الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨٥ - الأحد ١٩ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٧ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


العلاقات الدولية في الإسلام





جاء في سورة الإسراء قوله تعالى : (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا) الآية .٩

وتلفتنا هذه الآية الجليلة إلى أن القرآن العظيم هو دستور الأمة الإسلامية، وأنه حوى تشريعات تنظم حياة البشرية على اختلاف ألوانها ومللها وألسنتها، لأنه كتاب معجز أنزله الذي يعلم السر وأخفى، وهو خالق هذا الإنسان الذي يعلم كل ما يجول في نفسه وخواطره من همسات الخير، ولمزات الشر، ولهذا فنحن من أنصار قراءة النص القرآني قراءة متخصصة،أي أن على كل صاحب تخصص أن يقرأ القرآن من واقع تخصصه، صحيح أن القرآن ليس كتاب سياسة، ولا اقتصاد، ولا اجتماع، ولا تاريخ، ولا تربية، ولكنه أشار إشارات موحية إلى هذه العلوم والتخصصات، وغيرها كثير، وأنه قدم الحل الأمثل لكل معضلة يواجهها الإنسان في حياته.

والقضية التي نحن اليوم بصددها، ونعرضها على القرآن لنرى حكمه فيها، هي قضية العلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم من الأمم، وهذه العلاقات لها مستويان: الأول هو: في حالة السلم، والثاني: في حالة الحرب.

لقد تكفلت آيتان من سورة الممتحنة بتوصيف هذه العلاقات،وتحديد ملامحها، ووضع الأسس لها، وذلك في قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين .٨

وهذه الآية تحدد ملامح ومعالم العلاقات بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول، وذلك في حالة السلم، فالمسلمون مأمورون من الله تعالى بأن يحسنوا في تعاملهم مع غيرهم، وأن يبلغوا القمة في هذا التعامل التي وصفها الله تعالى بالبر والقسط، ومعلوم أن البر هو جماع كل خير، وأن القسط هو العدل في أبهى صوره، كما يصورهما الإسلام في أهم مصدرين من مصادره، وهما: القرآن والسنة.

نعم أي دولة لا تقاتل المسلمين في دينهم، ولا تحاول إخراجهم من ديارهم، فهي محل تقدير المسلمين، واحترامهم، وسوف تنال هذه الدولة أقصى معاني الالتزام من المسلمين طاعة لمولاهم عز وجل،وأن اختلاف الدين لا يفسد هذه العلاقات، ولا يقلل من شأن هذه الدولة المسالمة للدولة الإسلامية، والمسلمون لا يبدأون غيرهم بالعدوان، حتى حين يتطلب الأمر مواجهة عسكرية، فإن المسلمين مأمورون بألا يتجاوزوا حقهم، يقول سبحانه وتعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) البقرة/.١٩٠

وحروب المسلمين كانت دائماً إما لرد اعتداء واقع أو متوقع، وإما لرفع يد الأنظمة الظالمة عن كاهل شعوبها، ثم تترك الحرية لهذه الشعوب في اختيار العقيدة التي يريدون وتطمئن إليها نفوسهم، ولم يجبر الإسلام في أي بلد من البلدان أهله على اعتناق الإسلام، ومن دخل في الإسلام من هذه الشعوب كان بمحض إرادته، وخالص حريته، والشواهد على ذلك كثيرة في وجود أعداد كبيرة من أهل الكتاب الذين اختاروا البقاء على عقائدهم في ظل دولة الإسلام التي صانت لهم حقوقهم، وحمت لهم دور عبادتهم من: بيع وكنائس وأديرة، بل حتى الذين يدينون بغير شرائع سماوية لهم الحقوق والرعاية نفسها في البقاء على دياناتهم كما لأهل الكتاب.

إذاً، فالآية (٨) من سورة الممتحنة تصور العلاقة بين المسلمين وغيرهم على أساس البر والقسط، وهذا أقصى ما يصل إليه المسلمون في حسن المعاملة مع غيرهم شريطة ألا تقاتل هذه الدولة المسلمين، وألا تخرجهم من ديارهم، ولا تظاهر غيرها على إخراجهم من هذه الديار، فإذا فعلت ذلك، وأعطت على نفسها العهود والمواثيق بما يؤمن حدود الدولة الإسلامية، ويحمي بيضة الإسلام، في هذه الحالة على المسلمين أن يبروا هذه الدولة ويقسطوا إليها في التعامل، وهذا التزام ديني قبل أن يكون التزاما سياسيا، وأن هذا الالتزام موثق في أعظم وأوثق كتاب وهو القرآن الكريم، معجزة الإسلام الخالدة، وأن هذا العهد هو عهد الله تعالى يقدمه المسلمون إلى غيرهم، وهم ملزمون به ديانة، وهذا أعلى مقامات الالتزام، وأوفاها عهدا.

