الجمهوريون يراهنون على حصان خاسر
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٨ فبراير ٢٠١٢
بقلم: د. جيمس زغبي
إن المترشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية ٢٠١٢ ميت رومني في ورطة حقيقية وهو أمر تدركه جيدا قيادة الحزب الجمهوري نفسها. إن ميت رومني في ورطة حقيقية سواء فاز أو خسر في الانتخابات التمهيدية المزمع إجراؤها اليوم في كل من ولايتي ميشجان وأريزونا.
خلال الشهر الماضي، أخذ سباق الانتخابات الرئاسية الجمهورية منعرجا آخر حيث استطاع السيناتور ريك سانتورم من ولاية بنسلفانيا تجاوز ميت رومني حيث انه فاز قبل أسبوعين من الآن بثلاثة سباقات انتخابية تباعا : كولورادو ومينوسوتا وميزوري ، الأمر الذي جعل وسائل الإعلام تركز فيه وهو ما ساعده على التقدم على منافسه ميت رومني في أغلب استطلاعات الرأي التي أجريت حتى الآن على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يفاجأ بهذا المنعرج الجديد الذي آلت إليه الأمور إلا أولئك الجمهوريون الذين راهنوا على ميت رومني وقللوا من شأن بقية منافسيه. إن هذا الشعور المدفوع باعتبارات ايديولوجية صرفة من أتباع اليمين الديني في الحزب الجمهوري ونشطاء حزب الشاي هو الذي يتسبب اليوم فيما تشهده حملة الانتخابات التمهيدية الجمهورية من تقلبات مجنونة.
لقد سبق لي القول ان حزب الشاي وأمثاله هم الذين جعلوا المترشحين الجمهوريين الذين تتوافر فيهم الخصال اللازمة يمتنعون عن خوض معترك الانتخابات الرئاسية الأمريكية ٢٠١٢ ، وهو ما ترك الساحة خالية على مصراعيها لأمثال دونالد ترامب وعضو الكونجرس الأمريكي ميشيل باكمان وحاكم ولاية تكساس ريك بيري وامبراطور البيتزا هيرمان كاين. لقد اصطفت المؤسسة الحزبية الجمهورية حول ميت رومني واعتبرته «أفضل الخيارات السيئة» في السباق الانتخابي غير أن هذه المؤسسة الحزبية لم تستطع أن تحشد التأييد اللازم لمرشحها المفضل.
لقد ظل هذا الحشد العجيب والغريب من المتنافسين يقفزون مثل الضفادع وينتزعون من بعضهم بعضا قصب السبق ويتبوأون صدارة الترشيحات بضعة أسابيع فقط قبل أن يتراجعوا القهقرى بسبب انعدام كفاءتهم أو ما يشوب حملاتهم من ثغرات ونقائص او القوة التدميرية الكبيرة التي تمتاز بها حملة ميت رومني بفضل ما يضخ فيها من أموال طائلة.
لقد تصدرت ميشيل باكمان كل المترشحين الجمهوريين، ثم تلاها ريك بيري فهرمان كاين. قبل شهر واحد من الآن أبى نيت جنجريتش إلا أن يأخذ نصيبه وتصدر بقية المترشحين الجمهوريين حيث فاز في الانتخابات التمهيدية في ولاية ساوث كارولاينا واحتل الصدارة في استطلاعات الرأي غير أنه لم يعمر طويلا، فقد استعاد ميت رومني زمام المبادرة وأنعش حظوظه في كل من فلوريدا ونيفادا إلى أن جاء دور منافسه سانتورم.
لقد سعت الماكينة الحزبية الجمهورية وبذلت كل ما في وسعها من أجل تعزيز حظوظ ميت رومني وساعدته على تحقيق الفوز وأحاطته بهالة إعلامية. لقد عمل قادة الحزب الجمهوري على مستوى الولايات أيضا على مساعدة ميت رومني على تحقيق الفوز في ولاية مين ورحوا يعلنون أن ميت رومني قد ألحق الهزيمة بمنافسه عضو الكونجرس الأمريكي رون بول.
