعام ٢٠١٢م»، مبعث فخر مملكة البحرين خاصة، والدول الخليجية والعربية عامة.. حسبما عبر هذا الاحتفاء التاريخي بهذه المناسبة الحضارية، عن اعتزاز شعب البحرين العريق بتاريخه ونضالاته.. لطالما تظل «المنامة» مصدر إلهام المفكرين والمثقفين والمبدعين وتبقى «البحرين» تمثل مهد الحضارات الإنسانية، ومصدر التاريخ الإنساني العريق، ونبع الإرث المتأصل بمفهوميه «الأصالة والمعاصرة» و«التراث والتجديد».. منذ حضارة دلمون مرورا بحضارة أوال وحضارة تايلوس، وتواصلا بالمرحلة التاريخية القديمة والوسيطة والحديثة، التي تألقت فيها البحرين بعظمائها وأدبائها ومناضليها.. فتجلت أعلى درجات الرقي الإنساني والاجتماعي، وذروة المجد الأدبي والفكري والعلمي.. لأن هؤلاء العظماء «عظماء مملكة البحرين» عبر مختلف تلك الحقب التاريخية المتعاقبة، مثلوا ويمثلون برسالتهم المقدسة «الفنار» الذي أضاء بإشعاعاته «طريق المجتمع».. وأنار«درب الإنسان والبشرية» جمعاء.. «إشعاعات وإضاءات» هذا الفنار، قد حددت معالم حياة الأجيال المتعاقبة، بحاضرها ومستقبلها.. إذ تتلمس هذه الأجيال «واقع حاضرها».. بحكمة عظمائها الممثلة في علومهم وأفكارهم وعطاءاتهم، وتستهدي وجودها وتستمد ديمومتها باشراقة مستقبلها المتجسد بمغازي ومفاهيم حضارة وطنها وبلدها وترابها ومسقط رأسها.
في ذات السياق فإن ما يبعث على القول فخرا: ان الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، الكاتبة الباحثة ووزيرة الثقافة، هي من أضفى على إعلان «المنامة عاصمة للثقافة العربية لعام ٢٠١٢م»، السمة الحضارية بمفاهيم «الثقافة السياسية والثقافة الفكرية والثقافة التراثية».. وهي من أبرز معالم ومفاهيم حضارة مملكة البحرين، حينما أسست «مركز الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة للثقافة والبحوث»، في شهر يناير عام ٢٠٠٢م، وغيره من «المراكز الثقافية والمعالم التراثية والتاريخية»، كما انها اضاءت الوجه المشرق لعظماء وعباقرة ومبدعي مملكة البحرين، وفي مقدمتهم الأديب الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة والأديب والصحفي عبدالله الزايد، والأديب إبراهيم العريض، والشاعر عبدالرحمن المعاودة، والمفكر الدكتور محمد جابر الأنصاري، وغيرهم كثيرون من تلك الكوكبة المضيئة من الأدباء والصحفيين والمفكرين، الذين ينضوون تحت لواء عضوية «أسرة الأدباء والكتاب البحرينية» وغيرها من الجمعيات المهنية والأهلية والسياسية.
انه من الاهمية بمكان القول: إن إعلان «المنامة عاصمة للثقافة العربية لعام ٢٠١٢م»، قد ارتبط ارتباطا جدليا وعضويا بفعاليات وآليات وأنشطة مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، الذي يمثل «المنتدى» الفكري والأدبي، والوجهة الثقافية والسياسية والحضارية.. لطالما يؤم هذا «المركز الثقافي» العظماء والعباقرة والمبدعون، ويرتاده المفكرون والسياسيون والأدباء والمثقفون والفنانون وأصحاب الرأي والفكر والضمير، سواء على الصعيد «البحريني المحلي» أم على الصعيدين «الخليجي والعربي».. حاملين لواء الكلمة الشريفة، والأصوات الحرة، والآراء الشجاعة، والأفكار الوطنية المستنيرة، والابداعات الرائعة، التي ينهل الحضور من الجمهور الحيوي من معينها قمة الابداعات، وعمق الثقافات، وأرقى الفنون، وتدفق المعلومات، وتعدد المعارف، بمختلف مفاهيمها وأنماط أفكارها وانتماءاتها الوطنية المستنيرة، وتعدد أنساقها ومدارسها «الحديثة والحداثية».
وحسبما ارتبط إعلان «المنامة عاصمة للثقافة العربية»، بفعاليات مركز الشيخ إبراهيم الثقافي، ارتباطا جدليا كما اسلفنا القول.. فان وجود هذا «المركز الثقافي» قد عكس بجلاء تألق «البحرين» في المجالات التعليمية.. إذ تصدرت التعليم النظامي بقصب السبق على دول الخليج كافة، وذلك منذ عام ١٩١٩م.. وحسبما تميزت البحرين آنذاك بحراك وفاعلية المؤسسات الثقافية، وأنشطة الأندية الأدبية، منذ عقد العشرينيات.. فانها تألقت بالحركات الوطنية، ابتداء من انتفاضة الغواصين وثورة المناضلين «عبدالوهاب الزياني وأحمد بن لاحج» ورفاقهما في بداية عقد العشرينيات، والاضرابات العمالية عام ١٩٣٨م، ونضالات وابداعات الصحافة البحرينية التي قادها الأديب والصحفي والشاعر «عبدالله الزايد» بدعم من رفاقه «راشد الجلاهمة وحمد الفاضل وعلي عبدالله الزايد» منذ عقد الثلاثينيات وإلى غاية رحيله عام ١٩٤٥م.
إن ثورة «هيئة الاتحاد الوطني» توهجت بشموخ إلى عام ١٩٥٦م، ضد السياسة الاستعمارية والطائفية للمستشار البريطاني تشارلز بلجريف.. وانتفاضة مارس عام ١٩٦٥م ضد سياسة الاحتلال البريطاني للبحرين.. جاءتا تتويجا لنضالات وحضارة شعب البحرين منذ بداية القرن العشرين.
في نهاية المطاف نفخر بالقول: إن إعلان «المنامة عاصمة للثقافة العربية لعام ٢٠١٢م» قد عبر تعبيرا وجدانيا صادقا بخلاصة تلك الحصيلة الحضارية ببصماتها الفارقة «التاريخية والأدبية والثقافية والفكرية والفنية والنضالية» التي امتدت الى قرن من الزمان، بمفاهيمها التراكمية، عبر قانون «الكم والكيف».. وتغير تلك «التراكمات الكمية» الى «تحولات نوعية وكيفية» لمفاهيم حضارة البحرين الممتدة إلى أربعة آلاف سنة، والمتفاعلة مع مقومات الحضارة الإنسانية قاطبة بطابع من التكامل والتواصل والتجانس على حد سواء.
.