أما الحالة الثانية وهي:علاقة المسلمين مع غيرهم في حالة الحرب، فهي ما ذكرته سورة الممتحنة، الآية ٩:

(إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون).

نعم لا يستقيم لا في عرف العقل، ولا في الدين، ولا حتى في السياسة أن نعامل من يقاتلنا ويخرجنا من ديارنا، بل يظاهر على إخراجنا من ديارنا، المعاملة نفسها التي نعامل بها الذين لم يقاتلونا، ولم يخرجونا من ديارنا،ولم يظاهروا على إخراجنا.

كل الشرائع والمواثيق والأعراف الدولية ترفض المساواة في المعاملة بين الدولة المسالمة والدولة المعتدية، وهذا ما قرره القرآن الكريم حين فرق بينهما، وجعل لكل دولة معاملة خاصة بها من دون سواها، واتفاقات لها وحدها لا يشاركها غيرها معها.

الدولة التي تقاتل المسلمين، وتخرجهم من ديارهم، بل تظاهر غيرهم على إخراجهم، أي أن هذه الدولة المعتدية لا تكتفي بمقاتلة المسلمين في دينهم، ولا إخراجهم من ديارهم، بل تبحث عمن يخرج المسلمين من ديارهم وتقدم له الدعم والمساندة اللوجستية سواء كان ذلك عسكريا، أو اقتصاديا، أو سياسيا، والنماذج في عالمنا واضحة شديدة الوضوح، كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية مع ربيبتها دولة العصابات الصهيونية، وللأسف الشديد، فالمسلمون لا يعملون بما يأمرهم به قرآنهم، ويوجههم إليه إسلامهم، فهم يبرون ويقسطون إلى الدولة التي قاتلتهم وأخرجتهم من ديارهم، بل ظاهرت غيرها على إخراجهم.

الدول التي فعلت كل ذلك هناك نماذج لها في حاضر المسلمين مثل: بريطانيا وأمريكا ودولة العصابات الصهيونية، فبريطانيا احتلت الدول الإسلامية وقسمتها إلى دويلات صغيرة، ثم عمدت إلى فلسطين وأعطتها اليهود، فهي أعطت ما لا تملك إلى من لا يستحق، أسهمت في قتالنا وإخراجنا من ارضنا، ثم جاءت أمريكا لتفعل كل ذلك مع مظاهرتها لدولة العصابات الصهيونية في إخراج أهلنا من فلسطين. إذاً، فقد كان من المفروض أن يكون لنا موقف قرآني مع هذه الدول التي تقف وراء الكثير من الأزمات والمصائب التي تعانيها أمتنا الإسلامية، وتحاول حلها والخلاص منها لكن من دون جدوى، فالأعداء كثر، ومن يظاهرونهم علينا هم كذلك كثر، والحكام المسلمون متفرقون، ومتناحرون، كل يدافع عن موقعه الذي هو فيه ويصغر هذا الموقع ويتقلص حتى يصبح كرسيا واحدا، هو كرسي السلطة، الذي قد يتقاتل عليه الأب والابن، ويتآمر كل على الآخر، وأقصى ما يسعون إليه هو إطالة أمد بقائهم على الكرسي،وينسون أن لهم شعوباً لها حق الرعاية والعناية عليهم، حتى تقع الواقعة، فإذا الحاكم وحاشيته خارج السلطة،بل خارج التاريخ، وأنهم أصبحوا مجرد أفراد يقفون مثل غيرهم أمام منصة القضاء ينتظرون حكم الشعب فيهم، بعد أن كانوا يصدرون الأحكام الجائرة في حق شعوبهم. لقد عرف الأعداء نقطة ضعف حكامنا، وهي حرصهم الشديد على البقاء على كرسي السلطة أطول مدة ممكنة، فإذا أراد الأعداء تمرير مصلحة لهم، أو لمن يظاهرون،فما عليهم إلا أن يحركوا الكرسي، فيشعر الجالس عليه بالخطر، فيستجيب في سلاسة ويسر لمطالبهم، وربما يعطيهم فوق ما يطلبون للحفاظ على مكانه ومكانته.

إذاً، فما يقوله القرآن الكريم بشأن العلاقة مع الدول شيئ، وما ينتهجه الحكام المسلمون مع تلك الدول شيء آخر لا علاقة له بالقرآن، ولا صلة له بشريعة الإسلام، فالمصالح عند هؤلاء الحكام فوق القرآن ، وفوق الإسلام، وهي وحدها التي تحدد لون العلاقة مع هذه الدولة أو مع غيرها سواء كانت تتظاهر بالمسالمة، أو تظهر العداء لأمة الإسلام.

ويبقى المهم في الأمر كله أن يبقى الكرسي ثابتا، وأن يظل الجالس عليه مطمئنا، هادئ البال، وليذهب الجميع بعد ذلك إلى الجحيم.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة