نحو وقفة تقويمية لسياسات تعزيز الوحدة الوطنية وكبح جماح النزعة الطائفية (٢)
 تاريخ النشر : الأحد ١٩ فبراير ٢٠١٢
بقلم : د. أسعد حمود السعدون
اشرنا في مقال سابق الى حقيقة لا يمكن تجاهلها تمثلت في طائفية الاحداث المؤسفة التي شهدتها مملكتنا الحبيبة في العام الماضي ومازال بعض تخرصاتها وتداعياتها ماثلا الى يومنا الراهن، فقدتميزت بأبعادها ومحركاتها واهدافها وارتباطاتها الطائفية مما استدعى معالجات عميقة تتجاوز الحلول السياسية والدفاعية التقليدية وذلك ناجم عن خطورتها ليس على النظام والأمن الوطني الراهن فحسب بل على الوحدة الوطنية والتركيبة الاجتماعية والنظام القيمي والثقافة الجمعية للمجتمع البحريني حاضرا ومستقبلا، وقد ادركت قيادة البلاد ذلك بشكل مبكر وحذرت من تداعياته، وما فتئت توجه إلى ضرورة السعي الجاد والتلاحم المخلص بين كل القوى الوطنية لكبح جماح النزعة الطائفية اينما كان مصدرها.
لقد كان حديث صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الامين أثناء لقائه مؤخرا سفير الولايات المتحدة الامريكية توماس سكراجيسكي واضحا في تأكيده ثوابت نهج القيادة في تشخيص طبيعة المشكلة التي تواجهها البلاد والاليات المطلوبة والمعتمدة لمعالجتها وتجاوز تحدياتها وتداعياتها فقد اكد سموه «ان الحل المنشود لما تمر به المملكة لابد أن يكون وطنيا بحرينيا وبمشاركة جميع الأطراف التي تحرص على حماية وطنها او الاستمرار في تحقيق أمنها وتقدمها وحريتها، وكذلك لابد من أن يكون هذا الحل توافقيا ويأخذ على عاتقه النهوض بمملكة البحرين لتتحرك مما هي فيه وتدرك ما نطمح إليه جميعا لمملكة البحرين من عزة وأمن وديمقراطية ومساواة».
وهذه الرؤية واضحة ولا تقبل التأويل وبالتالي فان جميع القوى وتحت مختلف المسميات اصبحت - وكما هو دائما نهج القيادة - امام مسئولياتها الوطنية في تعزيز اللحمة والوحدة الوطنيتين من دون حاجة إلى استشارات وخطط واستراتيجيات خارجية تحت اي مسمى او مظلة مهما يكن لونها او برقعها، وبالتالي فانها بحاجة الى وقفة تقويمية صادقة لمسيرتها وما يمكن ان تقود اليه وليكن المعيار في كل تحركاتها الاجابة عن سؤال مركزي موحد لكل بحريني وبحرينية هو هل يعد نشاطنا وطنيا جمعيا شاملا لكل مكونات الطيف البحريني ومعززا للوحدة الوطنية حاضرا ومستقبلا؟ ام انه نشاط مقتصر على جزء من مكون طائفي او مناطقي معين من مكونات الشعب ويقود الى تكريس الطائفية والمناطقية والانعزال؟ وبالنتيجة يصبح من مسئولية القوى الوطنية اعتماد وسائل واساليب جديدة ذات نهج وأدوات وطنية حقيقية تتماشى مع متطلبات تعزيز الوحدة الوطنية وفي مقدمتها دعم وتشجيع انشاء نمط جديد من الجمعيات السياسية والخيرية والثقافية والفرق والاندية الرياضية التي تضم جميع مكونات الشعب ، وان يكون معيار الترخيص لها ودعمها مستوى التوازن وحجم التمثيل لمكونات الشعب البحريني فيها، من جانب، ومن جانب آخر فإن الوزارات والادارات التنفيذية ومنظمات المجتمع المدني مدعوة الى المزيد من الممارسات والانشطة التي تكرس الوحدة الوطنية، فعلى سبيل المثال العاملون في الوزارات والمؤسسات الحكومية هم من مختلف مكونات واطياف الشعب وعلاقاتهم الوظيفية والشخصية حميمة داخل وزاراتهم، مما يتطلب تعزيز هذه العلاقات عبر الاسكان الوظيفي المشترك وليس الاسكان المناطقي ذو الصبغة الطائفية الصارخة، والمراكز الثقافية والترفيهية والاجتماعية الوظيفية المشتركة، بما يقود الى مزيد من التعارف والتعاون الاسري بينهم، كما يمكن ان تقوم منظمات المجتمع المدني وبالتعاون مع المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بتشجيع الشباب على الزواج من غير طائفته عبر الدعم المادي او توفير السكن او غيره من انماط الدعم.
عموما فان الامل معقود على شباب البحرين ومثقفيه واوساطه الاكاديمية في تحويل هذه المرئيات والتوجهات التي تمتلئ بها قلوب الطامحين الى نهضة البحرين وبناء مستقبلها المشرق بعون الله ثم صدق نهج القيادة في الاصلاح والبناء، الى واقع عملي ملموس.
على الرغم من ان القوى التي لا تريد الاصلاح والتطوير والتي تعايشت على الطائفية والمناطقية ورفع الشعارات المزركشة التي تدغدغ المشاعر وتثير العواطف الانية وتبلد العقول ستقف بقوة بالضد من هذه المرئيات وستسعى بمختلف الوسائل الى تحجيم اليات تنفيذها، فهذا هو التحدي الحقيقي الذي ينبغي ان نتصدى له بقوة الفعل الوطني الجمعي وبصدق التوجه وبصحة التوجيه، وعليه ندعو الى استحداث هيئة وطنية عليا لتعزيز الوحدة الوطنية وكبح جماح النزعة الطائفية يقودها أكاديميون ومثقفون وشباب من مختلف مكونات الشعب، ترتبط بالديوان الملكي وتسعى الى وضع برامج وخطط عملية وواقعية لتعزيز الوحدة الوطنية قابلة للقياس والتقويم وفي اطار استراتيجية وطنية شاملة لحماية امن ومستقبل البحرين.
* أكاديمي وخبيراقتصادي
.