في الحقيقة لم تكن مثل هذه «الانتصارات» تعني أي شيء على أرض الواقع غير أنهأ أسهمت في جعل وسائل الإعلام تكف عن استهداف ميت رومني واستنزاف الجهود التي يبذلها. يمكن أن نلمس في خضم كل ذلك مدى مايشعر به ميت رومني والمؤسسة الحزبية الجمهورية نفسها من يأس.
يريد حزب الشاي والجناح الديني الراديكالي في الحزب الجمهوري مرشحا «ايديولوجيا صرفا» وهم يعتبرون أن ميت رومني لا تتوافر فيه هذه الخصال. أما قيادة المؤسسة الحزبية الجمهورية فهي تريد مرشحا يستطيع الوصول إلى البيت الأبيض من دون أن يضر بفرص الحزب الجمهوري للسيطرة على كل من مجلسي النواب والشيوخ ، علما أن قيادة الحزب الجمهوري تعتبر أن أيا من هؤلاء المترشحين لا يستطيع تحقيق أي من هذين الهدفين المنشودين.
هكذا يتواصل ما أسميه الحرج الناجم عن هذين «الاقتتال والاستنزاف» في صلب الحزب الجمهوري. لقد تجلى هذا الأمر بكل وضوح في المناظرة التلفزيونية الجمهورية التي جرت يوم الأربعاء الماضي حيث ان المترشحين راحوا يركزون هجماتهم «القذرة» في بعضهم بعضا أكثر من تركيزهم في الرئيس باراك أوباما نفسه.
باعتباري من أنصار الحزب الديمقراطي فإنه يمكنني أن أشمت في الحزب الجمهوري الذي يدمر نفسه بنفسه، لكن باعتباري أمريكيا ومواطنا في هذا العالم فإن هذا الأمر يشعرني بالسوء، فهذا الوضع لم يؤد فقط إلى إضعاف حظوظ المترشحين واهتزاز صورتهم بل إنه قد تسبب في تصعيد الجدل الانتخابي بشكل خطر حيث ان كل واحد من المترشحين المتبقين قد راح يميل إلى اليمين من أجل استرضاء الأجنحة الراديكالية والدينية في قاعدة الحزب الجمهوري. هناك تكمن الخطورة على الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد حبس الجمهوريون أنفسهم في أكثر المواقف المتطرفة التي يمكن تصورها ، سواء تعلق الأمر بالاقتصاد او بالسياسة أو بالمجتمع أو بقضايا السياسة الخارجية ، الأمر الذي أدى إلى تعزيز أكثر النوازع والغرائز الرجعية في قاعدة الناخبين الجمهوريين. فهذا هو الحشد الجمهوري نفسه الذي ظل يردد أن «باراك أوباما مسلم» والذي نظم الحملة المناوئة لبناء مركز إسلامي في بارك ٥١ القريب من موقع برجي التجارة العالمية سابقا في نيويورك وهو أيضا الذي زعم أن أوباما قد شكل «فرق موت» كجزء من خطته للرعاية الصحية. إن هؤلاء الناس أنفسهم يريدون اليوم إرسال قوات عسكرية إلى العراق ويدعمون الدخول في حرب جديدة ضد إيران ، في وقت مازلنا فيه نحاول ترميم الخراب الناجم عن حربين دخلتهما الولايات المتحدة الأمريكية في العراق وأفغانستان دون أن تنهيهما، كما أن هؤلاء القوم أنفسهم يزعمون بأن أوباما يريد أن يلقي بإسرائيل «تحت عجلات الحافلة حتى تدوسها».
هذا ليس بالحزب الجمهوري الذي عرفه أجدادكم. هذا مخلوق جديد، مخلوق يبدو أنه لا ميت رومني ولا المؤسسة الحزبية نفسها قادرة اليوم على قيادته والسيطرة عليه. مهما تكن النتيجة التي ستتمخض عنها انتخابات اليوم التمهيدية فإن الكثير من صفوف الحزب ستعرف المزيد من القلق.
* رئيس المعهد العربي الأمريكي
.